"jacobin": التودّد لواشنطن لا يصبّ في مصلحة الأرجنتين

يتعين على قادة الأرجنتين المستقبليين أن يدركوا أنّه من المستحيل تحقيق اقتصاد متوازن وعادل ما داموا خاضعين لأهواء النظام المالي العالمي.

  • الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أرشيف)

يكتب أندرو ستوتون، الكاتب والمترجم المقيم في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، مقالاً في موقع "jacobin" يتحدث فيه عن الرئيس الأرجنتيني الحالي خافيير مايلي، ويذكره بالتاريخ الذي مرت به البلاد وكيف أن محاولته التودد للولايات المتحدة لن يعود بالخير على بلاده، وأن الفرصة الأفضل هي في دول الجنوب العالمي، وخصوصاً دول البريكس.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

كانت كل من البرازيل والصين تعدّان أكبر الشركاء التجاريين للأرجنتين حتى ارتأى الرئيس خافيير مايلي تحويلهما إلى خصمين. ففي محاولة يائسة للتودد للمصالح الأميركية، تحوّلت السياسة الخارجية لحرب مايلي الباردة إلى بقايا أيديولوجية بعيدة كل البعد عن عالم متعدد الأقطاب. 

ويعدّ رئيس الأرجنتين خافيير مايلي شخصاً رجعياً. فهو يمتلك قصة ذقن تتميز بالسوالف من دون لحية ويرتدي سترة جلدية، وفرقته المفضلة هي "رولينغ ستونز". وهو محارب بارد ينطق بخطاب مناهض للشيوعية عفا عليه الزمن ولا يتوافق مع الديناميات الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين.

إلّا أنّ معطيات الاقتصاد الأرجنتيني والعالمي لم تردع مايلي من اتباع برنامج للتجارة والسياسة الخارجية يسعى إلى إعادة مواءمة البلاد مع الولايات المتحدة ومصالحها، في تمثيل صامت للحرب الباردة. ومن خلال خفض الإنفاق بشكل كبير، وخصخصة القطاعات الوطنية، وتحرير الاقتصاد، لا يأمل مايلي في الحد من التضخم فحسب، بل في جذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة الأرجنتين إلى كنف النظام المالي الدولي أيضاً. وبذلك، يستحضر أسلوباً قديماً ورغبة البلاد القديمة في العودة إلى "العالم المتقدّم"، ويعبرّ في الوقت عينه عن مخاوف قديمة بشأن تدهور اقتصاد البلاد الذي دام عقوداً من الز من.

ولكن في حال تمعّن خافيير مايلي في الماضي، فسيدرك أنّ الاعتماد المفرط على الدعم الأميركي لن يساعد الاقتصاد الأرجنتيني، والأهم من ذلك، شعبه. فإذا أرادت للأرجنتين أن تحلّ مشاكلها المالية وتطور بنيتها التحتية وقطاعاتها الضرورية لمستقبلها، فيتعين عليها الابتعاد عن الهيمنة الأميركية وتبنّي الوعد باتباع نهج متعدد الأقطاب في ما يتعلّق بشؤونها التجارية وسياستها الخارجية. وهو نفس النهج الذي سبق أن تبنته الإدارة السابقة والذي ينبغي للمعارضة أن تعتز به باعتباره يجسّد رؤية لمكانة الأرجنتين المستقبلية على الساحة الدولية.

حرق جسور 

لقد قدّم مايلي الكثير من الاقتراحات للولايات المتحدة. وعندما كان مُرشحاً للرئاسة، وعد بقطع العلاقات مع فنزويلا وكوبا. كما صدم الكثيرين بقوله إنّه سيفعل الأمر نفسه مع البرازيل والصين، أول وثاني أكبر شريكين تجاريين للبلاد، وواحدة منهما فقط شيوعية بالاسم. وعلى الرغم من أنه حافظ على علاقات بلاده التجارية مع كلا البلدين، إلا أنه تراجع عن الالتزام الذي قطعته الأرجنتين العام الماضي بالانضمام إلى مجموعة البريكس. كما أعلن أنّ القطاع العام في الأرجنتين لن يشارك في أي نشاط اقتصادي مع الصين.

وتعكس سياساته الاقتصادية في الداخل التزاماً مماثلاً بلفت انتباه الولايات المتحدة. وكما ذكر خوليو بوردمان في النسخة الأرجنتينية من صحيفة "لوموند ديبلوماتيك"، فقد لعب دور "الخبير الاقتصادي المالي" البارع من خلال تركيزه على موازنة الميزانيات على حساب سلامة الاقتصاد الفعلية. ولا تعكس سياسته التقشفية الحادة التزاماته التحررية فحسب، بل جهوده المكثفة أيضاً الرامية لاسترضاء واشنطن وصندوق النقد الدولي. ومنذ توليه منصبه، حاول خصخصة الكثير من القطاعات الوطنية والسماح ببيع أجزاء كبيرة من منطقة باتاغونيا للشركات في الخارج، الأمر الذي من شأنه أن يسمح للمصالح الأجنبية بامتلاك أجزاء من احتياطيات البلاد من النفط الثمين والليثيوم. كما دعا بوضوح إلى أن يحل الدولار الأميركي محل البيزو كعملة رسمية للبلاد.

ومع ذلك، لم تذهب جهوده سُدىً. ففي كانون الثاني/يناير، كرّر مايلي خطابه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. وفي شباط/فبراير، التقى بغيتا غوبيناث، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي، التي أشادت بالتقدم الذي أحرزته البلاد في عهد مايلي، إلاّ أنها أعربت عن قلقها إزاء حدّة التقشف التي قد تلحق الضرر بشكل غير متكافئ بالشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع الأرجنتيني. وفي اليوم التالي، قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة إلى مكتب الرئيس في قصر كاسا روسادا، وتحدث بشكل إيجابي عن جدوى البلاد بالنسبة لمصالح التعدين الأميركية وقدرة الحكومة على خفض العجز في ميزانيتها. واختتم مايلي أسبوعه الحافل بالأحداث بالتحدث في مؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC)، حيث التقى دونالد ترامب، الذي طلب منه "جعل الأرجنتين دولة عظيمة مرة أخرى".

إنّ كل ما نحتاجه هو النظر إلى التاريخ الحديث لندرك أنّ محاولات مايلي لجعل الأرجنتين منطقة خاضعة للهيمنة الأميركية لن تحرر البلاد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها منذ عقود. وبالعودة إلى تاريخ تأسيس البلاد، يمكننا استخلاص عبرة أخلاقية تمتد لقرون من مخاطر الاعتماد على راعٍ أجنبي واحد.

سنوات سِمان.. وسنوات عجاف

في القرن التاسع عشر، أدى التصنيع في الشمال العالمي إلى زيادة الطلب بشكل كبير على صادرات المحاصيل والمنتجات الحيوانية المختلفة. ما أفضى بدوره إلى  تحقيق نمو سريع في عجلة الاقتصاد الأرجنتيني، ولا سيّما في النصف الثاني من هذا القرن. ومع ذلك، ساهم عامل مهم آخر في اكتساب البلاد مكانة مميزة، ألا وهو رأس المال البريطاني. إذ كانت بريطانيا لفترة طويلة شريكاً تجارياً مهماً (وغير مشروع) لمنطقة "ريفر بليت". وبعد استقلال الأرجنتين عن إسبانيا، حصلت بريطانيا على الفرصة لجعل هذه العلاقة أكثر أهمية لاستخراج المعادن من البلاد. 

وعندما أنشأت الأرجنتين حكومة مركزية مستقرة في عام 1820، أطلقت برنامجاً اقتصادياً يُعرف باسم "La Feliz Experiencia"، أزال جميع أشكال الحماية المحلية ضد واردات المملكة المتحدة، وسمح للشركات البريطانية باستخراج الموارد الطبيعية، وأنشأ مصرفاً مركزياً تموله العاصمة البريطانية وتسيطر عليه. في هذه الفترة، لم تكن الأرجنتين تملك أسطولاً تجارياً خاصاً بها، ما يعني أنّ لندن كانت قادرة على السيطرة على جزء كبير من التجارة البحرية. فاضطرت حكومة الأرجنتين، تحت سيطرة المصالح البريطانية، إلى الاقتراض بأسعار فائدة استغلالية، ما أدى إلى حصول أول أزمة عملة في البلاد بحلول نهاية عام 1820، مع تسجيل عملة البيزو انخفاضاً في قيمتها بنسبة 80% بين عامي 1827 و1829.

واستمرت مثل هذه المشاكل تعصف بالأرجنتين طوال فترة اعتمادها على السلطة الإنكليزية. وزعم الاقتصادي الألماني جيرهارت فون شولز-جيفيرنيتز في عام 1906 أنه في العقود التي سبقت ذعر عام 1890، كان من الممكن اعتبار الأرجنتين "مستعمرة شبه إنكليزية" نتيجة درجة اعتمادها. وقد حفز رأس المال البريطاني تطوير تكنولوجيا التبريد لنقل لحوم البقر وشكّل العمود الفقري للعملة والنظام المصرفي في الأرجنتين. كما دعم بناء نظام السكك الحديدية في الأرجنتين بين عام 1850 والحرب العالمية الثانية، وفي هذه المرحلة كانت المملكة المتحدة تمتلك نحو 66% من شبكة البلاد بأكملها.

وعندما حل ذعر عام 1890، أدى تزايد الدين الوطني المستحِق في الأساس للشركات الإنكليزية أمثال "بارينج براذرز"، إلى تخلف البلاد عن سداد ديونها للمرة الأولى. وانخفض تدفق رأس المال البريطاني إلى الأرجنتين بشكل كبير وازداد سوءاً مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، ما أدّى إلى انخفاض الاستثمار البريطاني بشكل كبير. وعلى الرغم من أنّ كثيرين يناقشون العوامل الهائلة وراء التدهور الاقتصادي النسبي للأرجنتين في القرن العشرين، إلاّ أنّ اعتمادها على رأس المال البريطاني، واختفاءه في نهاية المطاف، قد لعب دوراً بارزاً فيه. 

دائرة الجشعين

تخاطر الأرجنتين اليوم بتكرار نفس الأخطاء التي ارتكبتها في القرن الأول من التنمية الاقتصادية. وتُعدّ الولايات المتحدة ثالث أهم شريك تجاري للأرجنتين. ومع ذلك، فإن سياساتها تجاه الأرجنتين في العقود الأخيرة لا تشير إلى أنّ هذه الشراكة يمكن أن تشكل الأساس لعلاقة أكثر جوهرية.

لقد كانت واشنطن مسؤولة بشكل مباشر عن صعود آخر دكتاتورية عسكرية في البلاد، من خلال عملية كوندور. إذ قام المجلس العسكري، الذي اشتهر بتعذيب وإخفاء 30 ألف أرجنتيني، بتحرير الأسواق المالية في الأرجنتين والاستحواذ على مبالغ ضخمة من الديون الخارجية، وكلاهما سيؤدي جزئياً إلى التضخم المفرط في الثمانينيات والتسعينيات والتخلف عن السداد في نهاية المطاف في عام 2001. وعلى الرغم من تعدّد المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد من حيث النوع والمصدر، إلاّ أنّ هذا التدخل الأميركي في شؤونها قد لعب دوراً أساسياً في وضع البلاد على مسارها الحالي.

ومذاك، أصبحت المحاكم والأنظمة المالية في الولايات المتحدة مصدراً إضافياً للفقر المُدقع في الأرجنتين. فقد اضطرت الأرجنتين لفترة طويلة إلى الاعتماد على النظام القانوني والمالي الأميركي لإصدار السندات. (كانت البلاد تصدر سابقاً سنداتها من نيويورك منذ عام 1976، وهو نفس العام الذي وصلت فيه الدكتاتورية إلى السلطة). وقد خلق هذا الأمر مشكلات خطيرة للأرجنتين، وتحديداً مع "الصناديق الجشعة"، وهي صناديق التحوط والمؤسسات المالية الأخرى التي تشتري السندات المُتعثرة ثم ترفع دعوى للحصول على كامل مبلغ هذه السندات.

وفي عام 2005، أعادت الأرجنتين هيكلة ديونها المتعثرة وعقدت صفقات مع حاملي سنداتها من أجل سداد بعض المبالغ المستحقة وليس كلها من خلال السندات التي أصدرتها في السابق. وعلى الرغم من أنّ معظم حاملي السندات قبلوا تسويات مخفضة، فقد حصلت هذه المؤسسات الجشعة على أحكام قضائية في الولايات المتحدة أجبرت الأرجنتين على سدادها بالسعر الكامل للسندات. ونتيجة لذلك، لم تتمكن الأرجنتين من سداد أقساط التسويات السابقة من دون أن تدفع أيضاً للرافضين (7% من حاملي السندات) كامل المبالغ.

علاوة على ذلك، إذا قامت الأرجنتين بسداد المبلغ للرافضين بالقيمة الإسمية، فسيكون لنسبة 93% الأخرى من الدائنين الحق في رفع دعوى قضائية للحصول على نفس سعر السندات، وهو ما يتطلب إنفاق 100 مليار دولار من جانب الأرجنتين. وقد حدّت الصعوبات من قدرة الأرجنتين في الحصول على القروض الأجنبية خارج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمدة عقد من الزمن.

وفي الوقت الذي استطاعت فيه إدارة ماوريسيو ماكري النيوليبرالية ذات الميول اليمينية تسوية الوضع مع الدائنين الرافضين، اضطرت الحكومة إلى الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي لتمويل ديونها، الأمر الذي فاقم الوضع بسبب النمو الاقتصادي المحدود نتيجة عدم القدرة على الحصول على الائتمانات. وكان هذا أكبر قرض في تاريخ صندوق النقد الدولي. ونظراً لأنّ صندوق النقد الدولي نفسه اكتشف خللاً عميقاً في إدارته وإدارة الأرجنتين لقروض صندوق النقد الدولي طوال فترة التسعينيات، فقد تظنون أنّ صندوق النقد الدولي كان ليعمل على هيكلة الدين لتجنب أخطاء الماضي. إلّا أنّكم مخطئون. فقد ذهب 83% من الأموال من "قرض التنمية" هذا إلى خدمة الديون الخارجية، ما خلق مشكلة ديون جديدة تماماً مع صندوق النقد الدولي تركت الأرجنتين مع معدل تضخم سنوي يبلغ 211.4% في عام 2023.

لقد كانت حكومة الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بتقديم المساعدة عند كل خطوة. وكان من الممكن أن تتدخل لحلّ الصعوبات التي تواجهها الأرجنتين مع الصناديق الجشعة الأميركية. وبدلاً من ذلك، أشارت إلى أنّ الصعوبات التي تواجهها الأرجنتين مع الدائنين الرافضين لا تعدو كونها "نزاعاً تعاقدياً". كما كان من الممكن أن تتدخل في عام 2018، عندما كان صندوق النقد الدولي يستعد لتقديم قرض لا ينتهك ميثاقه فحسب، بل كان واضحاً أنّه سيتسبب في وقوع كارثة ما. فالولايات المتحدة هي في نهاية المطاف أكبر مساهم منفرد في المنظمة، وكما يعترف صندوق النقد الدولي صراحة، فإّنها تتمتع بحق النقض على بعض القرارات التي تتخذها المنظمة. وبدلاً من ذلك، اختارت واشنطن البقاء خارج المعركة، لأنها ببساطة لا تملك أي دافع للقيام بخلاف ذلك.

لمن يهمّه الأمر: انتهت الحرب الباردة

على الرغم مما يعتقده مايلي، فإنّ الحرب الباردة قد انتهت. إذ لن تقوم الولايات المتحدة بإغراق البلاد بالمال من أجل درء المصالح الصينية أو التجارة الروسية. وعندما كافحت الأرجنتين لتسوية ديونها في أعقاب التخلف عن السداد في عام 2001، لم تكن الولايات المتحدة الجهة التي اشترت المليارات من السندات الأرجنتينية؛ بل كانت فنزويلا. وعندما واجهت الأرجنتين صعوبة في سداد مدفوعات صندوق النقد الدولي في الصيف الماضي، لم تكن الولايات المتحدة الجهة التي تدخلت للمساعدة في تخفيف الضغوط؛ بل كانت الصين الجهة التي بدأت عملية تبادل (أخرى) للعملات، حتى تتمكن الأرجنتين من سداد الدفعة من دون استنزاف احتياطياتها من العملة. ومع ارتفاع التضخم في العام الماضي وتدهور التوقعات الاقتصادية للبلاد، لم تكن الولايات المتحدة التي مدّت يد المساعدة؛ بل كانت مجموعة بريكس.

لا يمكن للأرجنتين أن تحافظ على كرامة شعبها العامل إذا كان هدفها أن تصبح تحت وصاية رأس المال الأميركي. فقد رأت بالفعل كيف سيبدو هذا النوع من التبعية. وعندما يعرب الوزير بلينكن عن حماسه للفرص التي تقدّمها الأرجنتين للشركات الأميركية، فإن ذلك لا يعدو كونه تكرار لديناميات الاستثمار البريطاني التي أعاقت تقدم الأرجنتين لفترة طويلة. إنه صدى السياسات الاقتصادية الاستخراجية التي نفذتها الولايات المتحدة في جميع أنحاء الأميركيتين. ولن تخرج البلاد نفسها من هذا المستنقع من خلال السماح بتدفق أرباح الليثيوم والغاز إلى الولايات المتحدة، وكل ذلك في الوقت الذي تكافح فيه البلاد لسداد أقساط الديون.

وتمثّل الدعوة التي تلقتها الأرجنتين في العام الماضي للإنضمام إلى مجموعة البريكس خطوةً للمستقبل. وكما كتب خافيير ليفكوفيتش في صحيفة الصفحة 12 " Página 12"، فإنّ دول البريكس تُعدّ أسواقاً ذات احتياجات محددة تصدّرها الأرجنتين أكثر من غيرها، كالمواد الغذائية والمعادن والطاقة. علاوة على ذلك، تُمثل هذه الدول نصف الناتج المحلي الإجمالي للعالم، وأكثر من نصف النمو الاقتصادي العالمي منذ عام 2020. وباستطاعتها توفير المعرفة والخبرة اللازمتين بينما تقوم الأرجنتين بإعادة هيكلة اقتصادها. وتستهلك الصين بالفعل 75% من صادرات الأرجنتين من لحوم البقر، و93% من فول الصويا، ونحو 100% من الشعير والسورغم (الذرة البيضاء). وهي تمول مزارع الطاقة الشمسية، والمحطات المائية، ومناجم الليثيوم، وبناء السكك الحديدية، والبنية التحتية الزراعية. وعليه، لن تعّوض الولايات المتحدة هذا الركود إذا قررت الأرجنتين التوقف عن استقطاب الاستثمارات من مصادر أخرى.

في الخلاصة، يتعين على قادة الأرجنتين المستقبليين أن يدركوا أنّه من المستحيل تحقيق اقتصاد متوازن وعادل ما داموا خاضعين لأهواء النظام المالي العالمي. وما لم يفطنه مايلي عندما طلب منه ترامب "جعل الأرجنتين دولة عظيمة مرة أخرى" هو أنه في نظر الولايات المتحدة وصناديق التحوط التابعة لها، وفي نظر صندوق النقد الدولي ورأس المال الأجنبي، لا يمكن للأرجنتين أبداً أن تكون دولة "عظيمة" على الإطلاق مثل الولايات المتحدة. ولا يمكن أن تكون إلا دولة مَدينة، وموقعاً لاستخراج الموارد الطبيعية، ومصدراً للمواد الخام والأغذية والمعادن. وبالتالي، فهي بحاجة لسلوك مسار آخر.

إنّ القرن الحادي والعشرين يقدم فرصاً جديدة للتنمية تتجاوز أعباء الهيمنة الأميركية. فإذا أرادت الأرجنتين تحقيق الرخاء الاقتصادي لطبقتها العاملة وإنهاء التضخم واعتمادها على أهواء القوى الخارجية، عندئذ يتعين عليها أن تغتنم هذه الفرص، وتتخلى عن رؤية مايلي التي عفا عليها الزمن لعالم الحرب الباردة.

 

نقلتها إلى العربية: زينب منعم.