"ذا إنترسبت": أميركا أوّلاً.. الوسائل والغايات

فيما يتعلق بالرسوم الجمركية والمفاوضات النووية مع إيران، فإن إدارة ترامب لا توضح ما تريده فعلياً.

0:00
  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب
    الرئيس الأميركي دونالد ترامب

مجلة "ذا ناشونال إنترسبت" الأميركية تنشر مقالاً يناقش نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السياسة الخارجية، وخاصة في علاقته بالخليج وإيران، من منظور تجاري واستراتيجي.

المقال يحلل فلسفة ترامب في الحكم بأنها مزيج من البراغماتية التجارية والغموض الاستراتيجي، ما قد يحقق مكاسب قصيرة المدى، لكنه يحمل مخاطر طويلة الأمد، خصوصاً إذا لم يتم توضيح الأهداف النهائية للسياسات المتبعة. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

لا ريب أنّ دونالد ترامب ليس رئيساً تقليدياً. ولكن، ثمّة تقليد واحد في السياسة الخارجية الأميركية يناسبه، وقد يكون شعاره "أميركاً أوّلاً".

أثبتت زيارة ترامب إلى الخليج أنّ التجارة هي ركيزته. ولم تكن رحلته تتعلّق بالبنية الأمنية أو الجغرافيا السياسية؛ بل كانت لتوقيع صفقات تجارية بمبالغ مالية هائلة، تخدم الشركات الأميركية ومصالح الاستثمار في قطاعات رئيسية كالطاقة والذكاء الاصطناعي.

ويستطيع ترامب أن يزعم بحقّ أنّ رحلته ستؤتي ثمارها ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل وأيضاً من الناحية السياسية في ربط دول الخليج بالولايات المتحدة، وخاصّة في ضوء مبيعات الأسلحة والاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا الفائقة التي ستحدّ من المجالات التي ستتمكن الصين من التنافس معنا فيها في المنطقة.

بتعبير آخر، قد تكون لنهج ترامب المركز على التجارة أبعاد سياسية على موقفنا في شبه الجزيرة العربية. فمبيعات الأسلحة الضخمة للسعوديين والإماراتيين، على وجه الخصوص، ستظل تعزز ارتباط جيوشهم بجيوشنا، نظراً للدعم وقطع الغيار والصيانة، وجميع اللوجستيات المصاحبة لها.

فهل يجيد الرئيس ترامب فن إدارة الدولة؟ لا شكّ في أنّه يدرك تماماً معنى النفوذ وقيمته، والأهمّ أنّه يعرف كيف يوفّق بين الوسائل والأهداف، وهذا يتطلّب تحديد أجندة واضحة، مع أنّ المشهد يبدو أقلّ وضوحاً.

لنأخذ التعريفات الجمركية كمثال لوسيلة وليست غاية، تظهر أنّ ترامب لديه 3 أهداف محتملة منها، تصحيح شروط التجارة، والحصول على وصول أكبر إلى الأسواق، وإعادة هيكلة اقتصادنا وإعادة التصنيع، ومع أو إنتاج إيرادات أكبر للخزانة الأميركية، وسدّ العجز، وخفض الضرائب.

الأوّل والثالث قابلان للتحقّق، لكنّ الهدف الثاني الذي يعكس أجندة اقتصادية شعبوية، غير قابل للتحقّق على الأرجح. حقيقة أنّ ترامب يقدّم في البداية مطالب قصوى، ثمّ يتراجع عنها تشير إلى أنّه، بغض النظر عن كلماته، فإنّ أهدافه الحقيقية هي إعادة التوازن إلى شروط التجارة وتوليد الإيرادات. وهذا عادل ومنطقي بما فيه الكفاية، وقد يصل إلى شيء مهمّ في كلا الهدفين. إذا كانت المكاسب كبيرة تماماً، فقد تبرّر سياسات الرئيس الاضطرابات التي تولّدها.

ويرجّح أيضاً أن يؤثّر عدم وضوح الأهداف على رغبته في إبرام صفقة مع الإيرانيين بشأن برنامجهم النووي. يقول الرئيس إنّ إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً. وقال مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، إنّ الإيرانيين اضطروا إلى تفكيك بنيتهم التحتية النووية بالكامل، بينما وزير خارجية ترامب ماركو روبيو قلّص من الهدف أكثر وأشار إلى أنّ إيران يمكن أن يكون لديها برنامج نووي مدني، ولكن ليس قدرات تخصيب محلّية.

كما تراجع ستيف ويتكوف، مفاوض الرئيس عن موقفه الأولي بأنّ الإيرانيين يمكنهم التخصيب إلى مستويات منخفضة، والآن يردّد صدى الوزير روبيو. يقول إنّ الإيرانيين لا يريدون سلاحاً نووياً، وسيخفضون مخزوناتهم من اليورانيوم عالي التخصيب، وسيسمحون بمراقبة التزاماتهم، لكنّهم لن يتخلوا عن التخصيب المحلّي.

في حين أنّ هذا يشير إلى طريق مسدود، إلّا أنّ هناك أسباباً للاعتقاد بأنّ الاتّفاق لا يزال ممكناً. فمن ناحية، يحتاج الإيرانيون إليه بسبب المشكلات الاقتصادية العميقة التي تطال العملة الوطنية التي فقدت الكثير من قيمتها، وتحدّيات أخرى في قطاع الخدمات. من ناحية ثانية، يريد الرئيس ترامب صفقة. قد تكون التجارة أولويته، لكنّ إنهاء الحروب، وليس خوضها يأتي في المرتبة الثانية. نعم، حتّى عندما يؤكّد رغبته في التوصّل إلى اتّفاق، فإنّه يهدّد الإيرانيين بأنّه إذا لم يُتوصّل إلى اتّفاق، فسيكون ذلك غير سارّ للغاية بالنسبة لهم.

لكن في خطابه في الرياض، تحدّث الرئيس فقط عن "الضغط الأقصى" بمعنى قطع عائدات النفط الإيرانية. مع تكرار الرئيس، على ما يبدو، لتعليقات ويتكوف حول المتدخّلين في خطابه في الرياض، هناك سؤال حول ما إذا كان مستعدّاً حقّاً لاستخدام القوة الأميركية أو الإسرائيلية ضدّ إيران.

قد يكون ذلك مفهوماً، ولكن إذا لم يكن هدفه هو التخصيب الإيراني المحلّي، فعليه استخدام الوسائل التي من المرجّح أن تؤدّي إلى تغيير في الموقف الإيراني. فمعرفة أنّ ترامب مستعدّ حقّاً لاستخدام القوّة بهدف تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، وهو شيء قاموا ببنائه على مدى 40 عاماً الماضية بتكلفة نصف تريليون دولار، قد يدفعهم إلى التنازل عن التخصيب.

لكن، لا تخطئوا، سيبذل الإيرانيون جهوداً كبيرة لإقناع ستيف ويتكوف والرئيس ترامب بأنّ الإصرار على عدم التخصيب سيمنع التوصّل إلى اتّفاق، ويخاطر بحدوث صراع. هل سيصر ترامب على عدم التخصيب، ويعدّه خطّاً أحمر في مثل هذه الظروف، وهل ستصبح الطرق البديلة لضمان تخلّي إيران عن خيار الأسلحة النووية، وهو ما سمح به اتّفاق "خطّة العمل الشاملة المشتركة"، الذي أبرمه الرئيس باراك أوباما، هو محور التركيز في المفاوضات.

ويتوجّب أن يكون هدف ترامب أن تتخلّى إيران عن خيار الأسلحة النووية، فيما إنهاء التخصيب المحلّي هو أفضل طريقة لضمان ذلك، إلّا أنّ هناك بديلاً آخر هو تقليص حجم البنية التحتية بحيث يسمح لإيران فقط بقدرة تخصيب بحثية صغيرة بأعداد محدودة من أجهزة الطرد المركزي وعدم وجود أجهزة متقدّمة.

بدلاً من ذلك، قد يتطلّب الاتّفاق شحن جميع الموادّ المخصّبة فوراً إلى خارج البلاد، حتّى لا تنتج إيران قضبان الوقود، بل تحصل عليها فقط من مصادر خارجية. وهذا البديل يعني أنّ إيران لا يمكنها تكديس أيّ موادّ انشطارية في البلاد، كما سيتطلّب أي من هذين البديلين رصداً مكثّفاً للغاية.

الافتقار إلى أهداف واضحة ليس فريداً من نوعه بالنسبة إلى ترامب. في الواقع، في كثير من الأحيان، كان كلّ من الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين يفتقرون إلى أهداف واضحة لأسباب متنوّعة، فشلوا في التفكير في أهدافهم مثل باراك أوباما في ليبيا، ولم يفهموا ما تعنيه أهدافهم على المدى الطويل مثل جورج دبليو بوش في العراق، أو تبنوها لأسباب سياسية مثل ليندون جونسون في فيتنام، أو قبلوها على مستوى عال للغاية من العمومية، مثل خطّة ترامب في غزّة.

كما هي الحال في كلّ إدارة، يحتاج الرئيس إلى من حوله للمساعدة في ضمان أنّ الأهداف تتناسب مع رهاناتنا وقابلة للتنفيذ. لكن، هناك عامل آخر يمكن أن يثبّط فنّ الحكم في إدارة ترامب، هي غريزة تقديم مطالب قصوى ثمّ التراجع عنها لاحقاً.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.