"Responsible Statecraft": الاستيلاء على الأصول الروسية سوف يطيل أمد الحرب

يسعى الغرب لتركيز خُطط ضارية لمعاقبة روسيا، مهما كان الثمن، مع أنّ ما يفعلونه لن يُؤثّر فيها، ولن يؤدّي إِلّا إلى إطالة أمد الحرب ومراكمة المزيد من البؤس الاقتصادي والإنساني على أوكرانيا قبل غيرها.

0:00
  • الجيش الروسي
    الجيش الروسي

موقع "Responsible Statecraft" ينشر مقالاً للكاتب إيان براود يتحدث فيه عن عواقب مخطط الغرب للاستيلاء على الأصول الروسية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تدفع النخب في المنظومة الغربية عملية تسريع قرصنة 50 مليار دولار من الفائدة المكتسبة من الأصول الروسية المجمّدة، البالغة 200 مليار دولار، التي تحتفظ بها "يوروكلير" في بروكسل. وكان القرار قد اتّخذ في قمّة مجموعة السبع الأخيرة لإطلاق حزمة الترتيبات وتقديم هذا المبلغ على شكل قُروض لأوكرانيا لسدّ الفجوة الهائلة في ميزانيّتها بسبب الحرب.

ومع أنّ هذا الاقتراح ضعيف التصور، وَيُخاطر بتكرار الأخطاء التي مهّدت الطريق للحرب إلى أوكرانيا، إِلّا أنّ القادة على ضفّتي الأطلسي يرون فيه حلّاً وسطاً استنباطياً لا يرقى إلى مُصادرة كامل الأصول الروسية المحتجزة، مع أنّ الولايات المتّحدة وكندا وبريطانيا مع السطو على كامل الأصول، وهم يجادلون الآن حول وجوب أن يقوم الاتّحاد الأوروبي على الأقلّ بتبنّي الإجراءات والقوانين الكفيلة بتجميد الأصول الروسية، حتّى تدفع موسكو ثمن الحرب الأوكرانية بالكامل.

كلّ ذلك لا يُموّه أنّ تجميد أُصول روسيا بمثل هذه الشروط يرقى بحكم الأمر الواقع إلى الاستيلاء الدائم عليها. في الحقيقة، إنّ هذا النهج التصعيدي العلني بدأ مُنذ العام 2015. وفي شهر آذار/مارس من ذاك العام، قام المجلس الأوروبي بمواءمة عقوبات بروكسل ضدّ روسيا مع اتّفاقية مينسك الثانية. وبعد 5 أسابيع فقط من توقيعها، تهرّبت من التزامها رفع العقوبات إلا في حال نفّذت روسيا كلّ بُنود الاتّفاقية المذكورة.

لقد كانت شُروط اتّفاقية مينسك من بنات أفكار دان فريد عندما كان مُنسّق الولايات المتّحدة لسياسة العقوبات في وزارة الخارجية، إذ عمل مع فيكتوريا نولاند، واستعان بمساعدة البريطانيين لدعم هذه الشروط بين الأوروبّيين، بإشراك كبار زُملائه بانتظام في وزارة الخارجية في لندن. وبعدما استبعدوا من مُحادثات السلام في أوكرانيا في العام 2014، أخذ البريطانيون بكلّ سرور هراوة تقديم شُروط مينسك بجولة من دبلوماسية الضغوط المكّوكية إلى بروكسل وعواصم الدول الأعضاء الأخرى من أجل ذلك، وكان تحرّكهم ناجحاً في صناعة الأزمة.

وعلى عكس العقوبات الأميركية الثابتة، تُجدّد عُقوبات الاتّحاد الأوروبي باتّفاق بالإجماع كلّ 6 أشهر أو نحو ذلك. وفي ربيع عام 2015 ظهر أنّ من المرجّح أن تنهار العقوبات الأوروبّية على روسيا حين أعربت دُول جنوب أوروبا عن قلقها من انتكاس اقتصاداتها بسبب هذه العقوبات، في الوقت الذي كان تركيز وزراء منطقة اليورو على حلّ أزمة الديون اليونانية أيضاً.

ومع ذلك، وضعت الشروط بحكم الأمر الواقع العقوبات الأوروبّية ضدّ روسيا في حالة لا تتزحزح، إذ لا يمكن لأي دولة عضو في الاتّحاد أن تُصوّت ضدّها من دُون دليل على تنفيذ اتّفاقية مينسك الثانية، مع أنّ فكرة التنفيذ الكامل من قبل روسيا كانت مُجَرّد وهم اختلقه دان فريد ووزارة الخارجية الأميركية.

تُحدّد مادّة أساسية من اتّفاقية مينسك الثانية إجراء مُفاوضات حول الوضع الخاصّ لإقليم دونباس، وهذا يُوضّح بدقّة لماذا لم ترغب أوكرانيا أبداً في المضي قدماً بوضع خاص للدونباس، بسبب مُناهضة كييف للفكرة من أساسها، كما صرّح قبل عامين وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا.

لذلك، عشية اندلاع الحرب، كانت الاتّفاقية المذكورة جُثّة تطوف في الماء لمدّة 7 سنوات. ومع ذلك، استمرّت العقوبات الجائرة ضدّ روسيا قائمة، بسبب الشروط المتّفق عليها عام 2015. والواقع أنّ أوكرانيا مارست ضغوطاً شديدة من أجل فرض عقوبات "وقائية" إضافية قبل إطلاق الطلقات الأولى واشتعال الجبهة.

كما أنّ قلّة من الناس في الغرب يُدركون إلى أيّ مدى غذّت العقوبات شعوراً بالظلم في روسيا بأنّ الغرب سوف يُعاديها، مهما حدث، ما ساهم أيضاً في قرار الكرملين بالبدء في العملية العسكرية الخاصّة.

هذا هو السبب في أنّ الاستيلاء على الأصول السيادية الروسية إلى أجل غير مُحدّد فكرة سيّئة من شأنها أَنْ تُكرّر الخطأ نفسه الذي ارتكبه الغرب بوضع شُروط مينسك. ومع فرض العقوبات، لم يكن هناك حافز لروسيا لتصديق توجّه الغرب السياسي في أوكرانيا. ومع عدم وجود أيّ احتمال لعودة حصّة من رأس مالها السيادي، فسوف تبعد موسكو أكثر عن طاولة التفاوض.

كما أنّ إضافة عُقوبات مشكوك فيها وغير قانونية على روسيا، من شأنه أن يرفع من المخاطر الأوسع نطاقاً على مصداقية أسواق رأس المال في الاتّحاد الأوروبي نفسه، وهو الأمر الذي حذّر منه رئيس "يوروكلير" بداية العام الجاري، لأنّه يُسرّع التحوّل الطويل الأجل من قبل الدول النامية نحو عُضوية مجموعة بريكس بعيداً عن الدولار واليورو في المبادلات التجارية والنقدية ومجالات الاستثمار الواسعة.

التطوّرات الأخيرة في ساحة الحرب الأوكرانية لا تشي بأنّ روسيا سوف تتعرّض للهزيمة. ولن تتمكّن أوكرانيا ومؤيّدوها الغربيون من فرض مطالبة بالتعويض عليها من موقع قُوّة أبداً. وقد أوضحت روسيا بأنّها غير مسؤولة عن تغطية تكاليف إعادة الإعمار بعد الحرب، وأعربت الدبلوماسية الروسية ذلك بوضوح خلال العامين المنصرمين.

إنّ روسيا لديها الموارد والقوى العاملة والموارد اللازمة لمواصلة القتال من دُون الحاجة إلى دعم التمويل الخارجي، وأوكرانيا لا تستطيع ذلك، وبالتالي التدافع على قرصنة الأصول الروسية أمر غير واقعي.

كتب مارتن ساندبو مقالة نُشرت في صحيفة "فاينانشال تايمز" بداية الشهر الجاري عن أن حاجة المنظومة الغربية إلى هذا النوع من الدعم المالي لأوكرانيا تنم على "بحث غير لائق وبديل تمويلي عن دافعي الضرائب في دول حلف شمال الأطلسي"، التي تكافح لتبرير استمرار الدعم المالي والعسكري أمام شُكوك الجمهور المتزايدة، وخصوصاً في الدول الأوروبّية، مثل ألمانيا وفرنسا.

وعلى الرغم من التدفّقات الكبيرة للمساعدات مُنذ بدء الحرب، اقترضت أوكرانيا نحو 40 مليار دولار في كلّ عام. وتقترب قيمة الدين من 100% من الناتج المحلّي الإجمالي، والبلاد تتأرجح على حافّة التخلّف عن سداد الديون السيادية.

وتسعى النخب المتطرّفة في الغرب لتركيز خُطط ضارية لمعاقبة روسيا مهما كان الثمن، مع أنّ ما يفعلونه لن يُؤثّر فيها، ولن يؤدّي إِلّا إلى إطالة أمد الحرب ومراكمة المزيد من البؤس الاقتصادي والإنساني على أوكرانيا قبل غيرها. وهناك حاجة مُلحّة إلى خُطّة اقتصادية أكثر عقلانية وأطول أمداً لأوكرانيا، ويجب أن يبدأ ذلك بالتأكيد بوقف إطلاق النار الذي طال انتظاره.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.