"Responsible Statecraft": بعد الضربة الإسرائيلية على قطر.. هل تكون تركيا هي التالية؟

ربّما تكون إجراءات الردع التي اتخذتها أنقرة على المستوى العسكري كافية لمنع القادة الإسرائيليين من القيام بأي تصرّف أحمق غير محسوب.

  • لجنة أنشأها نتنياهو أوصت بتخصيص الموارد اللازمة استعداداً لسيناريوهات صراع محتمل مع تركيا
    لجنة أنشأها نتنياهو أوصت بتخصيص الموارد اللازمة استعداداً لسيناريوهات صراع محتمل مع تركيا

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً تحليلًا سياسياً واستراتيجياً يدرس مدى إمكانية "إسرائيل" مهاجمة تركيا، ويوازن بين دوافع "إسرائيل"، قيودها، والقدرات التركية على الرد العسكري وغير العسكري.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لقد أثار الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الأطلسي، تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا، الحليف الآخر لواشنطن وعضو حلف "الناتو"، ستكون الهدف التالي لـ"إسرائيل". وتشير أوجه التشابه العديدة بين قطر وتركيا إلى أنّ الهجوم الإسرائيلي على الأخيرة ليس مستحيلاً تماماً، إلا أنّ هناك عدة عوامل يجب أخذها في الحسبان، أبرزها اعتماد "إسرائيل" الكبير على تركيا في شؤون متعددة، ما قد يشكّل رادعاً قوياً لهذا السيناريو.

وبينما تسعى "إسرائيل" لإدامة الكارثة الإنسانية المستمرة في غزّة منذ ما يقرب من عامين، إلى جانب التوسع الاستيطاني العدواني في الضفة الغربية، امتد هجومها نحو الدوحة مستهدفاً اغتيال قادة حركة "حماس"، بعد سلسلة هجمات على لبنان وسوريا واليمن وتونس وإيران والعراق، والآن قطر.

على الرغم من أنّ الهجوم على قطر يأتي ضمن المسار التصعيدي الإسرائيلي خلال العامين الماضيين، إلا أنّه يمثل خروجاً عن المألوف، إذ استهدفت "إسرائيل" جهة كانت تعتبر سابقاً، لأسباب وجيهة وكثيرة، خارج نطاق الاستهداف.

أولاً، وعلى عكس علاقتها العدائية الواضحة مع إيران، لا يمكن وصف علاقة "إسرائيل" مع قطر بأنها عدائية. بل على العكس، فقد حافظت الدوحة على علاقات محدودة لكنها ثابتة مع "إسرائيل"، حيث فتحت بين الحين والآخر قنوات للحوار غير الرسمي والتبادل التجاري، دون الوصول إلى علاقات دبلوماسية كاملة. كما تؤدي قطر دور الوسيط الرئيسي بين "إسرائيل" وحركة حماس، وهو دور أصبح أكثر أهمية خلال العامين الماضيين.

ثانياً، تمتلك قطر جيشاً حديثاً، وتستضيف قاعدة أميركية واسعة تضم 11 ألف جندي، وتفخر بدفاعات جوية أميركية متطورة. ثالثاً، قطر حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف "الناتو".

ولكن يبدو أنّ كل هذه العوامل لم تمنع "إسرائيل" من انتهاك السيادة القطرية بشكل صارخ، ما دفع المراقبين، من ضمنهم أصوات داخل "إسرائيل"، إلى التساؤل عمّا إذا كانت تركيا ستكون الهدف التالي للهجمات الإسرائيلية.

ليس هذا السؤال مستبعداً، فهناك أوجه تشابه لافتة بين تركيا وقطر تجعل كليهما مرشّحين جذّابين لضربة إسرائيلية محتملة. على سبيل المثال، تتمتع الدولتان بعلاقات ودية مع "حماس"، وقد استضافتا في الماضي وما تزالان تستضيفان قادة الحركة الفلسطينية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ووزراؤه قد اجتمعوا مراراً وبشكل علني مع قادة حركة "حماس"، ولطالما وصف إردوغان الحركة بأنها "مجموعة تحرير". بالإضافة إلى ذلك، ومنذ انهيار بشار الأسد في سوريا وصعود نظام مقرب من كلّ من تركيا وقطر في دمشق، أصبح المخططون الإسرائيليون ينظرون بشكل متزايد إلى تركيا وقطر باعتبارهما "تهديدين استراتيجيين".

وقد أوصت لجنة أنشأها بنيامين نتنياهو لدراسة البيئة الأمنية المتغيرة لـ"إسرائيل" بتخصيص الموارد اللازمة استعداداً لسيناريوهات صراع محتمل مع تركيا، خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط وحول نفوذ تركيا في سوريا وقطاع غزّة.

ولكن، بافتراض وجود رغبة إسرائيلية في مهاجمة تركيا، هل تفوق الدوافع التي تدفعها نحو مثل هذه الضربة القيود التي قد تكبح جماحها؟ تُستخدم الحجة الأكثر شيوعاً لنفي إمكانية قيام "إسرائيل" بضربة ضد تركيا في عضوية الأخيرة في حلف شمال الأطلسي، حيث يؤكد مناصرو هذا التفكير أنّ أي هجوم على تركيا سيؤدي تلقائياً إلى تفعيل المادة 5 من معاهدة الحلف، ما يلزم جميع الأعضاء بالدفاع عن تركيا.

مع ذلك، حتى في حال تفعيل المادة 5 بنجاح عند وقوع هجوم إسرائيلي مباشر على تركيا، فإن الأعضاء غير ملزمين بالرد بالقوة، إذ يسمح نص المعاهدة لكل دولة باتخاذ "الإجراءات التي تراها ضرورية"، والتي قد تتراوح بين التدابير العسكرية واللفتات السياسية البحتة، ما يتيح لأعضاء "الناتو" حصر ردهم في الدعم الدبلوماسي فقط بدلاً من الالتزام برد عسكري واسع.

وفي الواقع، كما كشفت تعاملات أنقرة السابقة المعقدة مع حلف "الناتو"، فإن بند الدفاع الجماعي لا يستبعد تلقائياً إمكانية تعرض تركيا لموقف محرج من زملائها في الحلف الأطلسي في حال تعرضها لضربة إسرائيلية. ففي عام 2012، بعد أن أسقطت سوريا طائرة عسكرية تركية، فكرت أنقرة في تفعيل المادة 5، لكنها استقرت في النهاية على مشاورات المادة 4، حيث نشر "الناتو" صواريخ باتريوت في تركيا، لكنه تجنّب تصعيداً عسكرياً أوسع، ما أبرز أنّ عضوية "الناتو" لا تضمن تفعيل المادة 5 تلقائياً في حال نشوب نزاع مسلح.

ويتجلى مثال واضح على حدود أو أخطار هذه الشراكات العسكرية في مأزق الضربة الإسرائيلية على الدوحة. فلا يغيب عن أنقرة ولا تل أبيب أنّ الروابط العسكرية العميقة لقطر مع الولايات المتحدة، كحليف رئيسي من خارج حلف "الناتو" ومستضيف كريم لقاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، لم توفر لها حماية تُذكر فحسب، بل كانت أيضاً عاملاً مهماً في تسهيل تنفيذ الضربة الإسرائيلية على ذلك البلد. وعندما وقعت الضربة، اقتصر دعم واشنطن للدوحة على بيان من مجلس الأمن يدين العملية الإسرائيلية، ما جعل قطر تنظر بمرارة إلى تحالفها مع واشنطن باعتباره صفقة خاسرة.

ومع ذلك، ما يزيد احتمالات ردع الإسرائيليين عن مغامرات عسكرية متهورة ضد تركيا هو القوة العسكرية التركية نفسها، ونفوذها الاقتصادي العميق على "إسرائيل"، ودورها البارز كراعٍ رئيسي للنظام السوري الجديد.

كذلك، تتفوق القدرات العسكرية التركية على قطر بشكل كبير، ليس فقط من حيث الحجم، بل أيضاً من حيث التطور التكنولوجي. وفي حال تعرّضها لضربة إسرائيلية، من المرجح أن تتمكّن تركيا من فرض قدر دائم من الردع العسكري باستخدام معداتها التقليدية، مثل الطائرات المسيرة محلية الصنع والطائرات الحربية الأمريكية الصنع.

ومع ذلك، إذا تصاعدت الأعمال العدائية إلى مواجهة مستمرة، فإن شبح الترسانة النووية الإسرائيلية سيفرض قيوداً معنوية كبيرة على مستوى شدة التصعيد التركي. كما يمكن للقادة الأتراك، في حال اندلاع مواجهة، استغلال موطئ قدمهم في سوريا لتوريد أسلحة متطورة للنظام السوري أو لجماعات مسلحة أخرى، ما قد يعقد حسابات "إسرائيل" الأمنية.

ورغم أنّ هذا يبدو مستبعداً حالياً، إلا أنّه في حال تزايد التوترات بالتزامن مع مجموعة نادرة من العوامل، قد تميل أنقرة إلى توجيه الحكومة الجديدة في دمشق بغضّ الطرف عن عمليات نقل الأسلحة الإيرانية أو غيرها، أو تمريرها إلى "حزب الله" عبر سوريا، مما يحدّ من فعالية الجهود الإسرائيلية لإضعاف عدوّها اللبناني.

ومن المفارقات أنّ أحد أكثر وسائل الردع التركية فعالية ضد أي هجوم إسرائيلي هو خيار غير عسكري، يتركز في قطع أو تعطيل إمدادات الوقود إلى "إسرائيل"، التي تعتمد بشكل كبير على النفط الخام المشحون من أذربيجان عبر ميناء جيهان التركي، ما يجعل تركيا شريان حياة حيوياً لأمن الطاقة الإسرائيلي.

ويعلم القادة الإسرائيليون أنّ أي هجوم على الأراضي التركية قد يسبب أزمة طاقة خطيرة تعيق اقتصاد "إسرائيل" وعملياتها العسكرية، وهو وسيلة ردّ فوري وقوي، وعلى عكس التصعيد العسكري، لن تتطلب من تركيا إطلاق رصاصة واحدة.

لا شك أنّ تركيا اليوم تمتلك أوراقاً حقيقية ومهمة يمكن استخدامها في حال اندلاع أعمال عدائية مع "إسرائيل". وإدراكاً لذلك، حتى أكثر الحكومات الإسرائيلية تهوراً ستفكر ملياً قبل اتخاذ أي إجراء عسكري عدائي ضد تركيا.

ورغم عوامل الردع، أثبت القادة الإسرائيليون، وخاصة في عهد نتنياهو خلال العامين الماضيين، قدرتهم على اتخاذ خطوات متهورة وغير مدروسة، مثل الحرب مع إيران أو الضربة الأخيرة على قطر.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.