"The Conversation": أخطر أزمة مياه في إيران منذ ستة عقود.. ما الحلول؟
العاصمة الإيرانية تواجه نقصاً غير مسبوق في المياه واحتمال إخلائها. فما هي التغييرات التي قد تُساعد في حل هذه الأزمة؟
-
"The Conversation": أخطر أزمة مياه في إيران منذ ستة عقود.. ما الحلول؟
موقع "The Conversation" الأميركي ينشر تقريراً يتناول أزمة المياه العميقة في إيران، أسبابها، تداعياتها، والحلول المقترحة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:
تواجه إيران أزمة مياه هي الأشدّ خطورة منذ أكثر من 6 عقود. فقد باتت السدود الرئيسة، التي تزوّد المحافظات التي يسكنها ملايين السكان بمياه الشرب شبه فارغة، واستُنفدت احتياطات المياه الجوفيّة. كما شهد عدد من المدن موسماً خريفياً خالياً من الأمطار. وفي العاصمة طهران وفي مشهد، ثاني أكبر مدينة في البلاد، وصلت سعة بعض الخزّانات إلى أقلّ من 5% و3% على التوالي.
ووفقاً لبعض التقارير، باشرت السلطات بقطع المياه ليلاً عن العاصمة. حتى أنّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حذّر من احتمال إجلاء السكان في حال "لم تهطل الأمطار قريباً". وانتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر طلاباً جامعيين يحتجون على نقص المياه في الحرم الجامعي.
يُشكّل نقص المياه خطراً أمنياً جسيماً في إيران. ففي صيف عام 2021، اندلعت احتجاجات في محافظة خوزستان جنوب غربي البلاد بسبب النقص الحادّ في المياه. وبعد بضعة أشهر، تجمّع مزارعون في أصفهان للاحتجاج على جفاف نهر "زاينده رود". وفي شيراز (موطن المعالم الثقافية الشهيرة مثل مدينة "برسبوليس") وكذلك في المدن التاريخية الأخرى مثل أصفهان ويزد، يتسبّب هبوط الأرض في تشقّق المباني وانهيار الطرق وتهديد المعالم الأثرية بحيث يؤدّي الاستخراج المفرط للمياه الجوفية إلى إضعاف التربة تحتها.
يتمّ استخراج أكثر من 90% من مياه إيران للزراعة، ويفقد جزء كبير منها بسبب ممارسات الري غير الفعّالة. وتُشير الدراسات إلى أنّ حملة بناء السدود الطموحة في البلاد، التي تهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي من الغذاء والطاقة، قد أضرّت بالمنظومات البيئية الطبيعية وساهمت في جفاف الأراضي الرطبة والبحيرات الرئيسة. وتشمل هذه البحيرات بحيرة أورميا، التي كانت في السابق أكبر بحيرة مالحة في الشرق الأوسط وتحوّلت اليوم إلى حوض من الملح يمكن أن يُغذّي عواصف الغبار والملح في جميع أنحاء المنطقة.
إضافة إلى تغيّر المناخ الذي ساهم في تفاقم الجفاف، إلّا أنّ العقوبات حدّت من وصول إيران إلى التقنيات الجديدة، التي تشمل أنظمة الري المتطوّرة وأنظمة رصد الأقمار الصناعية عالية الدقة، مثل بيانات الرادار InSAR (التي يمكنها رصد هبوط التربة)، ومنصات الذكاء الاصطناعي السحابية للرصد الدقيق للمناطق الحضرية أو مستوى البنية التحتية، وأجهزة الاستشعار الذكية، وأدوات الزراعة الدقيقة.
وأدّى غياب هذه التقنيات إلى تعميق انعدام الكفاءة، وتسريع وتيرة هبوط الأرض، وتفاقم استنزاف موارد المياه الحيوية في جميع أنحاء البلاد. كما أنّ تردّد المستثمرين الأجانب في تمويل المشاريع في إيران بسبب العقوبات زاد من عرقلة فرص الابتكار.
وقد تجاوزت أزمة المياه في إيران حدودها. فعلى سبيل المثال، تشترك البلاد في مسطّحات مائية مع كلّ من أفغانستان والعراق. وقد أدّت النزاعات حول المياه، مثل الخلاف طويل الأمد مع طالبان حول نهر هلمند، إلى تفاقم التوترات. ومع جفاف البحيرات والأنهار، قد تتحوّل قيعانها المكشوفة إلى مصادر هائلة للرمال والغبار. ويمكن لهذه الجسيمات أن تنتقل عبر آلاف الكيلومترات، عابرةً الحدود الوطنية ومُسبّبةً تدهور جودة التربة والهواء في جميع أنحاء المنطقة.
إنّ ما بدأ كأزمة مياه محلية في إيران يمكن أن يتحوّل إلى تهديد بيئي عابر للحدود ويؤثّر على ملايين الأشخاص خارج حدودها، من سيستان وبلوشستان وخوزستان إلى البلدان المجاورة.
ماذا يمكن أن نفعل؟
لطالما ناقش العلماء والأكاديميون ووسائل الإعلام أسباب أزمة المياه في إيران وعواقبها. إلّا أنّ ما يتمّ الحديث عنه بشكل أقلّ بكثير هو الحلول المحتملة، وما إذا كان بالإمكان فعلاً اتخاذ أيّ إجراء لمعالجة جوانب من الأزمة والإجابة عن السؤال الذي يشغل بال أكثر من 80 مليون شخص: هل ما زال هناك أمل؟ باختصار، نعم.
على افتراض أنّ البلاد حصلت على التكنولوجيا الحديثة والتمويل اللازمين من خلال تغييرات في سياستها الخارجية (ما يعني، على سبيل المثال، رفع العقوبات)، فقد يقلب هذا الوضع الموازين. وعلى المدى القصير، يجب أن تكون الأولوية لوقف استنزاف المياه الجوفية من خلال المراقبة الدقيقة، وتركيب عدادات ذكية على الآبار، ودمج بيانات الأقمار الصناعية مع القياسات الميدانية. ويمكن للمحاسبة المائية الآنية، باستخدام أدوات مثل قمري "غريس" (Grace) و"سنتينل" (Sentinel) الفضائيين، تحديد المناطق الحرجة وتوجيه إجراءات الطوارئ. كما يتعيّن على الحكومة فحص المناطق المتضرّرة من هبوط الأرض والاستخراج المُفرط للمياه. وقد يشمل ذلك المدارس، التي عانت تاريخياً من مشكلات هبوط التربة، ما تسبّب في تشقّق الجدران وأضرار أخرى. بعد ذلك، يجب اتخاذ إجراءات فورية، بما في ذلك الإغلاق المؤقت أو نقل المباني حيث تكون السلامة عرضة للخطر.
وينبغي أن تُركّز الأولويات متوسطة الأجل على تحسين عمليات الرصد والكفاءة. ويمكن أن تُقلّل إعادة تغذية طبقة المياه الجوفية المُدارة (وهي استراتيجية تُوجِّه المياه عمداً إلى الخزّانات الجوفية) باستخدام مياه الأمطار أو مياه الصرف الصحي المُعالجة، والري الدقيق، والزراعة الرقمية، وجدولة الري القائمة على الذكاء الاصطناعي، من خسائر المياه بشكل كبير.
وقد أثبتت تقنيات الذكاء الاصطناعي والتوأم الرقمي (النسخ الرقمية للبيئات) فعّاليتها الكبيرة في إدارة الموارد الطبيعية المستدامة. ومن الأمثلة على ذلك مشروع "AI4SoilHealth" الرائد، المموّل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 10 ملايين يورو (8.8 ملايين جنيه إسترليني)، والذي يستخدم الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة لرصد صحة التربة وتقديرها كمّياً في جميع أنحاء أوروبا. ولا تُستثنى إدارة الموارد المائية من ذلك. كما أنّ دمج النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي واستخدام الأدوات الرقمية الجديدة يمكن أن يُعزّز التنبؤات، ويُحسّن الاستخدام، ويُسهم في توجيه القرارات السياسية.
علاوة على ذلك، يعتمد التعافي طويل الأمد على الحوكمة. إذ تحتاج إيران إلى هيئة مياه وطنية موحّدة تعمل على توحيد أهداف الطاقة والزراعة والبيئة حول الاستدامة. ومن الضروري وضع حدود قانونية لاستخراج المياه الجوفية، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه. كما أنّ تحفيز الري الفعّال وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، فضلاً عن تعديل أسعار المياه بما يتناسب مع ندرتها، من شأنه أن يُسهم في تحقيق ذلك. ويجب على البلاد تنويع اقتصادها لتقليل اعتماد سبل العيش على الصناعات كثيفة الاستهلاك للمياه، كالزراعة. ومن شأن هذه الخطوات مجتمعةً أن تُسهم في استقرار أنظمة المياه في إيران، وتمنع المزيد من الأضرار البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
باختصار، إنّ الأزمة البيئية في إيران من صنع الإنسان، وكذلك الحلّ. ومن خلال هذه التغييرات، يمكن للبلاد تأمين شبكاتها المائية وتعزيز أمن مواطنيها.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.