"بلومبرغ": لماذا تريد السعودية خفض أسعار النفط؟

للتكتلات سبب واحد ووحيد لوجودها: رفع الأسعار، و منظمة "أوبك"، أشهرها على الإطلاق. فلماذا إذاً تُسهم السعودية، التي تقود المجموعة، في خفض الأسعار؟

0:00
  • شركة أرامكو النقفطية السعودية
    شركة أرامكو النفطية السعودية

شبكة "بلومبرغ" الأميركية تنشر مقال رأي يتناول التغيّر في سياسة السعودية النفطية، إذ يبدو أنها تسعى لخفض أسعار النفط رغم أنها تقود "أوبك"، وذلك لأسباب متعددة تتجاوز مجرد معاقبة المنتجين المخالفين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

للتكتلات سبب واحد لوجودها: رفع الأسعار، ومنظمة "أوبك"، أشهرها على الإطلاق. فلماذا إذاً تُسهم السعودية، التي تقود المجموعة، في خفض الأسعار؟

ظاهرياً، تحاول المملكة إعادة إرساء الانضباط بين المنتجين المخالفين: كازاخستان والعراق والإمارات العربية المتحدة تُخالف أهداف الإنتاج. ولإجبارهم على التراجع، تُصوّت الرياض في اجتماعات أوبك+ على زيادة الإنتاج للمجموعة بأكملها، على أمل أن يُجبر انخفاض الأسعار المُثيرين للمشكلات على الرضوخ.

هذا التفسير منطقيٌّ للغاية. 

أولاً، لأن الغش حقيقي، ويتفاقم، وقد تجاهلت الدول المُتمردة التحذيرات. 

ثانياً، لأن السعودية سبق أن فعلت ذلك، حيث شنّت حروب أسعار ضد مُخالفي "أوبك" في أعوام 1985-1986، و1998، و2020.

ومع ذلك، لستُ مُقتنعاً بأن هذا كل ما في الأمر.

لتقدير سياسة النفط السعودية، من المفيد دائماً التركيز على ما تفعله المملكة، بدلاً من التركيز على ما تقوله، سواءً في العلن أو في السر. فالفعل واضحٌ تماماً: زيادة الإنتاج، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط. والأهم من ذلك، أن الرياض لم تبذل أي جهدٍ لتهدئة السوق. بل العكس هو الصحيح. في الأيام الأخيرة، وجّه السعوديون رسالةً هادئةً إلى دول "أوبك" وخارجها: يمكننا التعايش مع انخفاض أسعار النفط. وبالنظر إلى ما بين السطور، يبدو أن الرياض تهدف إلى إبقاء سعر خام برنت دون 70 دولاراً للبرميل، وربما أقل من ذلك، وهو ما يُمثّل تحولاً كبيراً عن سياستها السابقة، المعروفة بـ"سياسة السعودية الأولى"، والمتمثلة في الحفاظ على الأسعار عند أقرب مستوى ممكن من 100 دولار.

يُعد فهم النهج الجديد أمراً بالغ الأهمية قبل الاجتماع المقبل لمجموعة دول "أوبك+" الثماني، والمقرر عقده في 5 أيار/مايو. وتُعدّ الرغبة في معاقبة المُخالفين أحد تفسيرات هذا التحول. لكن، يبدو أنّ كازاخستان تُمثّل فائدةً جانبيةً لسياسة جديدة أكثر من كونها السبب الرئيسي. سياسة النفط السعودية متعددة الأبعاد: فقد يكون لها  أهداف عدة في آنٍ واحد.

إليكم بعض التخمينات المدروسة حول الاعتبارات الرئيسية للرياض:

1- أدركت المملكة العربية السعودية أنّ سياستها السابقة المتمثلة في "أقرب سعر ممكن إلى 100 دولار للبرميل" غير مستدامة، إذ ستتطلب المزيد من خفض الإنتاج.

وللحفاظ على ارتفاع الأسعار، بلغ إنتاج السعودية العام الماضي أدنى مستوياته منذ عام 2011. ولو حافظت الرياض على سياسة الأسعار المرتفعة، لما تمكنت على الأرجح من زيادة إنتاجها في عامي 2025 و2026. وبدت التوقعات بعد ذلك، في عامي 2027 و2028، أكثر صعوبةً للتوسع، ما قد يُلزم الرياض بإنتاج منخفض إلى الأبد.

2- أقرّ وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان منذ فترة طويلة، على الأقل سراً، بأنّ الرياض استفادت من العقوبات الأميركية المفروضة على منافسين في "أوبك+": إيران وفنزويلا.

لو كان إنتاج أي منهما قريباً من مستويات ما قبل العقوبات، لكانت السعودية ستواجه انخفاضاً في الأسعار أو انخفاضاً في الإنتاج، أو كليهما. كما عمل الأمير عبد العزيز على افتراض أن العقوبات لن تدوم إلى الأبد. إذا شعرت الرياض باقتراب ذلك اليوم، لنقل لأن البيت الأبيض يتفاوض مع طهران، فمن المحتمل أن يساعد ذلك في زيادة الإنتاج قبل مفاوضات "أوبك+" المحتملة حول كيفية التعامل مع عودة الطاقة الإنتاجية الخاملة حالياً.

3- لا تخوض المملكة العربية السعودية حروب أسعار ضد منافسيها في "أوبك+" فحسب؛ بل خاضت تاريخياً أيضاً معارك مع المنتجين الخارجيين، وأكبرهم الولايات المتحدة. في الفترة من 2014 إلى 2016، أغرقت السوق لسحق منتجي النفط الصخري الأميركيين.

في تصريحٍ شهير، قال وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي لشركات الحفر الأميركية في فبراير 2016 إنها تستطيع "خفض التكاليف، أو الاقتراض، أو التصفية" في مواجهة أسعار أقل من 50 دولاراً للبرميل. لكن إعلان حرب أسعار أخرى ضد النفط الصخري سيكون صعباً سياسياً على الرياض. صحيح أن دونالد ترامب يريد أسعاراً أقل للنفط، حتى لو أضر ذلك بصناعة الطاقة المحلية. لكنني لست متأكداً من موافقة المشرعين الأميركيين، لنأخذ على سبيل المثال السيناتور تيد كروز من تكساس وليزا موركوفسكي من ألاسكا.

4- على مدى ما يقرب من عقد من الزمان، عملت المملكة العربية السعودية بشكل وثيق مع روسيا. 

لكن هذه العلاقة، التي دامت لفترة أطول مما توقعه الكثيرون في البداية، تبدو أكثر ارتباطاً بالمعاملات منها بالاستراتيجية. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتودد إلى ترامب، وقد تدير موسكو ظهرها للرياض يوماً ما. ربما يستشعر السعوديون تغيراً في لهجة الكرملين، فيتحوطون في رهاناتهم، ويزيدون الإنتاج قبل ظهور أي انقسام فعلي.

5- أخيراً، يُجري السعوديون محادثات مع الولايات المتحدة حول قضايا عدة: ضمانات الدفاع، وعقود الأسلحة، وإيران، والبرنامج النووي المدني السعودي. ولا شك أن للنفط دوراً في هذه المحادثات.

سيتوجه ترامب إلى الرياض في أيار/مايو، لتكون جزءاً من رحلته الخارجية الثانية (كانت الأولى رحلةً غير مُجدولة إلى روما لحضور جنازة البابا).

في نهاية المطاف، ستُشكّل العديد من هذه الاعتبارات الأساس المنطقي السعودي للسماح بانخفاض أسعار النفط. سيكون أحدها الدافع الرئيسي، بينما ستكون البقية منافع جانبية. ومن المرجح أن يكون الحفاظ على موقف كازاخستان ضمن هذا السياق.

نقله إلى العربية: الميادين نت.