"الغارديان": "العنصرية".. الكلمة التي تلخص تقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه غزة

تُصوّر أوروبا معاناة الفلسطينيين في غزة على أنها أزمة إنسانية، وليست خياراً سياسياً مقصوداً، وسيكون هناك محاسبة أخلاقية.

  • "الغارديان": "العنصرية".. الكلمة التي تلخص تقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه غزة

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول نقداً جذرياً لموقف الاتحاد الأوروبي تجاه حرب غزّة، مبرزاً أنّ سياساته هي تواطؤ سياسي وأخلاقي نابع من عقلية استعمارية وعنصرية هيكلية ما زالت متجذرة في مؤسساته.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تؤطر أوروبا معاناة الفلسطينيين في غزة على أنّها أزمة إنسانية، ولا تشير إلى أنّ ما يحدث هو خيار سياسي إسرائيلي في القطاع، وسيكون هناك حساب أخلاقي للاتحاد الأوروبي، إذ تواجه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وفريقها انتقادات متزايدة لصفقة التعرفة الجمركية المثيرة للجدل بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي اتّفق عليها قبل نحو شهرين، على أمل أن تستدعى لمساءلتها بشأن التواطؤ الأوروبي في الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تتكشف في قطاع غزّة، وقد طال انتظار هذا الحساب. 

لقد شاهدت في يأس لما يقارب عامين الحكومات الأوروبية التي لم تفعل شيئاً يذكر أو أنّها لم تفعل أيّ شيء، فيما دمرت "إسرائيل" غزّة من خلال القصف والغارات الجوية والتجويع القسري، مع أنّّ هناك الكثير من العقوبات تحت تصرف الاتحاد الأوروبي، لكنّه ما زال يرفض استخدامها، كذلك هناك العديد من الأدوات التي يرفض تفعيلها.

الاتحاد الأوروبي يعتبر أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل". وقد شكل 32% من إجمالي تجارتها العام الماضي. مع ذلك، فشل قادة الاتحاد الأوروبي ووزراء الخارجية في تأمين الأغلبية اللازمة لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد و"إسرائيل". يحدث ذلك رغم الضغوط التي تمارسها كل من إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا وخبراء حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي أنفسهم، الذين أشاروا إلى أنّ "إسرائيل" تخرق التزامات حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقية.

وحتى اقتراح المفوضية المتواضع بتعليق عضوية "إسرائيل" جزئياً في برنامج أبحاث الاتحاد الأوروبي "هورايزون يورو" الذي تبلغ تكلفته 95 مليار يورو، وهي مبادرة وصفها مسؤول السياسة الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بأنها "مزحة سيئة" نظراً إلى حجم الفظائع الإسرائيلية، إذ لا تزال ألمانيا وإيطاليا تعارضان خطوة التعليق.

وقد ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي مطلع العام الماضي، فيما يقول المستشار الألماني الآن فريدريك ميرتس إنّ برلين توقف الآن تصدير المعدات العسكرية إلى "إسرائيل" التي يمكن استخدامها في الحرب على غزّة، لكنّ هذا يأتي بعد ما يقارب عامين من الدعم العسكري المتواصل الذي بلغ من ألمانيا وحدها 485 مليون يورو من المعدات خلال 20 شهراً الماضية.

أتفهم ذنب أوروبا التاريخي والانقسامات الداخلية والعلاقات الاقتصادية العميقة مع "إسرائيل"، لكنّ من المستحيل تجاهل حقيقة أكثر قلقاً عن أنّ الشلل السياسي والأخلاقي في أوروبا بشأن غزة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعنصرية الهيكلية والعنف اللذين يواجههما العديد من الأوروبيين السود والمسلمين كل يوم. ومن الواضح أنّ المواقف تجاه غزّة تتشكل من خلال عقلية استعمارية دائمة متأصلة في سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية والتجارية والهجرة.

إنّ المواقف تجاه غزّة تتشكل بفعل عقلية استعمارية متجذرة في سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية والتجارية وسياسات الهجرة؛ هذا المنطق نفسه الذي يؤدي إلى تجريد الأوروبيين المنحدرين من أعراق مختلفة واللاجئين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط من إنسانيتهم، وهو يظهر الآن بشكل جلي في تخلي الاتحاد الأوروبي عن الشعب الفلسطيني.

التحيزات الداخلية والخارجية في أوروبا تغذي بعضها البعض وتديم هذا الواقع. هذا الترابط ليس مجرد فكرة نظرية، بل يتجلى بوضوح في التفاوت في التعامل بين أوكرانيا وغزّة. لقد دان الاتحاد الأوروبي غزو روسيا غير القانوني لأوكرانيا بشكل صحيح، وفرض عقوبات شديدة وغير مسبوقة على موسكو، وقدم المزيد من الأموال لكييف، ودان مرارًا الدول الأخرى التي لم تتبع النهج نفسه.

ومع ذلك، تعامل حياة الفلسطينيين على أنّها قابلة للتضحية باستخفاف معاناتهم، فيما يحرم الأطفال من طفولتهم، والمآسي في غزّة تُؤطر على أنّها أزمة إنسانية، وليست خيارًا سياسيًا متعمدًا يُغطّى بجلاء.  على صانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي الاستماع عندما يقول الأكاديمي الفلسطيني الأميركي رشيد الخالدي إنّ هذا الصراع هو "آخر حرب استعمارية في العصر الحديث".

لا يمكن أن يكون التقييم الأخلاقي لتقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه غزّة جزئياً، بل يجب أن يشمل إدراكاً لتداخل ماضي أوروبا وحاضرها، ليس فقط في ما يتعلق بفلسطين، بل كذلك في العديد من أنشطتها في الساحة العالمية. وينبغي للاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر نفسه مدافعاً عن القانون الدولي والعدالة العالمية، أن يكون مستعداً لإجراء هذا الخوض الصعب، بل ينبغي له تشجيعها.

لكنّ دوائر السياسة الأوروبية ترى أنّ هذا الحديث مثير للانقسام. ومن دون إجراء فحص ذاتي جاد واتخاذ إجراءات طال انتظارها، فإنّ المعايير المزدوجة الواضحة التي ينتهجها الاتحاد سوف تستمرّ في تقويض ديمقراطيته في الداخل ومصداقيته في الخارج.

قد يمهد تحديث خطة عمل مكافحة العنصرية لعام 2020 الطريق للمضي قدماً. ولكنّ لتحقيق ذلك، يجب أن تُدعم التدابير الرامية إلى مكافحة الوضع الراهن المُقلق للتمييز على مستوى الاتحاد الأوروبي بتأملات واعية في تاريخ أوروبا مع أنّه أيضًا أمر متأخر؛ فقد فقدت خطة العمل زخمها، وأدى التعديل البيروقراطي الأخير إلى تهميش ميكايلا مووا أول منسقة لمكافحة العنصرية في الاتحاد الأوروبي، ويخشى الكثيرون أن يقوّض هذا أجندة المساواة في الاتحاد الأوروبي أكثر في السنوات المقبلة.

مع ذلك، يتزايد الضغط العام والمعارضة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، من ضمنهم بعض كبار المسؤولين. فون دير لاين التي تعرضت لانتقادات بسبب تحيزها الثابت لـ"إسرائيل"، عارضت خطط الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزّة، مع أن هذا ليس كافياً.

منتقدو موقف الاتحاد الأوروبي محقّون في إدانتهم لمعاييره المزدوجة، وخيانته للقانون الدولي، وتآكل مصداقيته. يجب وقف خطط "إسرائيل" لاحتلال غزّة، وإدخال الغذاء إلى القطاع على وجه السرعة، ووقف إطلاق النار فوراً.

إنّ أيّ محاسبة جادة لتقاعس الاتحاد الأوروبي في غزّة ستظلّ ناقصة من دون مواجهة العنصرية الهيكلية والتراتبيات الاستعمارية الراسخة التي لا تزال تشكل النظرة الأوروبية للعالم. لقد كشفت غزّة من كل هذا التظاهر، ويجب على صانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي أخيراً مواجهة هذه الحقائق، مهما كانت قاسية، والعمل على تغييرها.

نقلها إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.