"الغارديان": ترامب والحرب وغياب الإعلام.. 5 تهديدات رافقت مؤتمر "COP30"

هل نجحت المحادثات أم فشلت؟ يجب أن يأخذ الحكم في الاعتبار حقل الألغام الجيوسياسي التي جرت فيه.

  • "الغارديان": ترامب والحرب وغياب الإعلام.. 5 تهديدات رافقت مؤتمر "COP30"

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يقدّم تقييماً شاملاً لقمة المناخ العالمية " COP30" التي عُقدت في بيليم بالبرازيل، والسياق الجيوسياسي المعقّد الذي أثّر على نتائجها، مع عرض لأبرز التهديدات والتحدّيات التي واجهت القمة ومن المتوقّع أن تواجه مؤتمرات المناخ المقبلة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

إنَّ الحُكم بالنجاح أو الفشل على قمة المناخ العالمي "COP30"، يجب أن يأخذ بالاعتبار، حقل الألغام الجيوسياسي الذي انعقدت فيه. وكان مؤتمر القمة قد اختُتم في بيليم في البرازيل مساء السبت الماضي بعد أكثر من 24 ساعة من الموعد المقرّر وسط هطول أمطار أمازونية غزيرة على المدينة ومركز المؤتمرات. وصمدت تقريباً أعمال قمة الأمم المتحدة خلال أسبوعي المؤتمر، رغم الحرائق والحرارة الاستوائية الشديدة والهجمات السياسية اللاذعة على النظام متعدّد الأطراف للحوكمة البيئية العالمية.

وقد أُقرّت عشرات الاتفاقيات في اليوم الأخير من القمة، حيث السعي الإنساني بروح جماعية لحلّ أخطر تحدّ والأكثر تعقيداً الذي يواجه الجنس البشري على الإطلاق. مع ذلك، ساد جوٌّ من الفوضى، وكادت العملية أن تنهار، واضطرّت الأمم المتحدة أن تنقذها بمحادثات اللحظة الأخيرة التي استمرت حتى الصباح الباكرـ بينما قال مراقبون مخضرمون إنّ اتفاق قمة باريس للمناخ كانت على وشك الانهيار.

لكنّ القمّة صمدت، مع أنّ النتيجة لم تكن للحدّ من الاحتباس الحراري العالمي عند درجة 1.5 مئوية. كما ظهر نقص كبير في التمويل اللازم للتكيّف مع تغيّر المناخ من قِبل الدول الأكثر تضرّراً من تقلّبات الطقس. ولم تُذكر تقريباً أهمية حماية الغابات المطيرة، رغم أنّ هذه كانت أول قمة مناخية تُعقد في الأمازون. ولا يزال ميزان القوى في العالم يميل بشدة نحو مصالح الغاز والنفط والفحم، لدرجة أنّه لم يُذكر ولو مرة واحدة "الوقود الأحفوري" في الاتفاق الرئيسي.

بالرغم من كلّ هذه العيوب، فتح مؤتمر بيليم آفاقاً جديدة للنقاش حول كيفيّة تقليل الاعتماد على البتروكيماويات، ووسّع نطاق مشاركة الجماعات والعلماء من السكّان الأصليين. كما قطع خطوات كبيرة نحو سياسات أقوى للانتقال العادل إلى مستقبل قائم على الطاقة النظيفة، وزاد من فتح محافظ موارد الدول الغنية، بينما الجدل المحتدم الآن حول ما إذا كان مؤتمر "COP30" ناجحاً أم فاشلاً أم مجرّد خدعة. لكنّ أيّ حُكم يجب أن يأخذ في الاعتبار حقل الألغام الجيوسياسي الذي جرى فيه هذا المؤتمر. وفيما يلي 5 تهديدات يجب تجنّبها في قمة المناخ المقبلة في تركيا.

فراغ القيادة العالمية

لقد انسحبت الولايات المتحدة، وعجزت الصين عن اتخاذ أي إجراء. كان من الممكن تجنّب العديد من المشكلات التي أحاطت بالمحادثات لو أنّ هاتين القوتين العظميين في مجال المناخ وأكبر مصدر تاريخي وحالي للانبعاثات في العالم تمكّنتا من تنسيق نهج مشترك كما فعلت قبل تولّي دونالد ترامب السلطة.

بدلاً من ذلك، هاجم ترامب علم المناخ، ولعن الأمم المتحدة، وعقد قمة في واشنطن مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فلا عجب أنّ الرياض شعرت بالجرأة في مؤتمر "COP30" لعرقلة أيّ ذكر للوقود الأحفوري، رغم أنّ الاتفاق على صياغة هذا الأمر كان في مؤتمر "cop28" في دبي.

وعلى النقيض من ذلك، كانت الصين حاضرة في بيليم، وعازمة على مساعدة شريكتها البرازيل في مجموعة البريكس، على تنظيم مؤتمر ناجح. لكنّ مستشاريها أوضحوا أنّ بكين لا ترغب في أن تحلّ مكان الولايات المتحدة في التمويل، ولا أن تقود بمفردها أيّ قضية تتجاوز تصنيع وبيع منتجات الطاقة المتجدّدة.

البرازيل المنقسمة والعالم المنقسم

من بين أبرز التصدّعات في السياسة العالمية اليوم، العلاقة بين مصالح الإنتاج والحفاظ على البيئة. ويسعى أحدهما إلى توسيع آفاق الزراعة بلا حدود، والتنقيب عن المعادن بشكل أعمق، وتجاهل الخسائر التي تلحق بالغابات والمحيطات. بينما يرى الآخر أنّ هذه الأنشطة تتجاوز حدود الكوكب، وتخلّف عواقب وخيمة على المناخ والطبيعة وصحة الإنسان. ويتجلّى هذا الانقسام جلياً في جميع أنحاء العالم.

ولقد كان واضحاً أيضاً في مؤتمر "COP30"، حيث بدا أنّ المضيفين البرازيليين يرسلون أحياناً رسائل متضاربة، وفقاً لمراقبين من آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. بينما كانت وزيرة البيئة مارينا سيلفا، القوة الدافعة نحو خارطة طريق بعيداً عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات، بينما ظهرت وزارة الخارجية التي أمضت عقوداً في الترويج للأعمال الزراعية وصادرات النفط أكثر تردّداً بكثير، وكانت بحاجة إلى دفعة من الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. 

ويبدو أنّ غابات الأمازون المطيرة كانت ضحية لهذا، إذ لم تحظ إلا بإشارة موجزة وغامضة في النصّ التفاوضي الرئيسي.

التقشّف الأوروبي وصعود اليمين المتطرّف

لطالما قدّمت أوروبا نفسها كقائدة في مجال العمل المناخي، إلّا أنّها تعرّضت لانتقادات لاذعة في مؤتمر"COP30" لتخلّفها عن الوفاء بوعودها بتمويل المناخ للدول النامية. كما تعاني أوروبا من انقسامات سياسية حادّة، ويعود ذلك جزئياً إلى صعود اليمين المتطرّف في العديد من الدول، حيث اضطر الاتحاد الأوروبي إلى تأجيل خطة مساهماته الوطنية المُحدّثة بشأن المناخ، ولم يُقرّر إلّا في منتصف مؤتمر بيليم أنّه سيجعل خارطة طريق التحوّل إلى الوقود الأحفوري أحد "خطوطه الحمر" في المفاوضات.

لكنّ هذا في أحسن الأحوال غير كفؤ، ومثل هذه القضايا الكبرى تتطلّب تنسيقاً متقدّماً. وليس من المفاجئ أن يشكّك العديد من المشاركين من بلدان الجنوب العالمي في أنّ هذا التحوّل الأوروبي المفاجئ إلى خارطة الطريق كان خدعةً أو ورقة مساومة لتأخير اتخاذ إجراءات بشأن تمويل التكيّف المناخي.

الصراعات تستنزف المال والاهتمام

ألقت النزاعات في غزة وأوكرانيا والسودان وأماكن أخرى بظلالها على المؤتمر، مما أدّى إلى تغيير أولويات الموارد الحكومية والتغطية الإعلامية، بينما قال سياسيون أوروبيون بأنّ ميزانياتهم قد تحوّلت نحو إعادة التسلّح رداً على التهديد المتزايد الذي تشكّله روسيا. ونتيجةً لذلك، خفضوا مساعدات التنمية الخارجية، وأصبح تخصيص الأموال لتمويل المناخ تحدّياً متزايد الصعوبة.

في وقت ما ربما أثار ذلك استياءً واسعاً، أكّدته استطلاعات الرأي التي تُظهر أنّ الغالبية العظمى من سُكّان العالم يريدون من حكوماتهم بذل المزيد من الجهود لمعالجة أزمة المناخ. لكن من الصعب على الجمهور في العديد من الدول معرفة ما يحدث في محادثات قمم المناخ.

كذلك لم ترسل أيّ من شبكات الأخبار الأميركية الأربع الكبرى فريقاً إلى بيليم، حضر مراسلون من محطات إذاعية بريطانية وأوروبية، وكثر منهم قالوا إنّه من الصعب عليهم الحصول على مساحة في البرامج الإخبارية لقصصهم، لكن هذا الإحباط يتناقض مع الطاقة الإيجابية المذهلة في شوارع وأنهار بيليم.

صنع القرار العالمي المتعثّر والمتقلّب

الأمم المتحدة التي ستبلغ عامها الثمانين العام المقبل، تعاني من شيخوخة مُزمنة. كما أنّ هيكلية اتخاذ القرارات بالإجماع في قمم المناخ يعني أنّ أيّ دولة تتمتّع بحقّ النقض الفيتو". ربما كان هذا منطقياً عندما كانت سياسات الحرب الباردة أولوية عالمية، لكنَّه غير كافٍ الآن في ظل تهديد وجودي للإنسان والأرض.

كما في مؤتمرات المناخ السابقة، كانت الإحباطات جليةً ولا سيما بين الدول الجزرية الصغيرة. وقد أصدرت عشرات الدول ذات الطموح العالي، بقيادة كولومبيا، إعلان بيليم الخاص بها، وأعلنت عن خطط لعقد عملية موازية للتخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري، والتي سيُعقد أول مؤتمر لها في سانتا مارتا كولومبيا، في نيسان/أبريل المقبل. ويقول المنظّمون إنّ الهدف من هذا المؤتمر هو استكمال عملية الأمم المتحدة لا استبدالها، ولكنّه قد يُوسّع الفجوة بين كبار منتجي الوقود الأحفوري ومناصري الطاقة المتجدّدة.

على المستوى السياسي قد يكون هذا تحوّلاً حتمياً، لكنّ الاقتصاد العالمي يتجه بشكل متزايد نحو الطاقة المتجدّدة، التي أصبحت الآن أرخص من الوقود الأحفوري، والاتجاهات الديموغرافية تُحوّل القوة نحو الجنوب العالمي، بينما تُشكّل أزمة المناخ المُستمرة والتي لا مجال لنقضها أساس كلّ شيء. ويجب إدراك هذه الحقائق من خلال نظام حوكمة عالمي مُجدّد وأكثر ديناميكية. وإلا فقد لا ينجو اتفاق باريس من تداعيات مؤتمرات المناخ المُقبلة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.