"المونيتور": خطر اندلاع حرب أهلية في سوريا يفتح شهية "إسرائيل" وتركيا

مع تعرّض الدروز لإطلاق النار في الجنوب، تثير الاشتباكات مخاوف من اندلاع حرب أهلية في سوريا، واحتمالية اندلاع صراع طائفي كبير تفتح شهية كلّ من تركيا و"إسرائيل" للتدخّل في الشؤون السورية.

  • "المونيتور": اندلاع حرب أهلية في سوريا يفتح شهية "إسرائيل" وتركيا

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول تصاعد خطر اندلاع صراع طائفي شامل في سوريا في ظلّ تغيّر المشهد السياسي بعد سقوط نظام الأسد، وتزايد التدخّلات الإقليمية والدولية، مما يهدّد بتفكّك النسيج الاجتماعي ويعقّد عملية الحكم الانتقالي.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

أوضح بعض الخبراء أنّ الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في الجنوب السوري بين مسلحين سنة ودروز قادرة على إشعال فتيل صراع طائفي شامل في البلاد، مع قيام الحكومة الجديدة بنشر المزيد من القوات في المنطقة.

وفي التفاصيل، اندلعت اشتباكات في ضاحية جرمانا بدمشق يوم الاثنين الفائت، عندما دخل مسلحون سُنة من المناطق المجاورة المدينة، ما أدى إلى حدوث اشتباك مسلح مع الدروز. وأتت هذه الحادثة على خلفيّة انتشار تسجيل مزعوم لرجل درزي يُسيء إلى النبي محمد (ص). ثم امتدت المعارك يوم الأربعاء إلى بلدة صحنايا المجاورة ومحافظة السويداء الجنوبية. بعد ذلك، تمّ التوصّل إلى هدنة في صحنايا وجرمانا في اليوم نفسه.

وقد أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأنّ قوات حكومية انتشرت في كلّ من صحنايا والسويداء يوم الخميس لإعادة الهدوء إلى المنطقة. وفي اليوم نفسه، أفادت الوكالة بالتوصّل إلى اتفاق في جرمانا يقضي بتسليم الأفراد للأسلحة الثقيلة وانتشار القوات الحكومية في المنطقة.

وأدان الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز في سوريا، يوم الخميس ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية غير المبرّرة" ضدّ الطائفة، ودعا القوات الدولية إلى "التدخّل". وأكد أنه لم يعد يثق بالحكومة، مشيراً إلى أنّ "الحكومة لا تقتل شعبها". وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الجمعة بأنّ 109 أشخاص على الأقلّ قتلوا منذ بدء الصراع، بمن في ذلك مقاتلون تابعون للحكومة ومسلحون دروز ومدنيون.

من جهتها، أعلنت "إسرائيل" يوم الأربعاء أن قواتها قصفت "مجموعة متطرفة" كانت تستعد لمهاجمة الدروز في صحنايا، تماشياً مع تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير بحماية الدروز في جنوب سوريا. ورداً على ذلك، أوضحت وزارة الخارجية السورية، أنها ترفض "كلّ أشكال التدخّل الأجنبي"، من دون ذكر اسم "إسرائيل" صراحةً. 

ويوم الجمعة، أعلنت "إسرائيل" أنّ "جيشها" قصف هدفاً غير محدّد قرب القصر الرئاسي في دمشق. وأدانت وزارة الخارجية السورية الهجوم في بيان، ووصفته بأنه "تصعيد خطير ضدّ مؤسسات الدولة وسيادتها". وفي هذا السياق، قال بن كاسبيت من موقع "المونيتور"، نقلاً عن مصدر عسكري إسرائيلي رفيع، إنّ الضربة كانت بمثابة رسالة إلى الشرع مفادها أنّ "إسرائيل" لن تتردّد في الدفاع عن الدروز في سوريا.

استمرار سياسة الحرب الأهلية

أشار نيكولاس هيراس، كبير المديرين في معهد "نيولاينز" (New Lines Institute) للأبحاث في واشنطن العاصمة، إلى إنه على الرغم من أنّ العنف قد بدأ بسبب الإهانات المزعومة للنبي محمد (ص)، فإنّ السبب الأساسي ينبع من جروح الحرب الأهلية السورية. وقال: "إن حجم الاشتباكات وضراوتها يشيران إلى أن هذه المشكلة هي في الأساس استمرار للسياسة التي سادت خلال فترة الحرب الأهلية". 

لقد عانى الدروز، البالغ عددهم نحو 700 ألف نسمة في سوريا، من التهميش في عهد الرئيس السابق بشار الأسد، لكنهم حافظوا على حيادهم إلى حدّ كبير خلال الحرب الأهلية. وفي أواخر عام 2023، اندلعت الاحتجاجات في المناطق ذات الأغلبية الدرزية في السويداء على خلفيّة الوضع الاقتصادي المتردّي في البلاد.

وفي كانون الأول/ديسمبر، أطاح هجومٌ شنّته "هيئة تحرير الشام"، التابعة سابقاً لتنظيم القاعدة، بالأسد. وفي كانون الثاني/يناير أعلن مجلس الجماعات المتمرّدة السابقة أنّ زعيم الجموعة، أحمد الشرع، هو الرئيس الجديد لسوريا. 

وأوضح هيراس أنّ بعض السوريين يربطون الدروز بالأسد؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ الحكومة قامت بتجنيد أفراد المجتمع الدرزي في الجيش خلال الحرب ضد "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الأفراد والجماعات المتمرّدة. وقال: "يربط الكثير من السوريين السُنة الدروز، صواباً أو خطأً، بنظام الأسد القديم. ويعزّز هذا الاعتقاد حقيقة أنّ عدداً كبيراً من المقاتلين الدروز الذين جُنّدوا خلال الحرب الأهلية تلقّوا أسلحةً ودعماً من النظام القديم". كما أشار هيراس إلى أنّ المتطرفين السُنة اعتبروا الدروز مُرتدّين، وأنّ الدروز يتبعون ديانة غامضة متفرّعة من الإسلام الشيعي.

تجدر الإشارة إلى أنّ الخدمة العسكرية في سوريا كانت إلزامية للذكور في عهد الأسد.  

تصاعد العنف الطائفي

أشار هيراس إلى أنّ "هيئة تحرير الشام"، التي يهيمن أعضاؤها السابقون على الحكومة الجديدة، زعمت أنها "الأقدر" على قيادة الأغلبية السنية في سوريا مع حماية الأقليات في الوقت نفسه. يبقى أن نرى مدى صحة هذه المزاعم. وفي حال لم يتمكّن الشرع وحكومته من القيام بذلك، فقد تنهار عملية الحكم الانتقالي برمّتها تحت وطأة التوترات الطائفية في سوريا، مضيفاً: "إن هذا الوضع يعني أن المجتمع الدرزي السوري قد يجد نفسه سريعاً محاصراً في دائرة من العنف المتقطّع الذي قد يتحوّل إلى حرب طائفية كاملة بين السنة والدروز". 

وتُعدّ الاشتباكات في الجنوب أحدث مثال على العنف الطائفي في سوريا منذ أن أطاحت "هيئة تحرير الشام" بالأسد. ففي مطلع آذار/مارس، قُتل أكثر من 1600 شخص، معظمهم من المدنيين العلويين، في هجمات شنّها مقاتلون موالون للحكومة في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين. وجاءت أعمال العنف عقب إعلان الحكومة عن تعرّض قوّاتها لكمين نصبته لها ميليشيات موالية للأسد.

لقد سيطر العلويون، الأقلية الدينية التي ينتمي إليها الأسد وعائلته، على معظم أجهزة الأمن السورية في عهد بشار الأسد ووالده، حافظ الأسد، الذي سبقه في الرئاسة، وحكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000.

وفي تصريحات رسمية، عبّر الشرع وحكومته عن رفضهم للطائفية. ونشر وزير الخارجية أسعد الشيباني على موقع "إكس": "إن رفض الطائفية والفتنة ودعوات الانفصال ليس مجرّد خيار سياسي، بل ضرورة وطنية ومجتمعية لحماية نسيجنا الاجتماعي والتاريخي المتنوّع". إلا أنّ جوشوا لانديس، المدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، أشار إلى أنّ الشرع وحكومته في واقع الأمر يعملان على تمكين الصراع الطائفي لأغراض سياسية. وقال لموقع "المونيتور": "إنه يُؤدّب ويزرع الخوف في مجتمعات [الأقليات] حتى لا يرفعوا رؤوسهم"، مشيراً إلى الشعارات الطائفية التي نُشرت في الأيام الأخيرة. "وقد سمح باستمرار هذه التصرّفات الشيطانية المعادية للعلويين والدروز والأقليات في العلن". 

وقد أظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي السورية مسلحين قرب صحنايا وهم يردّدون شعارات إسلامية، من بينها "جيش محمد سوف يعود". وبعد تعهّدها بحماية الأقليات السورية، أرسلت الحكومة المزيد من القوات إلى الساحل في أعقاب المجازر التي وقعت في شهر آذار/مارس. كما شكّل الشرع لجنة لإعداد تقرير حول عمليات القتل، ومن المقرّر أن تقدّم نتائجه في تموز/يوليو. 

وبحسب لانديس، يتمثّل هدف الشرع في "استعادة السيطرة المركزية على الدولة وضمان أن تكون دولة عربية سنية"، مشيراً إلى مسوّدة الدستور التي أقرّها الشرع في آذار/مارس. وتؤكّد الوثيقة اسم البلاد، الجمهورية العربية السورية، وتنصّ على أن يُعيّن الرئيس ثلث أعضاء البرلمان. بينما تُعيّن لجنة يختارها الرئيس الثلثين المتبقّيين. 

يُعدّ الكرد والأيزيديون والمسيحيون من بين الأقليات في سوريا، بالإضافة إلى الدروز، التي تعرّضت للاضطهاد في العقود الأخيرة. وتتكوّن غالبية السكان من العرب السُنة. ووفقاً للانديس، فإنّ الدروز تحديداً "عُرضة للخطر" في حال تصاعد العنف الطائفي. فـ"الدروز أهداف سهلة وعرضة للخطر. عددهم قليل، ورغم امتلاكهم للأسلحة فهي ليست أسلحة ثقيلة، وهم منقسمون في ما بينهم". في المقابل، "تمتلك القوات الحكومية الكثير من المقاتلين المتمرّسين وأسلحة ثقيلة أكثر".

ردّ "إسرائيل"

أوضح هيراس أنّ دروز سوريا يلقون "اهتماماً خاصاً" من "إسرائيل" بسبب الدور الذي يؤدّيه المجتمع الدرزي في "المجتمع الإسرائيلي"، فضلاً عن مخاوف دروز "إسرائيل" بشأن الوضع في سوريا.

لقد التقى نتنياهو يوم الجمعة بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف. ووفقاً لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، قال طريف إن الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" في سوريا "وجّهت رسالة رادعة للنظام السوري بشأن التزام إسرائيل تجاه الدروز في سوريا".

في عام 2024، بلغ عدد الدروز في الأراضي المحتلة 152 ألف نسمة، وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي، ويتمّ تجنيد الرجال الدروز في "الجيش" إلى جانب اليهود. ويوم الأربعاء، احتجّ عشرات الدروز في بلدة ياسيف شمالي "إسرائيل" على معاملة إخوتهم في الدين في سوريا، في حين دعا طريف "إسرائيل" إلى "التحرّك فوراً لمنع وقوع مذبحة في القرى الدرزية في محيط دمشق".

ويرى هيراس أنّ المشكلات التي يواجهها الدروز في سوريا قد تشكّل فرصة لتدخّل نتنياهو في الشؤون السورية. وقال: "قد يُصبح الدفاع عن الدروز في سوريا مع مرور الوقت وسيلةً يستخدمها نتنياهو لتوسيع التدخّل الإسرائيلي في الشؤون الداخلية السورية". 

وفي كانون الأول/ديسمبر، نقلت "إسرائيل" قواتها إلى أجزاء من سوريا قرب مرتفعات الجولان التي ضمّتها، مُدّعيةً أنّ دمشق، بعد سقوط الأسد، لم تعد ملتزمة باتفاقية الحدود الموقّعة بينهما. ومنذ ذلك الحين، شنّت "إسرائيل" عدداً من الغارات زعمت أنها استهدفت مواقع عسكرية وجماعات فلسطينية مسلحة.

ومع ذلك، ووفقاً للانديس، فإنّ تعهّد "إسرائيل" بحماية الدروز قد شجّع الأطراف التي تسعى إلى الإضرار بهم. وقال إنّ إعلان نتنياهو في شباط/فبراير "صبّ في مصلحة العناصر السلفية الأكثر تطرّفاً التي تدعم الشرع، لأنها تستطيع على الفور الادّعاء أنّ السبب الوحيد وراء اجتماعه مع المعارضة هو وجود مؤامرة أجنبية لتقسيم سوريا".

دخول تركيا على الخط

دعت تركيا، التي تحتفظ بوجود عسكري في شمال سوريا، "إسرائيل" إلى وقف تنفيذ الضربات في البلاد. وفي بيان له، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيتشيلي: "نؤمن إيماناً راسخاً بأنّ أعمال العنف الدائرة في جنوب سوريا ستتوقّف من خلال الحوار والتفاهم بين الحكومة السورية والجهات المحلية في المنطقة. ويتعيّن على "إسرائيل" وقف غاراتها الجوية التي تُقوّض جهود سوريا المبذولة لضمان وحدة وسلامة أراضيها". 

وقد ذكر موقع "المونيتور" في نيسان/أبريل أنّ تصرّفات "الجيش" الإسرائيلي في سوريا ترجع جزئياً إلى المخاوف بشأن النفوذ التركي المتزايد في البلاد. هذا وتدعم تركيا الجيش الوطني السوري، الذي ساعد "هيئة تحرير الشام" على الإطاحة بالأسد خلال الحرب الأهلية. وفي شباط/فبراير، زار الشرع أنقرة للقاء الرئيس رجب طيب إردوغان؛  وقام بزيارة ثانية إلى تركيا في نيسان/أبريل وسط تقارير تفيد بأنّ الطرفين يتفاوضان على اتفاقية دفاعية. والجدير ذكره أنّ العلاقات الإسرائيلية – التركية شهدت تراجعاً منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع انتقاد أنقرة العلني للإجراءات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في القطاع الفلسطيني.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.