"المونيتور": مع تباطؤ مشاريعها العملاقة.. الرياض تراهن على الذكاء الاصطناعي لإنعاش العقارات

تعلن المملكة بشكل متزايد عن مشاريع تدمج الذكاء الاصطناعي والعقارات لخفض التكاليف مع بناء بنية تحتية أكثر ذكاءً واستدامة واعتماداً على البيانات.

  • "المونيتور": مع تباطؤ مشاريعها العملاقة.. الرياض تراهن على الذكاء الاصطناعي لإنعاش العقارات

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول تحوّل السعودية نحو دمج الذكاء الاصطناعي بشكل عميق في قطاع العقارات كجزء من إعادة تقييم أولويات رؤية 2030، خاصة مع تباطؤ بعض المشاريع العملاقة مثل نيوم والدرعية، والبحث عن أدوات أسرع وأقل كلفة لدفع النمو.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

لم تُخفِ المملكة العربية السعودية توجّهها نحو الذكاء الاصطناعي في الأشهر الأخيرة، وهو توجّهٌ تعزّز الأسبوع الماضي خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رفيعة المستوى إلى واشنطن، حيث احتلت شراكات الذكاء الاصطناعي وصفقات أشباه الموصلات مركز الصدارة. يعكس هذا التحوّل إعادة تقييم أوسع للأجندة الاقتصادية لرؤية 2030. على الرغم من أنّ المشاريع العملاقة، مثل "نيوم" و"الدرعية"، لا تزال من الأولويات الرئيسية، إلّا أنّ بعضها تباطأ وسط تشديد الاستثمار الأجنبي المباشر، مما دفع الرياض إلى مضاعفة التركيز على الذكاء الاصطناعي كمحرّك أسرع وأكثر فعّالية من حيث التكلفة للتحوّل.

وكانت هذه الاستراتيجية جلية الشهر الماضي في الرياض خلال الاجتماع السنوي لمبادرة مستقبل الاستثمار (FII)، حيث تصدّرت شركة الذكاء الاصطناعي المملوكة لصندوق الاستثمارات العامّة، هيمين، عناوين الأخبار، وليس المشاريع العملاقة. وبناءً على هذا الزخم، تُطلق المملكة الآن مبادرات تدمج الذكاء الاصطناعي مع التطوير العقاري، وهما ركيزتان أساسيتان لرؤية 2030، في محاولة لبناء بنية تحتية حضرية أكثر ذكاءً واستدامةً واعتماداً على البيانات. أحد الأمثلة على هذا التحوّل جاء في مبادرة مستقبل الاستثمار عندما أعلنت شركة التطوير العقاري السعودية "ديار العربية" عن شراكة بقيمة 100 مليون دولار مع غوغل لتطبيق الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة في تطوير العقارات ومعلومات السوق.

ومن المشاريع الأخرى الرائدة في هذا المجال مشروع "نيو سيتي"، وهو برنامج لتسريع نمو الشركات الناشئة، أُطلق في أيلول/سبتمبر من قِبل تحالف يضمّ المستثمرة آية زغنين وشركتي العقارات السعوديتين "عقار" و"رتال"، بهدف تزويد الشركات الجديدة بالموارد والتوجيه وإمكانية الوصول إلى شبكتها العقارية. يُموّل البرنامج من قِبل البرنامج الوطني لتطوير التكنولوجيا، وهو هيئة حكومية سعودية.

ووفقاً لزغنين، المدير الإداري لشركة "نيو سيتي"، فقد تطوّرت الشركة منذ ذلك الحين لتصبح "منصة ابتكار" تربط المطوّرين والمقاولين وشركات الهندسة وشركات العقارات الأخرى التي تتطلّع إلى الاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي في المملكة. تتعاون "NeoCity" مع الشركات الناشئة في مراحل مختلفة من دورة حياتها، من التمويل الأولي إلى جمع الأموال من الفئة "B"، مما يوفّر مختبراً لإثبات المفهوم، حيث يمكن للشركات اختبار منتجاتها في المملكة العربية السعودية قبل الاستثمار فيها ونشرها على نطاق أوسع.

توسيع نطاق الأعمال السعودية

أطلقت "نيو سيتي"، يوم الأربعاء، خلال منتدى "سيتي سكيب" بالرياض، صندوقاً استثمارياً بقيمة 100 مليون دولار أميركي، بدعم من جهات حكومية سعودية وشركات عقارية رائدة ومستثمرين مؤسسيين. سيجذب الصندوق شركات الذكاء الاصطناعي الأجنبية التي تدخل سوق العقارات في المملكة، وسيعمل على توسيع نطاقها، موفّراً التمويل اللازم لها، ورابطاً إياها بالمطوّرين والمموّلين والجهات التنظيمية. ومن المرجّح أن تكتمل عملية جمع التمويل البالغة 100 مليون دولار أميركي في نيسان/أبريل 2026، وفقاً لزغنين.

جمعت المجموعة الأولى من "نيو سيتي"، والمكوّنة من 10 شركات ناشئة أجنبية، من الهند وسنغافورة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من بين دول أخرى، 9.8 ملايين دولار أميركي، وبدأت بالفعل في تجربة أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي في مجالات البناء وإدارة العقارات والاستدامة. وقد اجتذب برنامج جمع التمويل الخاصّ بها أكثر من 1000 طلب، مما يؤكّد الإقبال القوي على مشاريع العقارات السعودية.

وأضاف زغنين أنّ "نيو سيتي" تخطّط لجمع مثل هذه الأموال الكبيرة كلّ خمس سنوات. يُعدّ قطاع التكنولوجيا العقارية السعودية جديداً نسبياً بالنسبة لزغنين، التي تتمتّع بسيرة ذاتية واسعة كمستثمرة في رأس المال الاستثماري في عدد من القطاعات، بما في ذلك التكنولوجيا الزراعية والتكنولوجيا المالية والخدمات اللوجستية، في جميع أنحاء أفريقيا وأوروبا.

وعندما سُئلت عن سبب اختيارها دخول سوق العقارات السعودي، قالت زغنين: "تقدّم المملكة العربية السعودية اليوم واحدة من أكثر فرص النمو العقاري جاذبية على مستوى العالم. إنّ زخم التطوير والمبادرات التي تقودها الحكومة يخلق بيئة قوية للابتكار، وهو سوق جاهز لتبنّي التقنيات الجديدة".

وأضافت: "عندما تذهب إلى قطاع العقارات هنا، على الرغم من أنه متطوّر للغاية، إلّا أنّ معظم الجهات الفاعلة فيه ليست على دراية بالتكنولوجيا حقاً"، مشيرةً إلى أنّ عدداً قليلاً جداً من مطوّري العقارات السعوديين لديهم فرق ابتكار.

إضافة إلى المعرفة التقنية، توفّر "NeoCity" أيضاً للشركات الناشئة شبكتها، وهي منصة مدعومة من جهات حكومية، بما في ذلك البرنامج الوطني للتنمية السياحية، والهيئة العامّة للعقارات، إضافة إلى شركات العقارات الخاصة مثل "Aqar" و"Retal Group".

اتجاهات العقارات

تعمل الحكومة السعودية أيضاً على نشر الذكاء الاصطناعي في المشاريع العملاقة، بما في ذلك بناء "نيوم"، وهو نظام بيئي للمدن الذكية يعتمد فيه التخطيط الحضري، والخدمات اللوجستية، وإدارة الطاقة، وعمليات البناء بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي في العقارات السكنية والتجارية والصناعية. مع ذلك، تركّز "نيو سيتي" على مطوّري القطاع الخاص الصغار والمتوسطين، متخلّيةً عن الكيانات المدعومة من الدولة المشاركة في المشاريع العملاقة.

تشير زغنين إلى أنّ العديد من شركات العقارات المشاركة في حلول ما قبل البناء، مثل إدارة سير العمل وتبسيط عملية تقديم العطاءات، تتطلّع إلى التوسّع في المملكة. كما ترى زغنين أنّ شركات البناء تستخدم الروبوتات لتمكين المقاولين من البناء بشكل أسرع وأكثر استدامة، مع خفض التكاليف. ووفقاً لها، فإنّ حلول ما بعد البناء، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لتبسيط مبيعات العقارات، لا تزال غير مستكشفة نسبياً، لكنها تتوقّع ازدياد الاهتمام بها مع اقتراب المشاريع من الاكتمال.

في كانون الثاني/يناير 2026، سيدخل قانون جديد حيّز التنفيذ يسمح للأجانب بتملّك العقارات في مناطق محدّدة في جميع أنحاء المملكة، وهي خطوة من المتوقّع أن تجذب الاستثمار الخارجي. يُعدّ هذا مشروعاً بارزاً للمملكة التي كانت في السابق محافظة للغاية، والتي ظلت لعقود شبه مغلقة أمام الاستثمار الدولي والسياحة، حتى أيلول/سبتمبر 2019.

تعتقد زغنين أنّ القانون الجديد سيُحدث تغييراً جذرياً في السوق، مضيفةً أنها نتيجةً لذلك، لاحظت سعي المطوّرين في المملكة لجعل المشاريع أكثر "ملاءمة للأجانب". وأضافت أنّ المزيد من شركات الوساطة الدولية تتوسّع في المملكة العربية السعودية، وأنّ الوسطاء المحليين يُعزّزون حضورهم الدولي لجذب المشترين إلى المملكة.

شركاء الشركات الناشئة

إحدى الشركات الناشئة التي حصلت على تمويل بقيمة 9.8 ملايين دولار، وهي شركة "أوغرايد"، ومقرها كاليفورنيا، هي منصة لمرحلة ما قبل الإنشاء تستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع التصميم والهندسة وغيرها من العمليات. رأى الرئيس التنفيذي كيشاف شارما إمكانات واعدة في المملكة، بمشاريعها الضخمة، مثل مدينة القدية الترفيهية، ومطار الملك سلمان الدولي، وتوسعة خط مترو الرياض. وتعمل الشركة حالياً على إنشاء مقر لها في الرياض للعمل بشكل وثيق مع المطوّرين والمقاولين العامّين ومديري البرامج في جميع أنحاء البلاد ومنطقة الخليج.

قال شارما لموقع المونيتور: "أصبحت نيو سيتي مركزاً لتقنيات البناء المتقدّمة، ومنظومتها البيئية تتيح لنا رؤيةً مباشرة لتطور اللوائح التنظيمية في المملكة، واحتياجات المشاريع، والأولويات الاستراتيجية".

نجيب خنافر، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "ريوا"، وهي منصة مكافآت ودفع رقمي مرتبطة بالعقارات تأسست في الهند، هو شريك آخر لـ "نيو سيتي". وأضاف خنافر لموقع المونيتور: "تُعدّ المملكة العربية السعودية من أبرز أسواق توسّعنا، حيث تمتلك أكبر اقتصاد إيجار في دول مجلس التعاون الخليجي، وتعمل حكومتها بنشاط على إعادة تشكيل منظومة الإسكان الرقمية".

تساعد "نيو سيتي" ريوا على إطلاق منصة مكافآت مرتبطة بالعقارات في المملكة العربية السعودية، ليتمكّن المستأجرون ومشتري المنازل من ربح استرداد نقدي ونقاط وأميال.

خطط التوسّع

شهدت شركات الذكاء الاصطناعي السعودية استثمارات أجنبية كبيرة خلال الأشهر الأخيرة. ومن خلال "NeoCity"، تسعى زغنين إلى تكرار هذا التوجّه مع شركات الذكاء الاصطناعي الصغيرة والمتوسطة والمطوّرين في قطاع التكنولوجيا العقارية بالمملكة.

وقالت: "نبذل جهوداً حثيثة لإيصال هذا الاستثمار إلى السوق، بهدف تحفيز المنظومة بأكملها على الاستفادة من هذه الموجة".

على الرغم من أنّ تركيز زغنين الحالي منصبّ على المملكة العربية السعودية، إلا أنها ترغب على المدى البعيد في تطبيق نموذج "NeoCity" في دول أخرى بالمنطقة، مع خطط لدخول سوق الإمارات العربية المتحدة العام المقبل، ثم قطر.

وأوضحت أنّ أول حملة لجمع التبرّعات في الإمارات ستُقام في النصف الأول من عام 2026، ولكن من المقرّر الإعلان عنها في النصف الثاني من العام. ما زلنا نتلقّى بعض المعلومات حول الإقبال على التكنولوجيا العقارية في المدن الذكية في الإمارات العربية المتحدة. سوق الإمارات العربية المتحدة مختلف تماماً عن السوق السعودية، فهو أكثر نضجاً،" كما قالت، مشيرةً إلى أنّ معظم الشركات في الإمارات العربية المتحدة لديها بالفعل فرق ابتكار، وأنّ السوق مشبع بصناديق رأس المال الاستثماري للشركات.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.