"بوليتيكو": اليمين المتطرف في أوروبا يستخدم "تيك توك" للفوز بأصوات الشباب

المؤثرون من الجيل Z يلهمون الزعماء اليمينيين المتطرفين في أوروبا، أمثال جوردان بارديلا في فرنسا، وخصوصاً قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو المقبل.

  • لقطة لأعضاء حزب التجمع الوطني الشباب مع جوردان بارديلا (16 أيلول 2023)
    لقطة لأعضاء حزب التجمع الوطني الشباب مع جوردان بارديلا (16 أيلول 2023)

يتناول موقع "بوليتيكو" الأوروبي، الاتجاهات المستجدة لدى السياسيين اليمينيين المتطرفين في أوروبا للترويج لأنفسم وسياسات أحزابهم على منصة "تيك توك" وذلك بالرغم من محاولات حظر التطبيق في أوروبا.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

نجح جوردان بارديلا المولود في العام 1995، وهو ربيب مارين لوبان، رمز أقصى اليمين في فرنسا، في جمع أكثر من مليون متابع في أقل من 3 سنوات على تطبيق "تيك توك" الصيني. وأصبح الزعيم الشاب لـ "حزب التجمع الوطني" اليميني المتطرف الأكثر تأثيراً في البلاد على وسائل التواصل الاجتماعي التي يعرفها جيداً ويستغل تأثيرها للفوز بأصوات جيل الشباب الذي ينتمي إليه.

كل حركات وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تستخدم تطبيق "تيك توك"، كوسيلة إعلامية ناجعة في مخاطبة جيل الشباب المنخرط بضراوة في عالم التكنولوجيا وينظر إلى الاجتماع والسياسة من منظارها فقط، مما يتيح لأمثال جوردان بارديلا مساحة واسعة من التأثير على جيل ينتمي إليه.

يستخدم بارديلا كلاماً مباشراً في الحديث مع أبناء جيله الأكثر اهتماماً بجنون الرقص من السياسة، لكنه يستطيع دفعهم بالشكل والأسلوب نحو مضاعفة اهتمامهم بالسياسات الحزبية والعامة، مرتدياً بلوزات ضيقة يحاول إقناعهم بأن وعيهم وقيمهم وأفكارهم ستؤثر بشكل أساسي على كيفية إدارة أوروبا والولايات المتحدة والعالم.

لا شك في أن الحركات المتطرفة في جميع أنحاء العالم تتحدى أساسيات الديمقراطية، وتروج الأحزاب لأيديولوجيات مناهضة للمساواة الاقتصادية والهجرة والحرب وتغير المناخ أمام عدد كبير من السكان الذين يستخدمون الإنترنت. ومن بين هؤلاء قواعد من الناخبين الشباب الذين يدخلون إلى عالم السياسة من خلال واسطة وسائل التواصل الاجتماعي، مما سيكون له بالغ التأثير على كل عملية انتخابية في أوروبا. وعلى سبيل المثال، ألمانيا ومالطا والنمسا وبلجيكا، سيتمكن المراهقون الذين يبلغون من العمر 16 عاماً من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الأوروبية، وفي اليونان سن التصويت 17 عاماً.

وتظهر استطلاعات الرأي في جميع أنحاء أوروبا، من إيطاليا إلى فرنسا إلى هولندا، أن الدعم لليمين المتطرف بين الناخبين الشباب آخذ في الازدياد. وبفضل أصواتهم المحتملة، قد يتحول قسم كبير من أوروبا إلى اليمين في انتخابات حزيران/يونيو المقبل حين يتمكن 450 مليون شخص من التصويت لأعضاء البرلمان الأوروبي. وتشير بعض الاستطلاعات إلى أنه من المتوقع فوز أحزاب اليمين المتطرف بعدد قياسي من المقاعد.

يستفيد بارديلا من هذا الارتفاع ويبرز بين أقرانه السياسيين على أنه واحد من القلائل الذين نجحوا في التفاعل مع جمهور المنصة الشبابية "تيك توك". ووجدت صحيفة "بوليتيكو" بعد بمراجعة تواجد أعضاء البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 705 على منصة "تيك توك"، أن هناك 186 حساباً نشطاً معظمهم يعود إلى المشرعين في البرلمان الأوروبي من الأحزاب اليمينية عموماً ولا سيما اليمين المتطرف.

شعور الأحزاب غير "المتطرفة" بالقلق

ويشير المحللون والمستشارون السياسيون الذين أجرت صحيفة "بوليتيكو" مقابلات معهم إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "تيك توك"، أصبحت ساحة معركة رئيسية للجيل القادم من الناخبين.

وقال رومان فارغيرالباحث في شؤون الإعلام، إن "الهدف الأول للحركة اليمينية هو الفوز بما يسمونه المعركة الثقافية، والتي من وجهة نظرهم ينتصرون فيها لأنه، كما يقول اليمينيون الأميركيون: اليسار لا يستطيع أن ينسجم بشكل جيد مع تطلعات الجيل الجديد في الغرب عموماً".

وفقاً لهذا البحث، من إيطاليا إلى ألمانيا، يتفاعل العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي اليمينيين المتطرفين مع المستخدمين الشباب على "تيك توك" أكثر بكثير من أقرانهم في الأحزاب التقليدية، ولقد حصل هؤلاء على ما يقرب من 39 مليون إعجاب وملايين من المتابعين النشطين.

وحصل المشرعون من حزب الشعب الأوروبي الذي يمثل يمين الوسط، وهو أكبر تجمع في البرلمان على أقل من 3 في المائة من إجمالي الإجابات.

السياسي السلوفاكي فلاديمير بيلتشيك من حزب الشعب الأوروبي لديه أقل من 20 متابعاً على "تيك توك" قال: "لا يمكننا ببساطة أن نترك المجال للقوى المناهضة لأوروبا، والشعبويين المناهضين للنظام، ولكل أولئك الذين يريدون تقويض الديمقراطية وتدميرها وتقويض أوروبا".

واعتبر توم زويتي المسؤول الإعلامي الرفيع في" حزب الخضر الأوروبي" القريب من اليسار، إن الحزب يعمل على" سد هذه الفجوة ومواجهة المعلومات المضللة بخطاب مضاد مشروع وديمقراطي".

وأشار بيير لو تيكسييه، مدير الاتصالات في "حزب التجديد الليبرالي"، إلى استطلاع حديث أجرته مؤسسة "إبسوس" أظهر أن 4 بالمئة فقط من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يعتزمون التصويت لحزبه في فرنسا في الانتخابات المقبلة، بينما 31 بالمئة يفكرون في التصويت لصالح بارديلا.

وأضاف "ليس لدينا هذا النوع من الإستراتيجية طويلة المدى التي يبدو أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تمتلكها، وقد يكون ذلك مقلقاً في المستقبل".

ولم يقترب أحد من منافسة اليمين المتطرف على منصة "تيك توك" سوى السياسيين من أحزاب اليسار المتطرف، الذي يحوز على نحو ربع إجمالي المشتركين في حسابات البرلمان الأوروبي على المنصة المذكورة.

تيك توك على تيك توك

بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض في عام 2008 على خلفية مساهمة منصة" فيسبوك "بنجاحه، ضاعف العديد من السياسيين جهودهم في التواصل الرقمي مع الجماهير على منصة "أكس" (تويتر سابقاً)، و"فيسبوك"، و"إنستغرام". لكن علاقة الحب بين السياسيين ووسائل التواصل الاجتماعي تلقت ضربة قوية بعد الانتخابات الأميركية في عام 2016، حين رفض دونالد ترامب الخسارة وشق طريقه إلى السلطة بالقوة وسط اتهامات لروسيا باستخدام تلك المنصات ذاتها للتلاعب بالناخبين.

ويشير البعض من السياسيين لسنوات بأصابع الاتهام إلى شركات التواصل الاجتماعي، قائلين إن التكنولوجيا التي تستخدمها تؤدي إلى استقطاب حاد بين االقوى السياسية وفي المجتمع على حد سواء.

في الولايات المتحدة، أدى ارتباط "تيك توك "بالصين إلى امتناع بعض السياسيين عن استخدامه ولكن ليس كلهم، بينما يسعى الكونغرس الآن لإجبار الشركة الصينية على البيع القسري لمنصة "تيك توك "في أميركا لأسباب تتعلق بـ "الأمن القومي". وفي أوروبا، كان السياسيون أكثر حذراً من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل عام، خوفاً من أن يتم استهداف الناخبين برسائل سياسية حول مخاوف تتعلق بحماية البيانات وبالقرصنة.

في الأسابيع الأخيرة، وبخت امرأة المستشار الألماني أولاف شولتس، في قاعة بلدية مدينة دريسدن، بسبب حزبه "الديمقراطي الاشتراكي"، الذي يتشابع مع الأحزاب التقليدية الأخرى، التي لا تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف المناهض للمهاجرين. وتوسلت إلى شولتس لتكثيف رسائله عبر الإنترنت.

على مستوى الاتحاد الأوروبي، ابتعد الكثيرون عن "تيك توك"، بعد أن أصدرت المفوضية الأوروبية والبرلمان ومؤسسات أخرى وكذلك الحكومات الوطنية قيوداً على استخدامه في عام 2023 بسبب مخاوف من وصول بكين إلى البيانات، مع أن "تيك توك" تنفي هذه المزاعم.

توقف السياسي الفرنسي من يسار الوسط رافائيل غلوكسمان، الذي كان من بين أعضاء البرلمان الأوروبي الأكثر شعبية على "تيك توك" مع أكثر من 55 ألف متابع، عن استخدام المنصة بعد هذا التحذير الحكومي.

قال بيدرو لوبيز دي بابلو، رئيس قسم الصحافة في حزب الشعب الأوروبي، إن مجموعته السياسية استثمرت بشكل أقل في "تيك توك" لأسباب أمنية وعملية، "لا يمكننا استخدامها مع هواتفنا أو أجهزة الكمبيوتر لدينا عندما تكون متصلة بشبكة البرلمان الأوروبي، لذلك نحن على الشبكة مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف خارج البرلمان لا داخله".

ومع ذلك، اتخذت مجموعات سياسية إجراءات تحافظ على مستوى من البقاء على المنصة المذكورة قراراً لمكافحة انتشار المعلومات المضللة وإحباط محاولات الاستقطاب.

مثل العديد من منصات التواصل الاجتماعي، تم تصميم خوارزميات محتوى "تيك توك" لإبقاء الأشخاص على المنصة لوقت طويل من خلال تسويق ناجح لمقاطع الفيديو التي تثير ردود فعل قوية. وتخضع الشركة حالياً للتحقيق لاحتمال تعزيزها بهذا الأسلوب السلوك الإدماني على المستخدمين وخاصة المراهقين والأطفال.

"تيك توك" تنفي ارتكاب أي مخالفات لقواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة على المحتوى وقانون الخدمات الرقمية. وقالت إدارة الشركة إنها ستضم مشرفين ومتخصصين للمحتوى لمراقبة الاتجاهات في الوقت الفعلي والمشكلات المحتملة بما في ذلك المعلومات الخاطئة قبل انتخابات البرلمان الأوروبي.

وقال كيفن مورغان، رئيس قسم الثقة والسلامة الأوروبي للشركة، إن "تيك توك" ستزيل المحتوى أو حسابات السياسيين والأحزاب السياسية التي نشرت محتوى غير قانوني أو انتهكت الشروط والأحكام الخاصة بها، على الرغم من أن المنصة ستأخذ "المصلحة العامة" في الاعتبار عند الشروع في مثل هذه القرارات الحساسة.

وقالت كارولين جرير، رئيسة مكتب الشركة في بروكسل، نحن لا نتدخل في السياسة على الإطلاق، لذلك لا نفرق بين اليمين واليسار والوسط.

مع ذلك تراهن الأحزاب اليمنية المتطرفة على قدرتها على التفوق على خوارزمية "تيك توك"، ويعملون على المناورة في رسائلهم السياسية لجذب جيل "المراهقين" على تيك التوك باستخدام الموسيقى والرقص بأنواعه وشرب الخمر، وأصبحت منصة التواصل الاجتماعي بمثابة مختبر تجريبي للزعماء الشعبويين في مواسم الانتخابات، حيث المنصة البصرية المنمقة والخطب النارية المؤطرة بخلفيات إيديولوجية تهاجم المهاجرين والمسلمين.

قالت سيلفيا سادورن، اليمينية المتطرفة في إيطاليا، أمام أتباعها الذين بلغ عددهم 110 آلاف شخص مؤخراً، "إنهم يكرهوننا باسم الله". ونشرت مقطع فيديو لخطاب حول هجوم إرهابي في بروكسل، وقد حظي على ما يقرب من 24 ألف إعجاب".

وفي مقطع فيديو آخر حاز على إعجاب أكثر من 85 ألف شخص، أظهر السياسي البولندي اليميني المتطرف باتريك جاكي، الذي لديه 218 ألف متابع، لقطات لجريمة اعتداء على فتاة صغيرة ووالدتها، ودون أدلة ألمح إلى أن الشخص الذي نفذ الهجوم كان مهاجراً. وقال، "ليس لدينا هذا في بلادنا لأننا وقفنا قبل سنوات قليلة في وجه الاتحاد الأوروبي ولم نتفق معه في السياسات المتعلقة بالمهاجرين".

وقال مارتن ديغيلنج المحلل في شركة "يوتيوب" في مقرها في برلين، "اليمين المتطرف أكثر نشاطاً ويستخدم المنصة بشكل أكثر استراتيجية، وتحقيقاً لهذه الغاية، كان قادراً أيضا على اكتساب المزيد من الزخم لمجرد أنهم فهموا منطق المنصة".

مع ذلك، يعتبر بعض الخبراء أن تحويل الإعجابات على منصة "تيك توك" إلى أصوات بصناديق الاقتراع ليس بالأمر المؤكد.

وفقاً للباحث رومان فارغيه، غالباً ما قام اليمين المتطرف في فرنسا على وجه الخصوص، بإخفاء الرسائل السياسية عبر منشورات غير ضارة على وسائل التواصل الاجتماعي حول النمو الشخصي. وقال، "إنهم لا يتحدثون عن السياسة، بل عن الهوية، وينتقدون تعدد الزوجات لدى النساء، ويشجعون الرياضة والتنمية المالية وهذا يمكن أن يكون له تأثير على المراهقين في طور التكوين".

وأضاف، "إن نصف محتوى بارديلا لا يحتوي بشكل مباشر على رسالة سياسية ولكنه يظهر أنه يتقن فن الخطابة الترفيهي في المناظرات".

وقال ألكسندر إيريس الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية في فرنسا، "إن العديد من طلابه يعتقدون أن بارديلا كان مؤثراً قبل أن يتعرفوا عليه فيما بعد كسياسي".

بارديلا، ثالث أكثر السياسيين الفرنسيين متابعة على شبكة التواصل الاجتماعي، يأتي مباشرة خلف الرئيس إيمانويل ماكرون والزعيم اليساري جان لوك ميلينشون.

ومن بين منشورات بارديلا البالغ عددها 274 على "تيك توك"، 166 منها عبارة عن مقاطع من مقابلاته التلفزيونية، معظمها تم منتجتها بشكل كبير باستخدام عبارات لكمة وتعبيرات شائعة بين المتابعين المراهقين.

ورداً على سؤال حول استراتيجية بارديلا بشأن "تيك توك"، قال فيليب أوليفييه، المشرع الأوروبي والمستشار الرئيسي لحزب التجمع الوطني، في بيان:" نحن نستعد للانتخابات الرئاسية، ولسنا في خضم السياسة التافهة. تثقيف الشباب على وجه الخصوص ضرورة وأولوية بالنسبة لنا".

نادراً ما يذكر بارديلا اسم حزبه السياسي، ونادراً ما يكشف وجهه اليميني المتطرف ولا يدعو أتباعه على الإطلاق تقريباً إلى التصويت له خلال الانتخابات.

بهذه الاستراتيجية الماكرة تجعل من الصعب على المراهقين تحديد أنهم يشاهدون بالفعل محتوى من زعيم يميني متطرف.

على سبيل المثال، جان مراهق فرنسي يبلغ من العمر 14 عاما، حين يخرج من المدرسة يستل هاتفه لمشاهدة مقاطع فيديو "تيك توك" لجوردان بارديلا وهو في طريقه إلى منزله في سيارة النقل المدرسي. يقول جان، الذي تصوت عائلته دائماً للأحزاب ذات الميول اليسارية: "لا أعرف الكثير عن السياسة لكنني أحب الطريقة التي يتصادم بها بارديلا مع الآخرين".

 

نقله إلى العربية: حسين قطايا.