"الغارديان": كيف تعرقل قوى خفض إنتاج البلاستيك وحماية الناس والكوكب؟

تسعى الدول النفطية ومعها جماعات الضغط ذات التمويل الجيّد خلال المحادثات التي تستضيفها الأمم المتحدة إلى تخريب الاتفاق الرامي إلى خفض إنتاج البلاستيك وحماية الناس والكوكب.

  • "الغارديان": قوى تسعى إلى تخريب اتفاق خفض إنتاج البلاستيك وحماية الناس والكوكب

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول التوترات العميقة التي تشوب مفاوضات معاهدة البلاستيك العالمية، والتي ترعاها الأمم المتحدة بهدف وضع حدّ للتلوث البلاستيكي.

يُبرز التقرير كيف تخترق مصالح الشركات الكبرى وخاصة البتروكيماوية هذه المفاوضات، وتُمارس الضغوط والمضايقات ضد العلماء والمندوبين من أجل إضعاف المعاهدة وإفراغها من مضمونها.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

إنّ تطويق المفاوضات التي تستضيفها الأمم المتحدة والصراخ بشأن "تشويه الحقائق" ليس السبيل الجدي الذي يجب أن تسير عليه المفاوضات. وهذا ما حدث للأستاذة بيثاني كارني ألمروث خلال محادثات حول معاهدة عالمية للحدّ من تلوّث البلاستيك في أوتاوا، كندا. إذ تقول إن موظفي شركة كيميائية أميركية كبيرة تحلقوا" حولها.

وخلال اجتماع رسمي من تنظيم الأمم المتحدة في أوتاوا، تعرضت كارني ألمروث "للمضايقة والترهيب" من قبل ممثل شركة تعبئة وتغليف بلاستيكية، اقتحم الغرفة وصاح بأنها كانت تثير المخاوف وتروّج لمعلومات مضللة. وقالت: "تقدّمت ببلاغ تحرّش إلى الأمم المتحدة. فاضطر الرجل إلى الاعتذار، ثم غادر الاجتماع". وقد أشارت كارني ألمروث، وهي عالمة سموم بيئية في جامعة غوتنبرغ في السويد، إلى أنّ "ما حدث لم يكن سوى مجرد مثال واحد عندما قدّمتُ تقريراً رسمياً. لكنني تعرضتُ للمضايقة والترهيب  مرات عديدة، وفي سياقاتٍ أخرى كثيرة، وفي اجتماعاتٍ خارجية، وخلال فعالياتٍ جانبية، وفي مؤتمراتٍ علمية أيضاً، وعبر البريد الإلكتروني، وغيرها الكثير". 

بالإضافة إلى ذلك، اضطرت إلى اتخاذ تدابير معينة لتجنب المراقبة في الاجتماعات. وقالت في هذا الصدد: "كنتُ أضع واقي شاشة على هاتفي، لأنهم سيسيرون خلفنا ويحاولون تصوير ما يظهر على شاشاتنا ومعرفة الملاحظات التي ندوّنها، أو مع من نتحدث. ولم أفتح جهاز الكمبيوتر الخاص بي أبداً في وسط الغرفة من دون أن أعرف من خلفي. إنها بيئة تتطلب حالة يقظة عالية وتفرض ضغطاً كبيراً". 

هذه أمثلة على ما تصفه مصادر متعددة بـ"التسلل الكامل" إلى مفاوضات معاهدة البلاستيك من قِبل أصحاب المصالح الصناعية الخاصة وجماعات الضغط التابعة للشركات. وقد تمثل القلق الأساسي لدى 6 مصادر مُطلعة تحدثت لصحيفة "الغارديان" في ممارسة الجهات المُسببة للتلوّث سلطة كبيرة، ليس داخل المفاوضات فحسب، بل داخل برنامج الأمم المتحدة للبيئة. الذي يشرف على المفاوضات. وأعرب أحد المصادر عن خوفه من تأثير القطاع على السياسات وتهميش الحلول الحقيقية لمشكلة التلوّث البلاستيكي، واصفاً ذلك بـ"الاستحواذ على الشركات".

تحريف المعلومات

من المقرر أن تُستأنف مفاوضات "معاهدة البلاستيك" في آب/ أغسطس في جنيف بسويسرا، بعد أن فشلت في التوصل إلى اتفاق في الجولة الخامسة من المحادثات التي أُجريت في كانون الأول/ ديسمبر. ويبقى التحدي قائماً بشأن إمكانية وقف سيل التلوّث البلاستيكي السام الذي يتدفق إلى البيئة. وهذا ليس ضرورياً لحماية الناس والكوكب فحسب، بل للحدّ من أزمة المناخ والخسائر العالمية الهائلة في الحياة البرية أيضاً. 

إلّا أنّ سيلاً من جماعات الضغط والمنظمات الصناعية انضمّ إلى المحادثات، وكان عددهم يفوق بكثير عدد الوفود الوطنية والعلماء. وهم يساعدون مجموعة من الدول النفطية، بقيادة المملكة العربية السعودية، في عرقلة التقدم الذي يسعى إليه عدد من الدول، أيضاً هم جزء من "تكتل بتروكيماويات" أوسع نطاقاً تقول دراسة حديثة إنه "يعمل على زيادة إنتاج البلاستيك، وإخراج تكاليف التلوث إلى الخارج، وتشويه المعرفة العلمية، والضغط لعرقلة المفاوضات".

 إنّ حجم مشكلة البلاستيك صادم. إذ يتم إنتاج نحو 450 مليون طن من البلاستيك الجديد سنوياً. ومن المتوقع أن يتضاعف حجم الإنتاج 3 مرات بحلول عام 2060 في ظل معدلات النمو الحالية، الأمر الذي من شأنه أن يُلحق الضرر بجميع جوانب البيئة الآمنة. 

ويتم تصنيع كل البلاستيك تقريباً من النفط  الأحفوري والغاز، وتُعد الانبعاثات الناجمة عن إنتاجهما السبب وراء أزمة المناخ. كما أنّ البلاستيك والمواد الكيميائية السامة التي يحتويها تضرّ بالتربة والمنظومات البيئية وصحة الإنسان، وقد انتشرت في جميع أنحاء العالم من قمة جبل إيفرست إلى أعمق جزء في المحيط، ومن أدمغة البشر إلى حليب الأم. 

تُجرى مفاوضاتٌ حول "معاهدة البلاستيك" بين دول العالم، برعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وقد بدأت هذه المفاوضات عام 2022، وستشكل محادثات جنيف الشهر المقبل الاجتماع الرئيس السادس، إلا أنها واجهت خلافاً جوهرياً منذ البداية. وتؤكد أكثر من 100 دولة، بدعم من أكثر من 1100 عالمٍ،  ضرورة وضع حدّ لإنتاج البلاستيك المتزايد للحد من جميع الأضرار التي يسببها. وترفض الدول النفطية وشركات تصنيع البلاستيك هذا الرأي، وتؤكد  ضرورة التركيز على تحسين إدارة النفايات وإعادة تدويرها. كما أن التحرك العالمي لمكافحة تغير المناخ لخفض انبعاثات الكربون يُجبر الدول المنتجة للوقود الأحفوري على زيادة استخدام النفط والغاز بطرق أخرى. 

وقال دايفيد أزولاي، المحامي البارز في مركز القانون البيئي الدولي (Ciel)، والذي حضر المفاوضات: "إنّ كمية البلاستيك التي ننتجها اليوم لا يمكن السيطرة عليها تماماً. ولا توجد أي طريقة، لا من الناحية التقنية ولا من الناحية السياسية، لإدارتها. إلا أنّ هدف الشركات يتمثل في إنتاج المزيد من البلاستيك، وبالتالي تقليل التأثير الإجمالي بطريقة أو بأخرى". كما أشار إلى أنّ تقنيات إعادة التدوير باهظة الثمن التي يقترحها المنتجون "خيالية". ووفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لعام 2022، تتم إعادة تدوير 9% فقط من البلاستيك.

وأوضح أزولاي أنه يتعين على الدول المُنتجة للوقود الأحفوري وقطاعه المشاركة في المفاوضات، إلا أنّ العملية لا تأخذ في الاعتبار مصالحهم الخاصة. وقال: "إنّ وجود مجموعة كبيرة من الشركات والقطاعات لا يُعدّ مشكلة، لأنهم أصحاب مصلحة. إلا أنّ منحهم مكانة متساوية وفرصاً متساوية للوصول إلى العمليات، مثل ضحايا المشكلة التي يتسببون فيها، يُمثل مشكلة".

وأردف أزولاي قائلاً: "هناك نهج أساسي شائك في كيفية عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو اعتبار الأشخاص الذين تسببوا في بروز المشكلات، واستفادوا منها، وكذبوا بشأنها لسنوات وعقود، شركاء جديرين بالثقة لحل تلك المشكلات". 

محادثة غير ذكية

بينما يستضيف برنامج الأمم المتحدة للبيئة المحادثات المتعلقة بالمعاهدة، ستقرر الدول المتفاوضة نتائجها. وتؤدي مديرته التنفيذية إنغر أندرسن، التي لم تسلم من الانتقادات، دوراً توجيهياً هاماً ومؤثراً. ففي نيسان/ أبريل 2023، اتهمت أكثر من 100 منظمة بيئية أندرسن بـ"افتقارها إلى الطموح"، وأعربت عن قلقها إزاء "انعدام الشفافية في ما يتعلق بمن يقدم المشورة لعملها وأمانة المعاهدة"، وهي مجموعة مسؤولي برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذين يديرون المحادثات.

وتعرضت لانتقادات خاصة بسبب تصريح أدلت به في أيلول/ سبتمبر 2024 اعتُبر أنه يقوض أهمية وضع حدّ لإنتاج البلاستيك  وجاء فيه "يتعين علينا إجراء محادثة دقيقة أكثر من مجرد وضع حد أقصى أو عدم وضعه، لأنها محادثة غير ذكية". وقالت إنّ خفض الإنتاج يجب أن يركز على البوليمر الخام المُخصص للاستخدام مرة واحدة، وليس على "قطع غيار السيارات وأجنحة الطائرات". وقال منتقدون إن تصريحها يتناقض مع الأدلة العلمية التي تُشير إلى أن التأثير البيئي للبلاستيك يبدأ من عمليتي الاستخراج والإنتاج، وليس مجرد استخدامه.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قدّمت المنظمات البيئية شكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعربت فيها عن مخاوفها العميقة من أن تصريحاتها العلنية ستُضيّق نطاق المعاهدة، وأنها تجاوزت دورها كمنسقة للمفاوضات. إلا أنها لم تتلقَّ أي رد.

كما زُعم في جولة المفاوضات الأخيرة، التي جرت في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية في كانون الأول/ ديسمبر، أنّ أندرسن مارست ضغوطاً على الدول ذات الطموح العالي للتنازل عن مطالبها بإبرام معاهدة قوية تضع حداً أقصى لإنتاج البلاستيك. وردّت أندرسن في ذلك الوقت قائلةً: "سألتقي الجميع في كل مرحلة من المراحل، وسألتقي بالطبع الدول الأعضاء وأستمع إلى الدول الـ193". 

المواد البلاستيكية هي المسيطرة

من خلال دورها كجهة تنسيقية، لا تستطيع أندرسن سوى تشجيع الدول على التوصل إلى اتفاق. ويتعين على جميع الدول التوصل إلى توافق في الآراء، إلا أن دولة واحدة تحديداً تُمثل عائقاً أمام إبرام معاهدة فعّالة بشأن البلاستيك، وهي المملكة العربية السعودية، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم. وتمتلك، من خلال شركتها النفطية "أرامكو السعودية،" شركة "سابك" إحدى أكبر شركات إنتاج البلاستيك في العالم.

وقد لعبت هذه الدولة دوراً متعاظماً في مفاوضات "معاهدة البلاستيك"، ووصفها موقع "بوليتيكو" بأنها "زعيمة" مجموعة صغيرة من الدول الغنية بالنفط، بما في ذلك روسيا وإيران، التي عرقلت مقترحات تحديد سقف الإنتاج في كانون الأول/ ديسمبر. كما أقامت علاقة وثيقة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في السنوات الأخيرة. وقامت أندرسن بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية في كانون الثاني/ يناير 2024، والتقت الوزراء السعوديين في قمة الأمم المتحدة حول التصحر التي استضافتها الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وسعت إلى عقد اجتماع وزاري آخر في دافوس في عام 2025 لمناقشة سبل "تعزيز التعاون". وعادت مجدداً إلى الرياض في 29 حزيران/ يونيو الماضي لتوقيع اتفاقية تعاون بشأن خفض الانبعاثات.

لقد دفعت الدولة مليون دولار لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لاستضافة يوم البيئة العالمي في عام 2024، وهو مبلغ مماثل للذي دفعته الدول المضيفة السابقة، كما قدمت لوكالة الأمم المتحدة تبرعات تزيد على 20 مليون دولار بين عامي 2020 و2024. وكان بعض هذه التبرعات مساهمات في صندوق البيئة التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وغطت المتأخرات المستحقة عليه منذ عام 2021. ويُقدّم عدد من الدول أموالاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي يعتمد على هذه المساهمات الطوعية في 95% من دخله.

وكان معظم المبلغ المتبقي أقساطاً من صفقة بقيمة 25 مليون دولار أُبرمت عام 2019 مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة لتقديم الخبرة في تعزيز حماية البيئة في المملكة العربية السعودية. وبعد إبرام الصفقة، كتب رئيس مكتب برنامج الأمم المتحدة للبيئة في السعودية تقريراً، علمت صحيفة "الغارديان" أنه أعرب فيه عن مخاوفه بشأن إدارة الأموال. ورفض برنامج الأمم المتحدة للبيئة مشاركة التقرير مع الصحيفة، مؤكداً أنه مجرد تقرير تسليم اعتيادي لمسؤول يغادر منصبه، وأنه سري.

ورداً على انتقادات أندرسن ومحادثات "معاهدة البلاستيك"، صرّح متحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة لصحيفة "الغارديان" قائلاً: "ينصبّ تركيز برنامج الأمم المتحدة للبيئة على دعم جميع الدول للتوصل إلى معاهدة فعّالة تقضي على التلوث البلاستيكي بشكل نهائي. ويواصل برنامج الأمم المتحدة للبيئة تسهيل مشاركة جميع الجهات المعنية في هذه العملية حتى نتمكن من القضاء على التلوث البلاستيكي الذي يعاني منه الجميع في كل مكان".

وفي إطار مفاوضات "معاهدة البلاستيك"، تم انتخاب مسؤول من وزارة الطاقة في المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 لعضوية مكتب الممثلين الوطنيين المكوّن من 10 أشخاص والذي يدير محادثات المعاهدة. وأشار أزولاي إلى أنّ السعودية وحلفاءها يُقوّضون محادثات "معاهدة البلاستيك"، وأننا "نشهد مفاوضات بسوء نية تام". 

وقال إنّ العراقيل التي تمارسها السعودية تتخذ أشكالاً متعددة، مستغلةً خبرتها الممتدة لـ35 عاماً في إفشال مفاوضات المناخ، ومستخدمةً كل أداة إجرائية لمنع التقدم، ومستغلةً مواردها المالية الهائلة للضغط على الدول الأخرى ومحاولة التأثير عليها". 

الضغط الهائل

في الوقت الذي يعدّ مندوبو الدول النفطية من أصحاب النفوذ في قاعات الاجتماعات وممرات مفاوضات المعاهدة، هناك مجموعة واحدة تفوق كل الدول عدداً: جماعات الضغط في قطاع البلاستيك. وخلال المحادثات التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر في بوسان، كان هناك 220 جماعة ضغط تابعة لشركات كبرى بين الحضور وهذا رقم قياسي. 

وكان هذا العدد أكبر بكثير من عدد وفد الدولة المضيفة المكوّن من 140 عضواً، ويعادل 3 أضعاف عدد العلماء المستقلين. وقد أرسلت شركتا "داو" (Dow) و"إكسون موبيل" (ExxonMobil) 9 من جماعات الضغط، وفقاً لتحليل أجرته مجموعة القانون البيئي (Ciel). وقالت المجموعة إنّ بعض جماعات الضغط تم ضمها إلى وفود الدول، وليس إلى المنظمات المراقبة بغية السماح لهم الوصول إلى الجلسات الحساسة المخصصة للدول الأعضاء فحسب.

وتذكر وثيقة جرى تداولها بين مراقبي المعاهدة المعنيين، وأُرسلت إلى صحيفة "الغارديان" بأنّ "الوجود الطاغي لجماعات الضغط التابعة للقطاع الصناعي يُشوّه مسار المعاهدة. وهذا الخلل يؤدي إلى تهميش الأدلة العلمية لصالح أجندات الشركات، وبالتالي يُقوّض الفعالية المُحتملة للمعاهدة".

وهذا التحذير ليس جديداً. فقد ورد في رسالة أخرى من المنظمات البيئية إلى أندرسن في نيسان/ أبريل 2024 أن غياب سياسة تضارب المصالح مكّن القطاع من الوصول إلى صانعي القرار. وجاء في الرسالة: "تُشكّل مشاركة شركات من قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات تهديداً خطيراً لأهداف المعاهدة". من جهته، قال متحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنّ الأمر يعود إلى البلدان المتفاوضة لوضع سياسة للتعامل مع تضارب المصالح، ولكنها اختارت عدم القيام بذلك. وفي ما يتعلق بمضايقة البروفيسور كارني ألمروث في أوتاوا، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة إنّ مدونة قواعد السلوك التي وضعتها الأمم المتحدة لمنع مثل هذا السلوك تنطبق بشكل صارم على جميع اجتماعات "معاهدة البلاستيك".

كما توجد وسيلة أخرى للتأثير تستخدمها مصالح الشركات عبر النظام الذي يمنح من خلاله برنامج الأمم المتحدة للبيئة إمكانية الوصول الكامل إلى المفاوضات لقطاعات المجتمع المدني بمن فيهم النساء والمزارعون والشعوب الأصلية والأطفال والعلماء. وقد شهدت مؤخراً عضوية قطاع الأعمال والصناعة ارتفاعاً ملحوظاً، بحيث انضمت أكثر من 30 منظمة ضغط من قطاعي البلاستيك والكيماويات إلى المفاوضات منذ بداية عام 2023، ما ضاعف العدد الإجمالي تقريباً. وتشمل هذه المنظمات رابطة صناعة البلاستيك الأميركية، ورابطة بلاستيك أوروبا، ومجموعات وطنية لصناعة البلاستيك من المملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، والهند، والبرازيل، وكولومبيا، وماليزيا، وكوريا. ويرأس المجموعة مسؤول سعودي.

وكشف تقرير صادر عن مركز " InfluenceMap" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 أن مجموعات صناعة البلاستيك والوقود الأحفوري، بما في ذلك "إكسون موبيل"، و"سابك"، و"بلاستيكس يوروب"، والشركات الأميركية المُصنعة للوقود والبتروكيماويات، "دعت بقوة إلى إضعاف طموح معاهدة البلاستيك". في المقابل، أفاد التقرير بأنّ "قطاع السلع الاستهلاكية وتجارة التجزئة دعما بقوة معاهدة طموحة ومتوافقة مع العلم، لكن يبدو أن قطاع البلاستيك والوقود الأحفوري هو صاحب اليد العليا في الوقت الحاضر".

وأشارت كارني ألمروث إلى أنّ تكاليف الفنادق والرحلات الجوية تجعل حضور مفاوضات المعاهدة مكلفاً للغاية، ولهذا السبب يمكن للمصالح الصناعية الغنية أن تغمر المحادثات بجماعات الضغط بينما تكافح البلدان الأصغر والعلماء والمنظمات غير الحكومية من أجل العثور على الأموال. وقالت: "تتمتع جماعات الضغط بنفوذ وإمكانات أوسع بكثير. ولديها القدرة الاقتصادية على الوصول إلى غرفٍ لا أستطيع دخولها، وبإمكانها التحدث مباشرةً إلى الوزراء بطرقٍ لا أستطيعها". وقالت كارني ألمروث إنها محظوظة لأنها في وضع يسمح لها بالتحدث بصراحة، في حين يخشى الكثير من الباحثين الآخرين في مجال البلاستيك رفع أصواتهم خوفاً من التحديات القانونية أو فقدان التمويل أو الإضرار بمسيرتهم المهنية.

من جهته، أوضح مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة (WBCSD) أنه اتبع قواعد إجراءات الأمم المتحدة قائلًأ: "نحن ندعم الطموح العالمي للحد من إنتاج البلاستيك واستخدامه ونعتقد بأنّ مشاركة أصحاب المصلحة، بما في ذلك الشركات والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية وغيرها، يُعدّ أمراً بالغ الأهمية للتوصل إلى اتفاق دائم وفعال". 

سوء الفهم والتضليل

يقول الخبراء العلميون، الذين يرغبون أيضاً في مشاركة ثروتهم من المعرفة، إنهم واجهوا صعوبة في مواكبة تصحيح البيانات الخاطئة أو المضللة التي أدلت بها المجموعات الصناعية أثناء المحادثات. ولا توجد هيئة استشارية علمية رسمية للمعاهدة. وعوضاً عن ذلك، حاول تحالف العلماء من أجل معاهدة فعالة للبلاستيك (Scept)، المُنظّم ذاتياً، سد هذه الفجوة. وهو يضم 450 عضواً، لا يتم تمويل أي منهم من قبل القطاع، ويقدّم المشورة للدول الأصغر التي تعاني من مشكلة البلاستيك ولا تستطيع تحمل تكاليف إرسال العشرات من المندوبين إلى المفاوضات.

ومع ذلك، شكا تحالف العلماء من أجل معاهدة فعالة للبلاستيك (Scept) إلى المكتب الذي يدير المحادثات وإلى أندرسن من برنامج الأمم المتحدة للبيئة من عدم القدرة على الوصول إلى الاجتماعات خلال جولة المفاوضات في كانون الأول/ ديسمبر. ونتيجة لذلك، قال العلماء إنهم لم يتمكنوا من تحديد الفجوات المعرفية، أو سوء الفهم، أو المعلومات المضللة التي تتطلب توضيحاً، والتي غالباً ما تنشرها جهاتٌ ذات مصالح متضاربة. كما أشاروا إلى أن انتقاداتهم لتقرير مهم صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2023 حول "كيفية القضاء على التلوث البلاستيكي" قد تم تجاهلها، وأن التقرير فشل في عكس النطاق الكامل للتأثيرات الصحية والبيئية للتلوث البلاستيكي وكان متفائلاً بشكل مفرط بشأن الحلول التقنية للتعامل مع النفايات البلاستيكية.

وقد دُعي خبراء "Scept" للمشاركة قبل نشر التقرير، وقدموا أكثر من 300 تعليق. وأفاد برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأن "مشكلة فنية" حالت دون وصول رسالة بريد إلكتروني تتضمن تعليقات التحالف في الوقت المناسب للنشر. وأكد البرنامج أنه تلقى ملاحظات من خبراء آخرين، ونفى أن يكون التقرير قد قلل من شأن آثار البلاستيك.

تهديد مستقبل أطفالنا

تستعد بعض الدول لخوض معركة شرسة في الجولة المقبلة من المفاوضات بجنيف في آب/ أغسطس. وفي العاشر من حزيران/ يونيو، أصدرت 95 دولة "نداءً لليقظة من أجل معاهدة طموحة بشأن البلاستيك" خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات. وفي هذا الإطار، قال وزير البيئة الفرنسي: "جبال البلاستيك تخنق منظومتنا البيئية، وتُسمّم سلاسلنا الغذائية، وتُهدد مستقبل أطفالنا. إنها مرحلة مفصلية ولن نستسلم". 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.