"Unherd": غزة والضفة و لبنان.. 3 جبهات قد يفقد نتنياهو السيطرة عليها

يرقى مزيج العنف المتزايد في الضفة الغربية والحرب الإسرائيلية في غزة والغزو البري لجنوب لبنان إلى مستوى برميل بارود.

0:00
  • قصف إسرائيلي على لبنان
    قصف إسرائيلي على لبنان

موقع "Unherd" البريطاني ينشر مقالاً للكاتب والباحث راين مينون، يتحدث فيه عن الحروب التي تخوضها "إسرائيل"، والعنف الذي تشنّه في غزة والضفة الغربية ولبنان، الأمر الذي ينذر بانفجار المنطقة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لعقود من الزمن، حاول بنيامين نتنياهو التباهي بكونه "سيّد الأمن" والقائد الذي يمكن للإسرائيليين الاعتماد عليه للحفاظ على سلامتهم، ليأتي هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 230 أسيراً إسرائيلياً على الأقل، ويحطّم صورة رئيس الوزراء كحارس لـ"إسرائيل". ومنذ ذلك الحين، وهو يحاول يائساً استعادة سمعته. وعليه، ترجع ضراوة الانتقام الإسرائيلي في غزة إلى هذا الأمر بقدر ما ترجع إلى الصدمة والرعب اللذين خيّما على "إسرائيل" عقب هذه العملية. 

وبعد مرور عام، لا يزال نتنياهو عازماً على مواصلة حربه ضد غزة بأي ثمن، وليس على سكان غزة فحسب الذين قُتل منهم نحو أكثر من 40 ألف شخص وشُرّد 1.9 مليون آخرين (90% من سكان القطاع)، بل على الأسرى الإسرائيليين أيضاً. فأضحى اليوم مستقبله ونتائج الحرب أمرين لا يمكن فصلهما. 

وحتى قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان نتنياهو موضع جدل إلى حد كبير. فقد خرج الإسرائيليون الليبراليون بأعداد كبيرة للاحتجاج على سياساته وندّدوا به باعتباره تهديداً للديمقراطية وسيادة القانون، في حين نظر إليه اليمينيون كزعيم منقطع النظير، بل وحتى كمنقذ. وتعتقد عائلات الأسرى المتبقّين أنّ وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإعادة أبنائهم، وأنّ نتنياهو يرفض الموافقة عليه لأنه مهووس بتدمير حماس بالكامل. ويتبنّى الكثير من الإسرائيليين هذه الآراء الثلاثة. وفي مقابلة أجريت معه في أواخر تموز/يوليو، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت من إمكانية انزلاق "إسرائيل" إلى حرب أهلية، وقد شاطره نحو نصف المشاركين في استطلاع للرأي أجري في آب/أغسطس هذا الرأي. 

وعلى الرغم من ذلك، فقد ثبت أنّ تعهّد نتنياهو بالقضاء على حماس كان وهمياً. وقد أدّى رفضه التخلي عن هذه الفكرة إلى خلق صدع بينه وبين الأعضاء الأكثر تشدداً في حكومته، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، الذي يقود الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة، وكبار الضباط في "الجيش" الإسرائيلي ومسؤولي المخابرات الذين يصرون على أنّه لا يمكن هزيمة حماس. 

ولكن ماذا يعني عملياً تدمير حماس؟ إنّ التفوّق الساحق لـ "الجيش" الإسرائيلي من حيث عدد الجنود والتكنولوجيا العسكرية والقوة النارية قد يؤدي إلى تدمير قوتها القتالية (كتائب عز الدين القسام)، والقضاء على كبار قادتها. إلا أنّ القضاء على حماس بالكامل يُعدّ أمراً مستحيلاً. فهي حركة سياسية تتمتع بأيديولوجية مميزة تشمل إنهاء احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية وسيطرتها على غزة من خلال فرض حصار قاسٍ. ومع استمرارهما، ستمتلك الحركة سبباً يمكّنها من حشد الدعم اللازم لها. وسيواصل الآلاف من الشباب المنتقمين الذين قُتلت أمهاتهم وآباؤهم وإخوتهم على يد آلة الحرب الإسرائيلية الانضمام إلى صفوفها، وسيؤدي الحصار الإسرائيلي الخانق إلى تأجيج نقمتهم.

وبغض النظر عن مستقبل حركة حماس، ستكون "إسرائيل" ملزمة عند انتهاء الحرب بالعمل على الترتيبات اللازمة للحكم في غزة. إلا أنّ أياً من الخيارات المتاحة ليس قابلاً للتطبيق. وقد استبعد نتنياهو تشكيل حكومة ائتلافية تضم السلطة الفلسطينية وحماس معاً أو حتى حكومة تديرها السلطة الفلسطينية وحدها. أمّا بالنسبة لحكومة مكوّنة من وجهاء غزة، فإنّ ذلك سيكون شبه مستحيل. وأي شخص يُقدّم نفسه سيُعدّ خائناً؛ فكلما كان مقبولاً بالنسبة لـ"إسرائيل"، كلما قلّت ثقة سكان غزة به. وبدلاً من ذلك، يمكن لـ"إسرائيل" أن تُدير قطاع غزة من خلال الاحتلال العسكري، لكن ذلك سيؤدي، عاجلاً أم آجلاً، إلى استئناف دوّامة القمع والمقاومة المعهودة. 

وما يزيد الأمور تعقيداً أن "إسرائيل" تشن حرباً من نوع آخر على جبهة ثانية، في الضفة الغربية، حيث يتزايد التوتر والعنف. فقد تسارعت وتيرة عمليات الاستيلاء على الأراضي هناك بموافقة السلطات الإسرائيلية، مع أكبر تصريح منفرد منذ ثلاثة عقود في تموز/يوليو. ووفقاً للاتحاد الأوروبي، فقد تضاعف عدد الوحدات السكنية تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية، اكتسب الكثير منها وضعاً قانونياً على الرغم من كونها غير قانونية بموجب "القانون" الإسرائيلي. وفي الوقت عينه، تزايدت وتيرة هجمات المستوطنين على الفلسطينيين بالتزامن مع إتلاف أشجار الزيتون والحدائق والبساتين الفلسطينية؛ وقتل وسرقة الأغنام والماشية؛ وهدم المدارس وتشويهها؛ والاستيلاء على مصادر المياه، بمساعدة "الجيش" الإسرائيلي في كثير من الأحيان.

والأسوأ من ذلك، كما ذكرت مجلة "+972" الإسرائيلية، أنّ قوات الأمن والمستوطنين قتلوا نحو 700 فلسطيني في الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وقد أشادت أحزاب اليمين المتطرف في "إسرائيل" بهذه الهجمات، وأدانت الانتقادات الأجنبية معتبرة إيّاها حملات تشويه. كما أنّ بن غفير قام بتخفيف القيود المفروضة على قوانين ملكية الأسلحة للمستوطنين. فخلال الشهرين الأولين من هجوم حماس، تم تقديم 250 ألف طلب للحصول على سلاح ناري، وهو أكبر عدد تم تقديمه خلال الـ25 عاماً الماضية.

وليس مستغرباً أن يتزايد دعم المقاومة المسلّحة بين الفلسطينيين. فحركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى تضربان بجذور عميقة في البلاد وإن بدرجة أقل من حركة حماس. وقد ازدادت وتيرة العنف في المنطقة بنسبة 50% حتى خلال الأشهر الـ12 التي سبقت حرب غزة. وتشير الاتجاهات الحالية إلى احتمال حقيقي جداً لاندلاع انتفاضة ثالثة. وقد حذّر ديفيد شولمان، الباحث في الجامعة العبرية في القدس، مؤخراً في مجلة " New York Review of Books" ​​من أنّه في حال تُركت أعمال المستوطنين الإسرائيليين من دون رادع، فإنها "ستؤدي إلى سيطرة حماس والجهاد الإسلامي على الضفة الغربية".

ومما زاد من تأجيج الموقف قيام "إسرائيل" بشن غزو بري في جنوب لبنان وفتح جبهة ثالثة ضد حزب الله. وفي حين تعهّد حزب الله بمواصلة هجماته مع استمرار الحرب في غزة، عزم نتنياهو على تمكين عودة النازحين إلى منازلهم، ويبدو أنّه سيتحمّل مخاطر كبيرة للقيام بذلك.

إلا أنّه بغزو لبنان، يواجه نتنياهو عدواً أكثر شراسة بكثير من حماس. وكما كتب اللواء المتقاعد إسحق بريك في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "من المؤكد أنّ الجيش الإسرائيلي، الذي فشل في تدمير حماس، لن يتمكّن من القضاء على حزب الله، الذي يُعدّ أقوى من حماس بمئات المرّات".

ويوضح بريك أنّه خلال السنوات العشرين الماضية تم خفض عديد القوات البرية الإسرائيلية بنسبة 66%، ما يعني أن "إسرائيل ليس لديها ما يكفي من القوات للبقاء فترة طويلة في أي منطقة تحتلها، كما أنها لا تملك قوات لمساعدة المقاتلين". 

وهناك تساؤل حول كيفية رد "إسرائيل" على وابل الصواريخ الإيرانية التي أطلقت باتجاهها، وما إذا كانت مساعدة الولايات المتحدة لها ستقتصر على إسقاط الصواريخ الإيرانية، كما فعلت في نيسان/أبريل، أم أنها ستقرّر ضرب إيران بشكل مباشر؟ ورداً على ذلك، يمكن لإيران أن تذهب إلى حد إغلاق مضيق هرمز، وهي خطوة يمكن أن تمتد آثارها عبر شبكات الاقتصاد العالمي.

بعد مرور عام على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يرقى مزيج العنف المتزايد في الضفة الغربية والحرب الإسرائيلية في غزة والغزو البري لجنوب لبنان إلى مستوى برميل بارود. من المستحيل التنبؤ بعواقب أي انفجار بدقة، إلا أنّ الأمر الواضح للغاية أننا لن نشهد سوى المزيد من الموت والدمار والمعاناة. فمن السهل أن تبدأ الحروب ولكن من الصعب إنهاؤها، وسرعان ما تخرج عن سيطرة الذين يتسبّبون بإشعالها. 

نقلته إلى العربية: زينب منعم

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.