"ذا ناشونال إنترست": تهديد "داعش" لا يزال موجوداً.. لماذا لم ينتهِ بعد؟

من خلال تزايد اللامركزية، أصبح تنظيم "داعش" يشكّل تهديداً أكثر خطورة على أجزاء متزايدة العدد من العالم.

0:00
  • "ذا ناشونال إنترست": تهديد "داعش" لا يزال موجوداً.. لماذا لم ينتهِ بعد؟

مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول توسع تنظيم "داعش" عالمياً، من خلال نموذج لامركزي سمح له بالانتشار في مناطق متعددة من أفريقيا (خصوصاً الساحل وغرب أفريقيا وموزمبيق) وجنوب آسيا (أفغانستان وباكستان)، مع تطوير تكتيكات أكثر تنسيقاً وتهديداً عبر الحدود.

كما يوضح النص أنّ مواجهة هذا التهديد لم تعد ممكنة بالوسائل العسكرية التقليدية وحدها، بل تتطلب استراتيجية طويلة الأمد تركز على بناء الصمود المحلي، ومعالجة أسباب التطرف، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، إضافة إلى الاستثمار في التعليم، ومحو الأمية الرقمية، والمشاركة المجتمعية لحماية الشباب من التجنيد الأيديولوجي.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

استطاع تنظيم "داعش" من خلال النمو اللامركزي أن يستمرّ بتهديدات أكثر خطورة في أنحاء متزايدة من العالم. ففي بداية العام الجاري، فتح مسلح "داعشي" النار على موكب مهرجان "ماردي غرا" للمثليّين في نيو أورلينز، حيث أثارت عناوين الصحف مجدداً عودة "داعش"، بينما كانت "الخلافة" الإقليمية للجماعة قد انهارت منذ سنوات، إلّا أنّ التنظيم نفسه لم ينهر. وبدلاً من ذلك، تكيّف وتفرّق إلى فروع لامركزية اندمجت في أنحاء من منطقة الساحل الأفريقي إلى جنوب آسيا.

تتطلب هذه التهديدات المتطورة استجابات تكيّفية من الحكومات في جميع أنحاء العالم، وليس فقط عبر أجهزة مكافحة الإرهاب التقليدية. فلم تعد الأدوات التي ساعدت على تفكيك التنظيم في الماضي كافية. كما أنّ ضربات الطائرات من دون طيار والاغتيالات والحملات العسكرية غير مناسبة لمواجهة شبكة لامركزية أيديولوجية، حيث لا يمكن لهذه الأساليب أن تفعل الكثير لتعطيل النظم الرقمية والروابط العابرة للحدود والمظالم المحلية التي لا تزال تغذي التطرف.

ومن الضروري اتباع نهج طويل الأجل يركز على بناء القدرة على الصمود المحلي، ودعم جهود مكافحة التمرد الإقليمية، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية، والاستثمار في المبادرات التي تعزز الحوكمة في المناطق المعرضة للخطر، وفي هذا المجال يقدم التعاون الناشئ بين تركيا والأردن والعراق نموذجاً واعداً لما يمكن أن يبدو عليه التنسيق العملي الإقليمي.

وهناك حاجة ماسة إلى هذا النهج في أفريقيا، حيث وجد تنظيم "داعش" مساحة لإعادة تجميع صفوفه والتوسع. ولقد ترسّخت هذه الفروع في الدول الهشّة ومناطق الصراع، مستغلة الحدود التي يسهل اختراقها وضعف الحكومات.

في غرب أفريقيا في نيجيريا، ازدادت عمليات التنظيم باستخدام القنابل المزروعة على جوانب الطرق والكمائن لاستهداف القوافل العسكرية في ولايتي بورنو وأداماوا. وقد قتلت هذه الهجمات العشرات منذ أوائل العام الجاري.  وفي أوغندا والكونغو صعّد مسلحو "داعش" من عنفهم، ونشروا جرائم ذبح القرويين وحرق المنازل ومهاجمة المدارس، في محاولات متعمّدة لتقسيم المجتمعات، بينما تتآكل سلطة الدولة الضعيفة أصلاً.

وفي موزمبيق، استهدفت الهجمات المتزايدة البنى التحتية للطاقة والمسؤولين المحليين، في إشارة إلى طموحات طويلة الأجل لتقويض الحوكمة والانتعاش الاقتصادي، ما يسهل لتنظيم داعش لا النجاة فقط، بل التوسع ليصبح أكثر تنسيقاً وطموحاً وتهديداً.

ويتضح هذا بشكل خاص في اندفاع الجماعة نحو المناطق الساحلية في غرب أفريقيا. ومن خلال الوصول إلى الموانئ، ما يمكن الجماعات المرتبطة بالتنظيم من تحويل تمرّداتها إلى شبكات إقليمية في غرب أفريقيا عابرة للحدود. وكما حذّر رئيس القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي، فإنّ هذا الموطئ الساحلي الناشئ يمكن أن يوفر شرايين حياة عملياتية واقتصادية حيوية لتنظيم "داعش"، ما يعزز بشكل كبير من انتشاره وقدرته على الصمود.

لقد أصبح جنوب آسيا أيضاً جبهة حاسمة في توسع "داعش" المتطور. حيث يكثف فرعه الإقليمي في خراسان من مقارّه في أفغانستان وباكستان، عملياته من خلال سلسلة من الهجمات البارزة التي استهدفت سلطات طالبان والمجتمعات الشيعية والمصالح الأجنبية. وتعكس الهجمات الأخيرة، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية والضربات الحضرية المعقدة، تطوراً تكتيكياً واستراتيجية متعمّدة لزعزعة استقرار المنطقة.

يقدم التنظيم نفسه في تلك المنطقة بشكل متزايد كزعيم للجهاد العابر للحدود. وبهذه الطريقة يهدد بشكل روتيني المصالح الغربية والحلفاء الغربيين، ويسعى إلى تجنيد الأشخاص من دول آسيا الوسطى المجاورة. ويعكس هذا المسار الذي لوحظ في أجزاء من أفريقيا، التحول من العنف المجزأ إلى الحملات المنسقة التي تهدف إلى توسيع النفوذ واستعراض القوة عبر الحدود.

ولا يقتصر التهديد الذي يشكّله "داعش" على ساحات القتال الأجنبية، بل يمتد تأثيره في داخل الغرب، حيث تواصل الهجمات الفردية الفاعلة إلهام التطرف المحلي، ما يقوّي أيديولوجية المجموعة في المساحات الرقمية والمجتمعات الضعيفة، التي غالباً ما تكون جزءاً لا يتجزأ من منصات مشفرة وحملات دعائية عبر الإنترنت وشبكات هامشية يصعب مراقبتها وتتبعها.

ويمثل هذا الشكل من أشكال العنف اللامركزي المدفوع بالأيديولوجية تحدياً خطيراً لأجهزة الأمن الغربية، التي يجب أن تتخطى القيود القانونية وقيود الموارد في الوقت الذي تستجيب فيه لتهديد مائع وسريع الحركة، ويصعب اكتشافه بشكل متزايد.

وفي أواخر العام الماضي قدم المدير العام لوكالة التجسس البريطانية "أم 5" كين ماكالوم أول تحديث للتهديد الوطني في المملكة المتحدة منذ العام 2022، مشيراً إلى أنّ "داعش" يشكّل التهديد الذي يقلقه أكثر من أيّ شيء آخر. ومع ذلك أقرّ ماكالوم أيضا بالضغط الهائل الذي تتعرض له أجهزة الاستخبارات، مشيراً إلى أنّها "مرهقة للغاية" وتضطر بشكل متزايد إلى اتخاذ قرارات صعبة حول تحديد أولوياتها.

تنطبق تصريحات ماكالوم على جميع الدول الغربية، لا فقط على المملكة المتحدة. وهي تكشف عن حقيقة محرجة، حيث لا يمكن ببساطة مراقبة التهديدات. ويجب تعطيل الظروف التي تسمح لها بالنمو بالحد من قدرة التنظيم على تجنيد الأتباع، ما يقلل من تزايد قوة "داعش"، ويخفف العبء على الأجهزة الأمنية، مع أنّه غالباً ما فشلت المحاولات السابقة، بسبب انعدام ثقة المجتمع بالإجراءات والاعتماد المفرط على المراقبة.

تتطلب الوقاية الناجحة أكثر من مجرد التدخل المبكر، وبحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد متجذرة في بناء الثقة والمشاركة المحلية ومعالجة الظروف التي تسمح للأيديولوجيات المتطرفة بأن تترسخ.

مثل هذه الاستراتيجية ضرورية لحماية الشباب الذين هم عرضة للتلقين العقائدي، ولا سيما عبر الإنترنت، حيث ينتشر المحتوى المتطرف بسرعة، وغالباً ما يمر من دون انتباه من أحد. كما تتطلب الاستجابة لذلك استثماراً مستداماً في التعليم والتواصل مع الشباب ومحو الأمية الرقمية وتزويد المجتمعات بالأدوات اللازمة لتحديد وتحدي تأثير المتطرفين.

وقد تؤدّي المدارس والعائلات والزعماء الدينيون والسلطات المحلية أدواراً حاسمة في بناء نوع من المرونة الشعبية التي تمنع التطرف قبل أن يترسخ هذا النهج. وإذا كنّا جادين في التصدي لتهديد التطرف، فنحن بحاجة إلى الاعتراف به كأمر مستمر كي نستطيع مواجهته.

وفي مثل هذا المشهد الأمني المتقلّب حيث تُستنزف الموارد، وتهيمن الأزمات المتنافسة على العناوين الرئيسية، يجب أن تكون الاستجابة ملتزمة وقابلة للتكيف. لم يعد تجاهل التهديد حتى ينفجر على عتبة بابنا خياراً. لا تعتمد سلامتنا على الرد على الهجوم التالي، بل على منع الظروف التي تجعل الهجوم التالي حتمياً.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.