"ذي إنترسبت": عن "العنف السياسي" المقبول بالنسبة إلى السياسيين الأميركيين

يكشف حادث إطلاق النار على ترامب خلال تجمّع انتخابي عن إجماع بين الحزبين على ماهية العنف السياسي ومن يجب أن يمارسه.

0:00
  • ترامب يدعو مناصريه للقتال بعد محاولة اغتياله
    ترامب يدعو مناصريه للقتال بعد محاولة اغتياله

مجلة "ذي إنترسبت" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة ناتاشا لينارد تتحدث فيه عن نوع "العنف السياسي" الذي يرفضه السياسيون الأميركيون، وفي أماكن أخرى ينفّذونه، ويعتبرونه جائزاً.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

سارعت مجموعة تمثّل الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتضم بعض أعظم مرتكبي العنف السياسي وممكنيهم في العالم إلى إدانة العنف السياسي عقب محاولة إطلاق النار التي تعرّض لها الرئيس السابق دونالد ترامب.

وسرعان ما التف السياسيون حول لغة "العنف السياسي"، بدلاً من استخدام مصطلح الإرهاب، لوصف محاولة الاغتيال التي نفّذها توماس ماثيو كروكس، الذي أُردي قتيلًا خلال تجمع حاشد في ولاية بنسلفانيا الغربية. وبناء عليه، يكشف سيل الإدانات مجتمعة عن اتفاق واضح حول ماهية العنف السياسي، وهوية من ينبغي أن يظل احتكار العنف في أيديهم.

وقال الرئيس جو بايدن، المؤيد لحرب الإبادة الجماعية التي تشنّها "إسرائيل" ضد فلسطين، والتي يُقدر الباحثون أن يصل عدد ضحاياها إلى 186 ألف فلسطيني: "إنّ فكرة وجود عنف سياسي... في الولايات المتحدة بهذه الطريقة لم يُسمع بها من قبل، وهي ليست لائقة". ومع ذلك، فقد صحّت وجهة نظر بايدن الضيقة، إذ إنّ الاعتداءات الدامية على الطبقة الحاكمة الأميركية باتت نادرة جداً هذه الأيام، والعنف السياسي الشائع هو ذاك المتمثل في الإهمال المنسّق والفقر والحدود العسكرية ووحشية الشرطة والسجن والترحيل، وليس "النوع" الذي شهدناه. 

وتعليقاً على محاولة الاغتيال، قال بايدن: "على الجميع إدانتها". 

وقد ندد معظم أعضاء الحزب الديمقراطي بهذه الحادثة، وكتب السيناتور بيرني ساندرز عن ولاية فيرجينيا في منصة "إكس": "إنّ العنف السياسي غير مقبول على الإطلاق"، وغرّد الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أشرف على جهود الحرب والضربات العسكرية ضد كل من أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وباكستان، قائلاً: "لا مكان للعنف السياسي في ديمقراطيتنا"، ويتعيّن علينا "اغتنام هذه المرحلة لتجديد التزامنا بالكياسة والاحترام في سياستنا". وكتبت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز من ولاية نيويورك: "لا مكان للعنف السياسي، بما في ذلك الحادث المروّع الذي شهدناه للتو في ولاية بنسلفانيا". 

لقد كانت جوقة الإدانة متوقعة، ولم تكن في حد ذاتها مشكلة، فليس هناك خطأ في تمنّي عالم خالٍ من محاولات الاغتيال العشوائية، حتى ضد المعارضين السياسيين، ولكن عندما يغرّد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من حزب "الليكود" الفاشي الحاكم، قائلاً: "لا يمكن للعنف أبداً أن يكون جزءاً من السياسة"، فإنّ مفهوم "العنف السياسي" في حد ذاته يصبح من دون معنى.

والمشكلة هنا ليست مشكلة خبث أو نفاق، فالرذائل شائعة جداً في السياسة إلى درجة أنّها بالكاد تستحق الذكر، بل تكمن القضية في صورة "العنف السياسي" التي تخدمها هذه الرسالة، فالقول إنّ "العنف السياسي لا مكان له" في مجتمع ينظمه العنف السياسي في الداخل والخارج هو بمنزلة إذعان لتطبيع هذا العنف ما دامت الدولة والرأسمالية تحتكره.

وكما ذكر المؤلف بن إهرنريش في منصة "إكس": "لا مكان للعنف السياسي ضد الرجال الأثرياء البيض. إنّه أمر يتناقض مع كل ما تمثله الولايات المتحدة". 

لا شك في أنّ ترامب وحزبه الجمهوري سيظلان ملتزمين بالتصور السياسي للحرب العرقية المروعة والقبلية المذعورة التي من المرجح أن تغذيها محاولة الاغتيال. والديمقراطيون مدعوون إلى إظهار الكياسة تجاه الرجل الذي لطالما دعا إلى إطاحتهم باستخدام العنف، لكنهم لا يستطيعون منع أنفسهم من التظاهر بأنّ تمنياتهم الطيبة لترامب تشكّل في الواقع دعوات لإنهاء العنف السياسي.

وسيدعو القادة الديمقراطيون إلى التصرف بكياسة، وهم يستمرون في ملء خزائن أقسام الشرطة في كل أنحاء البلاد، تزامناً مع إرسالهم مليارات الدولارات والقنابل غير المشروطة إلى "إسرائيل". أمّا في الداخل الأميركي، فقد مهّدت هذه الإدانات للعنف السياسي اليوم الطريق لمزيد من القمع العنيف ومراقبة الحركات الاحتجاجية والمعارضة.

وقال النائب مايك كيلي، الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا، الذي كان حاضراً في التجمع الانتخابي: "لن نتساهل مع هذا الهجوم الذي قام به اليسار"، مع العلم بأنّ أيديولوجيا المسلّح المشتبه فيه غير معروفة. وقد أُفيد بأنّه كان جمهورياً مسجلاً تبرع ذات مرة للجنة العمل السياسي في الحزب الديمقراطي في يوم تنصيب بايدن.

في غضون ذلك، ألقى جمهوريون آخرون اللوم على الديمقراطيين لمجرد قول الحقيقة حول تعصّب ترامب لأقصى اليمين. وكتب السيناتور جي دي فانس عن ولاية أوهايو في منصة "إكس" إنّ "ما حصل اليوم ليس مجرد حادثة فردية، إذ تقوم الفرضية الأساسية لحملة بايدن على اعتبار الرئيس دونالد ترامب رجلاً فاشياً مستبداً ويجب إيقافه بأي ثمن. وقد أدّى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترامب". 

وإذا كان من الممكن أن ينتقد الجمهوريون تصريحات الديمقراطيين الوسطيين بشأن ترامب باعتبارها غير مسؤولة، فإنّ ذلك لا يبشر بالخير بالنسبة إلى اليساريين الفعليين الذين ينظمون أنفسهم ضد القوى الفاشية في المستقبل، ولا سيّما في الوقت الذي يتم تجريم حركات الاحتجاج اليسارية والمؤيدة للفلسطينيين بسهولة من قبل القادة الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وبالتالي، هذا هو معنى السلام في عالم يعدّ الحدث الوحيد فيه الذي يستدعي جوقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تدين "العنف" هو الهجوم على زعيم عالمي فاشي سابق، وربما مستقبلي.

نقلته إلى العربية: زينب منعم

الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للرئاسة، دونالد ترامب، يتعرض لإطلاق نار خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، ويصاب في أذنه، والأمن يقتل مطلق النار.