"المونيتور": دول الخليج القاحلة تسعى إلى إبرام صفقات عالمية للمياه
بعد أن أصبحت دول الخليج رائدة في مجال تحلية المياه للأغراض المنزلية، فإنها تستغلّ الفرص المتاحة لتحقيق عوائد مربحة من خلال تصدير خبراتها في عالم يواجه ضغوطاً متزايدة على المياه.
-
محطة تحلية مياه سعودية
موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول خطط دول الخليج، من خلال شركاتها الكبرى، لاستخدام خبرتها في المياه للتوسّع عالمياً، ويعرض الأسباب الاقتصادية والاستراتيجية والجيوسياسية لهذا التوجّه، في ظلّ تزايد ندرة المياه على مستوى العالم.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
عندما أعلنت شركة أبو ظبي الوطنية للطاقة عن استحواذها على شركة المياه الإسبانية "جي إس إنيما" مقابل 1.2 مليار دولار أميركي في 25 آب/أغسطس، وصفت الشركة الحكومية هذه الصفقة بأنها خطوة نحو بناء "منصة مياه عالمية متكاملة وعالمية المستوى". بعد أيام، كشفت شركة "إيميا باور دبي" عن خطط لمشروع تحلية مياه بقيمة 200 مليون دولار أميركي في أنغولا، وذلك بعد أسابيع قليلة من إعلانها عن مشروع مياه في المغرب.
على الورق، كانت هذه مجرّد توسّعات مؤسسية عادية. أما عملياً، فتشير هذه الخطوات من جانب شركات إماراتية إلى أمر أكبر: دول الخليج شديدة الجفاف، التي لطالما كانت رائدة عالمياً في مجال تحلية المياه المحلية، تتوسّع الآن في الخارج في قطاع قد يكون استراتيجياً بقدر أهمية النفط في عصر يشهد ارتفاعاً مستمراً في درجات الحرارة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تستهدف فيه شركة "أكوا باور" السعودية، المطوّرة للطاقة المتجددة والمدعومة حكومياً، إبرام صفقات عالمية في مجال المياه. وفقاً لـ ناصر السيد، الباحث في السياسات والمتخصص في النمو الاقتصادي الأخضر في مؤسسة "بورس آند بازار" البحثية في لندن، فإنّ الدافع الرئيسي لاستثمار دول الخليج في مشاريع المياه بالخارج هو الاستفادة من خبراتها في هذا القطاع.
وصرّح السيد لموقع المونيتور: "على مدار الخمسة والأربعين عاماً الماضية، ورغم الندرة الشديدة في المياه، نجحت دول الخليج في تحويل توفير المياه إلى قصة نجاح، حيث لبّت الطلب المتزايد، وأصبحت رائدة في تقنيات مثل تحلية المياه والأنظمة الفعّالة".
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تعمل اليوم نحو 21 ألف محطة تحلية مياه في نحو 150 دولة، ويقع نصف الطاقة الإنتاجية العالمية المُركّبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تغتنم دول الخليج الآن فرصاً لتحقيق عوائد مجزية من خلال تصدير خبراتها في عالم يواجه ضغوطاً متزايدة على المياه. وأشار السيد إلى أنّ: "شركات مثل طاقة وأكوا باور متقدّمة للغاية في بناء وتشغيل محطات تحلية المياه، ورغم الاهتمام الكبير بخبرة دول الخليج في مجال الطاقة، إلا أنها بلا شكّ متقدّمة أكثر في مجال المياه".
طوفان من الصفقات
بالنسبة لشركة طاقة، يُمثّل استحواذها على شركة "جي إس إنيما" خطوة غزو عالمي كبيرة. تمتلك الشركة، التي تتخذ من مدريد مقراً لها، 50 مشروعاً نشطاً في 10 دول، تمتد من إسبانيا إلى الولايات المتحدة والبرازيل وغيرها.
تضيف الصفقة 171 مليون غالون إمبراطوري يومياً من طاقة تحلية المياه، و264 مليون غالون إمبراطوري يومياً من طاقة مياه الشرب، و572 مليون غالون إمبراطوري يومياً أخرى من مياه الصرف الصحي والمعالجة الصناعية. بعيداً عن النطاق العالمي، توفّر "جي إس إنيما" إمكانية التنبّؤ المالي من خلال عقود امتياز طويلة الأجل، حيث أعلنت الشركة عن إيرادات تجاوزت 450 مليون دولار أميركي العام الماضي.
تتوسّع الطاقة أيضاً في مناطق أخرى؛ ففي أيار/مايو، وقّعت اتفاقيات في المغرب لتطوير محطات تحلية المياه بالتعاون مع شركاء محليين. وفي آذار/مارس، أبرمت الشركة الإماراتية اتفاقية لتطوير خط أنابيب لنقل المياه الخام ومحطة لمعالجة المياه في أوزبكستان.
كما تحقّق شركة "AMEA Power" إنجازات جديدة. ففي 27 آب/أغسطس، أعلنت شركة الطاقة المتجدّدة الإماراتية عن مشروعها في أنغولا، وهو مشروع مشترك مع شركة المرافق الإسبانية كوكسابينجوا (Cox) لتطوير وتشغيل محطة تحلية مياه البحر بسعة 100 ألف متر مكعب يومياً، بهدف توفير المياه لنحو 800 ألف شخص.
في الأول من آب/أغسطس، دخلت شركة "AMEA Power" المرحلة الثانية من مشروع تحلية أكادير في المغرب، والذي سيوفّر 400 ألف متر مكعب يومياً، بالعمل مرة أخرى مع شركة "Cox". سيتمّ تشغيل المنشأة بواسطة مشروع طاقة الرياح التابع للشركة بقدرة 150 ميغاوات في العيون بالصحراء الغربية، ما يضيف عنصراً مثيراً للجدل نظراً لارتباطه بالمنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
في الوقت نفسه، تتخذ شركة "ACWA Power" أيضاً خطوات عالمية؛ ففي أيار/مايو 2025، وقّعت الشركة السعودية اتفاقيات شراكة استراتيجية مع عدة شركات ماليزية لمشاريع طاقة محتملة، بما في ذلك تحلية المياه على نطاق واسع. في تموز/يوليو، أفاد رئيس مجلس إدارة الشركة، محمد أبو نيان، أنّ شركة "ACWA Power" تخطّط لتوسّع كبير في الصين، وهي سوق تُشكّل تحلية المياه محوراً أساسياً لاستثماراتها.
لماذا الماء، ولماذا الآن؟
يعتمد التوجّه العالمي الجديد لدول الخليج على الدروس المستفادة محلياً. فمع تزايد الطلب، ووجود أنظمة دعم حكومي مكثّفة، وندرة الموارد الطبيعية، كانت المياه تُشكّل عبئاً مالياً. وصرّح ناصر السيد: "كان عليهم إيجاد سبل لخفض التكاليف مع الاستمرار في تلبية الطلب، حيث زاد تغيّر المناخ من الضغط على موارد المياه الشحيحة أصلاً في المنطقة".
وبعد ذلك، تتطلّع شركات المرافق الخليجية الآن إلى الخارج. فقد انخفضت تكاليف تحلية المياه بفضل التقدّم التكنولوجي، مما فتح الأبواب أمام أسواق جديدة. وأشار السيد إلى أنه "بينما كانت الأولوية محلياً لتلبية احتياجات المياه مع تقليل الخسائر المالية، ينصبّ التركيز في الخارج على الربح والمكاسب الاقتصادية".
وأضاف أنّ "هذا التوسّع الخارجي يعزّز أمن المياه المحلي، إذ يساهم امتلاك وتشغيل أصول مائية رئيسية في الخارج في تعزيز مرونة دول الخليج من خلال توسيع نطاق المعرفة، وتحفيز الابتكار، ودعم تطوير السياسات طويلة الأجل".
وعند إعلانها عن صفقة "GS Inima"، سلّطت شركة طاقة الضوء على التوقّعات بأنّ التقنيات الرقمية المتقدّمة للشركة الإسبانية وتركيزها على البحث والتطوير سيُحقّقان قيمة طويلة الأجل.
صورة أشمل
تنسجم المياه تماماً مع استراتيجيات التنويع الاقتصادي في الخليج. فكما أصبحت طيران الإمارات وأرامكو رائدتين عالميتين في قطاعي الطيران والطاقة، تُرسّخ شركات المرافق العامّة مثل طاقة وأكوا باور مكانتها في قطاع المياه، وهو حاجة عالمية متزايدة.
كما أنّ المخاطر الجيوسياسية تؤدّي دوراً مهماً. فمع تفاقم الجفاف وارتفاع عدد السكان، أصبحت المياه مورداً حيوياً. ولا يقتصر امتلاك دول الخليج لأصول من شمال أفريقيا إلى أميركا اللاتينية على تنويع مصادر الدخل فحسب، بل يعزّز أيضاً القوة الناعمة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
لا مبالغة في أهمية هذا الأمر، إذ قد يتجاوز الطلب على المياه العذبة العرض بنسبة 40% بحلول عام 2030، وفقاً للجنة العالمية لاقتصاديات المياه، وقد تؤدّي ندرة المياه إلى انخفاضات كبيرة في الناتج الاقتصادي العالمي.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.