"بوليتيكو": إمبراطوران على حافة حربين

وسط الجدل حول السيارات الكهربائية وصناعات الكحول وأوكرانيا، قد لا يكون عشاء الرئيس الفرنسي والصيني في باريس ممتعاً. وعلى الأرجح هذان الإمبراطوران يستعدان للقتال.

  • الرئيس الصيني شي جين بينغ في باريس (أ ف ب)
    الرئيس الصيني شي جين بينغ في باريس (أ ف ب)

صحيفة "بوليتيكو" الأميركية تنشر مقالاً تتحدث فيه عن زيارة الرئيس الصيني لفرنسا ولقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعن المسائل التي سيتناقشان بشـأنها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

وسط الجدل حول السيارات الكهربائية وصناعات الكحول وأوكرانيا، قد لا يكون عشاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ممتعاً للغاية. وعلى الأرجح، ستكون حقيقة واحدة متفوقة على المأدبة الرسمية في قصر الإليزيه: هذان الإمبراطوران يستعدان للقتال.

بداية، تتهم الحكومات الغربية الرئيس شي، وهو أقوى زعيم صيني منذ عهد ماو تسي تونغ، بمساعدة روسيا في حرب أوكرانيا من خلال توفير التكنولوجيا والمعدات للجيش الروسي. كذلك، يبدو الاتحاد الأوروبي وبكين على شفا حرب تجارية شاملة، إذ يضغط ماكرون على بروكسل لاتخاذ موقف صارم ضد إغراق الصين السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة. في المقابل، يهدد شي بفرض رسوم جمركية على مشروب "الكونياك"، وهي إشارة مؤلمة للرئيس الفرنسي وصناعة الخمور في بلده.

الأبهة المعتادة والمراسم المصاحبة لمثل هذه الزيارة الرسمية تم تخفيفها إلى حد ما هذه المرة. وبدلاً من استضافة الرئيس الصيني في قصر فرساي، مع قاعة المرايا المزخرفة والنوافير والحدائق الواسعة على بعد 12 ميلاً غرب باريس، دعاه ماكرون إلى الإليزيه؛ مقر إقامته في وسط المدينة، لحضور قمة أشبه باجتماع عمل.

الصينيون هم أساتذة في فن الازدراء الدبلوماسي، ومن الصعب عليهم تفويت فرصة الرسالة إلى أوروبا في قرار شي بالانتقال من باريس إلى صربيا في وقت لاحق من هذا الأسبوع، ثم إلى هنغاريا للقاء رئيس الوزراء فيكتور أوربان. معظم دول أوروبا الوسطى تتعاطف مع روسيا وتعد مصادر قلق وغضب للغرب، وخصوصاً بروكسل التي ليس من المقرر أن يزورها شي على الإطلاق.

قبل أكثر من عام بقليل، خلال زيارة قام بها ماكرون إلى الصين، صرخ الطلاب الصينيون: "أحبك ماكرون "، وبدا الزعيمان عازمين على علاقة رومانسية ناشئة بين بلديهما، حتى إنّ ماكرون نأى بنفسه علناً عن اتباع قيادة أميركا في مسألة تايوان في إثر ترحيب الصين بدعوته إلى الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، واعتبرتها خطوة لمناهضة هيمنة الولايات المتحدة في القارة.

لكن الزمن تغير. لم يتبنّ ماكرون بشكل أكثر صراحة الحاجة إلى أن يكون حازماً في مواجهة التهديد التجاري الصيني للصناعة الأوروبية فحسب، بل إنه الآن تحوّل بقوة إلى تسعير حرب أوكرانيا ضد روسيا، وهو أحد أكثر الأصوات تشدداً في الاتحاد الأوروبي بشأن تلك الحرب، ويبدو أنّ فرنسا تريد أن تسجل موقفاً محتسباً في هذا المجال.

السلطات الصينية لا تفهم سوى توازن القوى، قالت آن غينيت؛ عضو البرلمان الفرنسي عن "حزب النهضة" الذي يتزعمه ماكرون. وأضافت: "إنّهم يحاولون وضعنا في مواجهة الولايات المتحدة وضد أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهم يمثلون 30% من التصنيع العالمي، لكن هذا ليس سبباً للسير في كل مكان حولنا".

سيارات مقابل الخمور

دفعت فرنسا في الأشهر الأخيرة المفوضية الأوروبية إلى موقف أكثر عدوانية ضد هيمنة بكين على التكنولوجيا الخضراء في المستقبل، بما في ذلك السيارات الكهربائية، والرئيس شي يعرف أنّ ماكرون وراء كل ذلك. وحين أطلقت المفوضية الأوروبية تحقيقاً لمكافحة الدعم ضد السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين في نهاية العام الماضي، اختارت بكين عدم استهداف شركات صناعة السيارات الألمانية التي لها بصمة ضخمة مع مثيلتها في الصين. وبدلاً من ذلك، وضعت بكين إجراءات من شأنها ضرب استيراد الخمور الفرنسية.

وفي مطلع العام الجاري، بدأت الصين بمكافحة إغراق أسواقها بمنتجات المشروبات الكحولية الأوروبية، ونسبتها 99% من واردات سوق الخمور الصيني من فرنسا. وقال مسؤول في الإليزيه للصحافيين قبل الزيارة الرئيس شي لفرنسا إنّ هذه المسألة تشكّل محور الاهتمام الأكبر من جانب السلطات والرئاسة الفرنسية. وأضاف: "سيتم تناول هذه القضية خلال المحادثات لضمان الحفاظ على المصالح الفرنسية أثناء الزيارة لتخفيف الإجراءات التي بدأتها السلطات الصينية".

ووصف شي بوتين مراراً بأنه أفضل صديق له. كما رفض مراراً وتكراراً فعل أي شيء لوقف العملية العسكرية الروسية الخاصة وعدم توسعة نطاقها في أوكرانيا. كذلك، تساهم الصين في تقديم التقنيات العسكرية ذات الاستخدام المزدوج ومكونات بناء الأسلحة وصور الأقمار الصناعية إلى روسيا، ما يغضب المنظومة الغربية كاملة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وفي مقابلة حديثة مع "بوليتيكو"، سلطت السفيرة الأميركية لدى حلف "الناتو" جوليان سميث الضوء على دعم بكين لموسكو، وقالت إنّ "الصين لم تعد قادرة على إعلان الحياد في الصراع بعد الآن". كذلك، وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ المساعدات الصينية بأنها تساعد موسكو على إلحاق المزيد من الدمار بأوكرانيا.

ماكرون سوف يقدم للرئيس شي تحليله للتطورات الدولية، بما فيها الحرب الأوكرانية، حسبما قال المسؤول نفسه في الإليزيه، و"سيثير أيضاً مخاوف بشأن أنشطة بعض الشركات الصينية التي يمكن أن تشارك بشكل مباشر في المجهود الحربي الروسي أو تساهم فيه بشكل كبير".

مساحة كبيرة للزعيمين للحديث 

لا شك في أنّ المحادثات بين الطرفين ستكون صعبة، لكن هناك مساحة كبيرة أيضاً للحديث بين الزعيمين. وقالت أبيغيل فاسيليييه، رئيسة العلاقات الخارجية في مؤسسة "ميريكس" الفكرية، وهي دبلوماسية سابقة في الاتحاد الأوروبي تعمل على سياسة الصين، إنّ "الصينيين ذاهبون إلى فرنسا لمحاولة معرفة كيف يمكنهم تقويض النية الأوروبية للمضي قدماً في كبح السيارات الكهربائية الصينية في أسواقها، لكن هذه المسألة بالنسبة إلى فرنسا ستأتي في المرتبة الثانية بعد قضية الحرب في أوكرانيا".

خلال زيارته الصين العام الماضي، دعا شي ماكرون إلى منزل والده في مقاطعة قوانغدونغ. هذا الأسبوع، سيحاول ماكرون رد المبادة بدعوة شي إلى مكان عطلة طفولته في جبال البرانس.

ووفقاً لخبيرة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، فإنّ "ماكرون يلعب لعبة مزدوجة مع بكين، وهو يضغط على بروكسل لاستخدام الأسلحة التجارية للدفاع عن صناعة الاتحاد الأوروبي، ويحاول الاحتفاظ بعلاقة مع شي، والعلاقات الثنائية بين باريس وبكين جيدة للغاية".

نقله إلى العربية: حسين قطايا

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.