"Scheerpost": كيف فشلت جهود أميركا و"إسرائيل" لتغيير النظام في إيران؟
تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يكشف فشل العدوان الإسرائيلي على إيران في تحقيق أيّ تغيير سياسي، ويبرز أنّ أيّ محاولة للتدخّل الخارجي قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتقوية النظام الإيراني.
-
"Scheerpost": كيف فشلت جهود أميركا و"إسرائيل" لتغيير النظام في إيران؟
موقع "Scheerpost" ينشر مقالاً يكشف فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه ضد إيران، ويظهر هشاشة قدرة "إسرائيل" على فرض تغيير سياسي بالقوة، مع تحذيرات من تداعيات مستقبلية على الأمن الإقليمي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في 29 تموز/يوليو الماضي، نشر "معهد دراسات الأمن القومي" في "تل أبيب"، وهو أحد أبرز المراكز المؤثّرة في سياسات الدفاع والأمن لدى الكيان الصهيوني، وثيقةً تدعو إلى تغيير النظام في إيران وتعرض الأساليب التي يمكن أن تستخدمها لتحقيق غايتها الخبيثة. غير أنّ المفارقة المريرة تكمن في أنّ معظم محتويات التقرير لا تؤكّد فقط استحالة بلوغ هذا الهدف، بل تكشف أيضاً كيف جعلت "حرب الـ12 يوماً" الكارثية، التي شنّها بنيامين نتنياهو من أجل ذلك، الأمر أكثر استحالة.
ويبرز في التقرير تناقض فاضح، إذ يدّعي أنّ "إسرائيل لم تضع إسقاط النظام في إيران هدفاً للحرب"، بينما كان نتنياهو قد أطلق في 15 حزيران/يونيو الماضي تهديداً صريحاً بأنّ الهجوم غير المبرَّر على الجمهورية الإسلامية "قد يفضي حتماً إلى تغيير النظام". كما زعم حينها أنّ حكومة طهران "ضعيفة للغاية"، وأنّ "80% من الشعب سيسقط هؤلاء البلطجية الدينيين". لكن سرعان ما أسكتت هذه التصريحات الجريئة وابلٌ صاروخي مدمّر وغير مسبوق من إيران، عجزت "إسرائيل" عن صدّه.
كما يزعم التقرير أنّ "بعض" التحرّكات العسكرية التي قام بها الكيان الصهيوني خلال "حرب الـ12 يوماً" كانت تهدف إلى "تقويض أسس" الجمهورية الإسلامية وإشعال فتيل احتجاجات شعبية واسعة. ومع ذلك، يعترف المعهد بأنّه "ليس فقط لا يوجد دليل على أنّ أفعال "إسرائيل" سعت بالفعل لتحقيق هذا الهدف، بل إنّ بعض تلك الأفعال كان لها أثر عكسي". وقدّم التقرير مثالاً على هذا الفشل، مشيراً إلى الهجوم الخاطف الذي شنّته "تل أبيب" على سجن إيفين في 23 حزيران/يونيو، والذي وصفه بأنه "ضربة رمزية تهدف إلى تشجيع الاحتجاجات العامّة".
لكن في الواقع، أسفر الهجوم عن مقتل عشرات المدنيين من سجناء وأفراد وطاقم طبي وإداري، إضافة إلى محامين، وهو ما أثار انتقادات لاذعة لـ"إسرائيل" حتى بين معارضي الحكومة الإيرانية داخل البلاد وخارجها، بحسب ما ورد في التقرير. ولم يقتصر الأمر على الداخل الإيراني، بل أدانت وسائل إعلام غربية ومنظمات حقوقية كبرى العملية، فيما وصفت منظمة العفو الدولية الهجوم بأنّه "انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي"، مؤكدة ضرورة "التحقيق فيه كجريمة حرب".
كذلك، لم تُحدث الهجمات التي استهدفت مقارّ قوات الأمن الداخلي الإيرانية، وقوات الباسيج، وحرس الثورة أيّ تأثير يُذكر، ولم تؤدِّ إلى اندلاع احتجاجات شعبية. ويشير تقرير "معهد دراسات الأمن القومي" إلى أنّ استهداف "إسرائيل" المتهوّر والعشوائي للبنية التحتية المدنية خلال الصراع قد بدّد أيّ احتمال لخروج المواطنين إلى الشوارع، حتى لو كانوا ميّالين لذلك، خشية تعرّضهم للنيران. كما أنّ عدوانية "تل أبيب" أثارت موجة شديدة من العداء ضدّ "إسرائيل" في أوساط عموم الشعب الإيراني.
ويلاحظ التقرير أنّ الإيرانيين أظهروا "درجة ملحوظة" من "الالتفاف حول العلم" خلال الحرب، وأبدوا "استعداداً للدفاع عن وطنهم في لحظة حرجة ضدّ عدو خارجي". كما تأسّف على اختفاء أي أثر فعلي للمعارضة داخل الجمهورية الإسلامية "بشكل شبه كامل" عقب الحرب. واليوم، لا توجد معارضة منظّمة، داخل البلاد أو خارجها، قادرة على حشد المتظاهرين أو تهديد بقاء حكومة الجمهورية الإسلامية، فضلاً عن إسقاطها.
بدلاً من تحقيق أهدافه المعلنة، لم يسفر التصعيد العدواني المفرط لـ "تل أبيب" سوى عن زيادة مخاوف الإيرانيين من محاولات القوى الأجنبية إثارة الفوضى والحرب الأهلية، واستغلالها لفرض نظام سياسي بديل في طهران. وقد شكّل هذا الحدث "صدمة كبرى للشعب الإيراني" لم يشهد مثلها منذ الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.
وما يلفت الانتباه، أنّ ملايين المواطنين، ولا سيما الأجيال الشابة التي تُصنَّف عادةً من قبل الجهات الخارجية باعتبارها "الركيزة الأساسية لأيّ تغيير للنظام"، قد اختبرت أهوال الحرب مباشرة، وهو ما جعلها أكثر اتحاداً من أيّ وقت مضى في مواجهة التهديدات الخارجية.
التأثيرات غير المقصودة
كما أظهرت الجمهورية الإسلامية "تماسكاً داخلياً عالياً" و"قدرة على التعافي بسرعة نسبية" من الهجوم الأولي الذي شنّه الكيان الصهيوني. ويعترف تقرير "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي بـ"غياب أيّ مؤشّر على تهديد كبير ومباشر لاستقرار طهران". وإلى جانب الدعم الواسع الذي تتمتع به الحكومة من أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، فقد تمّت مطاردة الشبكات الداخلية التي كان "الموساد" يسيطر عليها، والتي نشطت في بداية الحرب، ثمّ جرى تفكيكها وتمّت تصفيتها بشكل منهجي، الأمر الذي يجعل إعادة بنائها أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.
ورغم هذه الخلاصة، يصرّ التقرير، بشكل مبهم، على أنّ تغيير النظام في طهران لا يزال "حلاً ممكناً" و"هدفاً نبيلاً"، ليس للكيان الصهيوني وحده، بل "للمنطقة والغرب أيضاً". ويطرح التقرير أربع استراتيجيات مختلفة للإطاحة بالحكومة الإيرانية، لا تقلّ غرابة عن بعضها:
1- قطع رؤوس القيادة الحاكمة، أي اغتيال كبار مسؤولي النظام، بمن فيهم المرشد الأعلى وحلقته المقرّبة ورؤساء القيادتين السياسية والعسكرية، بزعم أنّ ذلك قد "يولّد واقعاً يتطوّر إلى تغيير سياسي".
2- إطلاق حملة سرّية لتغيير النظام بقيادة عناصر عسكرية وأمنية وسياسية داخل إيران، بهدف إثارة انقلاب عنيف في قلب السلطة.
3- تنظيم ودعم المعارضة في المنفى، عبر تدريبها على العودة السريعة إلى الداخل والاستيلاء على مراكز الحكم.
4- تغذية الانقسامات الداخلية من خلال تقديم الدعم للأقليات العرقية واللغوية، وتشجيع النزعات الانفصالية داخل إيران.
مع ذلك، يعترف "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي بأنّ كلّ مسار مقترَح قد يؤدّي إلى نتائج عكسية، تتمثّل في تعزيز تماسك الحكومة في طهران و"حشد الرأي العامّ حول رايتها"، وهو ما يجب تجنّبه. فعلى سبيل المثال، فإنّ قلّة من أبناء الجالية الإيرانية في الخارج الذين أيّدوا عدوان الكيان الصهيوني على وطنهم، أو دعوا إلى تمرّد شامل في طهران، ومن بينهم "الملكيون"، أثاروا نفوراً واسعاً لدى الجمهور الإيراني المحلي. ويشير التقرير إلى أنّ "شرائح واسعة من الشعب الإيراني تنظر إلى هؤلاء على أنّهم خانوا إيران في وقت حاجتها".
ورغم أنّ التحالف مع الجماعات الموالية للغرب و"إسرائيل" في الشتات، والتي تدفع نحو التغيير الثوري، قد يبدو أمراً طبيعياً، فإنّ مثل هذه الارتباطات قد تقوّض في الواقع مصداقية المعارضة الداخلية، وتعرقل في النهاية تحقيق النتيجة المرجوّة.
وبالمثل، يحذّر التقرير من أنّ اغتيال السيد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي طُرح كخيار خلال الحرب، "لن يؤدّي بالضرورة إلى تغيير النظام"، بل قد يفضي إلى نتائج عكسية كارثية. ومن المرجّح أن تجد الجمهورية الإسلامية صعوبة قليلة في اختيار خليفة له، قد يكون أكثر تطرّفاً أو أكثر كفاءة. كما أنّ اغتياله "قد يرفع مكانته إلى مصاف الشهداء"، وهو ما سيعزّز موقع الحكومة، ويوحّد الرأي العام ضدّ "تل أبيب"، ويعقّد محاولات زعزعة استقرار النظام عبر الاحتجاج الشعبي.
كما أنّ إيران دولة تفخر بتنوّعها الديني والعرقي، ويُعتبر "تشجيع النزعات الانفصالية" نهجاً مشؤوماً لشعبها، إذ يزيد من "الحساسية العامّة تجاه أيّ محاولات أجنبية تهدف إلى تعزيز التشرذم العرقي" داخل البلاد. كذلك، فإنّ أيّ جهود تبذلها "إسرائيل" أو حلفاؤها الأنجلو-أميركيون في هذا الاتجاه "سيُنظر إليها حتماً على أنّها محاولة لتقسيم البلاد"، وهو ما سيؤدّي إلى "توحيد شرائح واسعة من الشعب الإيراني ضد إسرائيل".
مشكلات القدرة
لا شكّ في أنّ "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي يخلص إلى أنّ وجهة نظر "تل أبيب" ترى أنّ إسقاط الجمهورية الإسلامية "يعتمد بشكل أساسي على عوامل خارجة عن سيطرة إسرائيل، وعلى محفّزات يصعب التنبؤ بنتائجها أبداً". ورغم ما يوصف بـ"النجاحات العملياتية الباهرة" في حرب الـ12 يوماً، فإنّ الصراع أثبت بوضوح أنّ العمل العسكري للكيان الصهيوني لا "يعزّز عمليات التغيير السياسي في إيران".
وبصورة أشمل، "تكشف التجارب التاريخية أنّ تغيير النظام من خلال التدخّل الأجنبي يؤدي في أفضل الأحوال إلى نتائج مشكوك فيها للغاية في منطقة غرب آسيا". فقد فشلت الولايات المتحدة في تحقيق النتائج المرجوّة في الغالبية العظمى من الحالات التي دعمت فيها تحرّكات لتغيير أنظمة هناك. كما أنّ "إسرائيل" نفسها تملك خبرة إشكالية في هذا المجال، سواء في حرب لبنان الأولى أو في محاولاتها المتكرّرة للإطاحة بحركة "حماس" في قطاع غزة.
وفي سياق آخر، يشير التقرير إلى أنّ إيران "قد تندفع نحو سباق تسلّح استراتيجي مع إسرائيل"، وهو ما من شأنه استنزاف مواردها الاقتصادية المثقلة أصلاً، وزيادة معاناة المدنيين. ومع ذلك، يعترف "معهد دراسات الأمن القومي" بأنّ النتيجة شبه الحتمية ستكون سعي طهران إلى امتلاك أسلحة نووية، باعتبار هذه الترسانة "ضمانة وجودية تشكّل بوليصة تأمين لبقاء الدولة".
ورغم إدراك "إسرائيل" للقيود المفروضة على قدراتها العسكرية والاقتصادية، فإنّ التقرير يؤيّد استمرارها في العمل "بنشاط" من أجل تغيير النظام في طهران، وإن كان يعترف بأنّ مسار هذا التغيير ليس واضحاً. لذلك، يؤكد أنّ من الضروري أن تبقى السلطات الإيرانية، ومعها الشعب الإيراني، في حالة يقظة دائمة تجاه التهديدات الخارجية، سواء كانت ظاهرة أم خفية.
كذلك، يظهر التقرير بوضوح أنّه في أعقاب حرب الـ12 يوماً لم يعد أمام الكيان الصهيوني أي خيارات جيّدة، بل باتت تحرّكاته محفوفة باحتمال إثارة عواقب أسوأ بكثير. كما يقلّل التقرير بشكل ملحوظ من شأن حقيقة أنّ الصراع تحوّل إلى كارثة عكسية على "إسرائيل".
وتشير تقارير أخرى إلى أنّ كبار المسؤولين في الكيان الصهيوني كانوا قد استعدّوا منذ آذار/مارس لشنّ هجوم في الـ 13 من حزيران/يونيو، بهدف ضرب إيران قبل أن "تعيد بناء دفاعاتها الجوية بحلول النصف الثاني من العام". وكانت الخطة الأساسية تقوم على تعطيل طهران عسكرياً وإشعال ثورة شعبية، وقد وُضعت بعناية منذ أشهر وسنوات، بعد أن جرت محاكاتها بالتنسيق مع إدارة بايدن. ومع ذلك، بذلت "إسرائيل" أقصى ما لديها في مواجهة إيران، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، وخرجت من الحرب في موقع أضعف.
لقد استندت "الخطة الكبرى" لـ "تل أبيب" في سعيها لسحق الجمهورية الإسلامية إلى استخدام كميات هائلة من الذخائر بتكلفة باهظة. فقد قُدّرت كلفة الحملة الفاشلة في أول 48 ساعة بنحو 1.45 مليار دولار، خُصّص قرابة مليار دولار منها للتدابير الدفاعية وحدها. كما قدّر خبراء الاقتصاد الحكوميون التكلفة اليومية للعمليات العسكرية بنحو 725 مليون دولار. ووفقاً لصحيفة "هآرتس"، فإنّ الأضرار المالية والمدنية المحلية قد تصل إلى عدّة مليارات، في وقت يعاني فيه اقتصاد الكيان أصلاً من الركود والضغط.
إلى جانب ذلك، أفادت تقارير بأنّ الكيان عانى نقصاً خطيراً في الصواريخ الاعتراضية خلال خمسة أيام فقط من القتال، رغم أنّ الولايات المتحدة كانت على دراية بمشكلات القدرات منذ أشهر، وسعت في الفترة الفاصلة إلى تعزيز "دفاعات إسرائيل" بأنظمة برية وبحرية وجوية. وحذّر تقرير صادر عن إحدى جماعات الضغط الصهيونية في تموز/يوليو من أنّه "بعد استنفاد جزء كبير من الصواريخ الاعتراضية المتاحة"، باتت كلّ من واشنطن و"إسرائيل" أمام حاجة ملحّة لتجديد مخزوناتهما ورفع معدلات الإنتاج بشكل حادّ.
وتُثار تساؤلات جدّية حول قدرة واشنطن وتل أبيب" على تحقيق أيّ من أهدافهما. فقد أشير إلى أنّ صواريخ "ثاد" الاعتراضية الأميركية وفّرت نحو 60% من منظومة الدفاع الجوي للكيان، لكنها استهلكت في المقابل قرابة 14% من إجمالي مخزون واشنطن من هذه المنظومة، وهو مخزون سيستغرق تجديده، وفق معدّلات الإنتاج الحالية، ما بين 3 إلى 8 سنوات. كما كشفت "الحملة الصاروخية واسعة النطاق" التي شنّتها إيران عن ثغرات كبيرة في أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأميركية، مقدّمة دروساً ثمينة قد تستغلّها طهران أو خصوم الولايات المتحدة الآخرون مستقبلاً.
وباختصار، يبدو الكيان الصهيوني اليوم كوحش محاصر، يندفع إلى الانقضاض بدافع اليأس لا بدافع القوة. قدرته على شنّ الهجوم، ليس فقط على إيران بل على محور المقاومة بأسره، من دون تعريض موقعه الهشّ أصلاً لمزيد من المخاطر، محدودة للغاية، إن لم تكن معدومة. كما أنّ "تل أبيب" باتت تعتمد اعتماداً شبه كامل على الدعم الأجنبي، في وقت تكشف فيه استطلاعات الرأي أنّها تُعدّ أكثر "دولة" مكروهة على وجه الأرض. وبينما تواصل افتراض قدرتها على اتخاذ "الخطوة التالية" ضدّ خصومها، يُظهر تقرير "معهد دراسات الأمن القومي" أنّ هذه الخطوة قد تكون الأخيرة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.