"شير بوست": "سنتوريا".. جيش أوكرانيا النازي الجديد المدرَّب في الغرب

في إطار محاولة الحكومات الغربية تطويق روسيا وإحاطتها بمجموعات معادية لها في أوكرانيا، فإنها دعمت صعود الحركة النازية الجديدة، مباشرةً عبر التدريب والتمويل، أو بصورة غير مباشرة، عبر تجاهل تحركها في أراضيها، وهو ما يهدد بانتشار هذا الفكر المتطرف.

  • فرقة من قوة
    فرقة من قوة "سنتوريا" النازية الأوكرانية (وكالات)

تناول موقع "شير بوست" الأميركي تنامي الظاهرة النازية، وانتقالها من أوكرانيا لتمد جذورها إلى داخل المجتمعات الأوروبية، في ظل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واحتضان الحكومات الغربية هذه الظاهرة بهدف الاستفادة منها في الصراع الغربي - الروسي

وفيما يلي النص منقولاً إلى العربية

تنتشر مؤخراً، في أوكرانيا، قوّةٌ فريدة من النازية الجديدة، في أوروبا، تدعو علناً إلى استخدام العنف ضد الأقليات، بينما تبحث عن مجندين جدد للانضمام إليها. ومع انهيار جيش كييف، واكتساب رواية الخيانة الغربية رواجاً، فإنّ الرعب، الذي تعرض له سكان مدينة دونباس طوال عقد من الزمان، سرعان ما قد يصل إلى مدينة قريبة.

لقد عززت "سنتوريا"، وهي فصيل أوكرانيّ من النازيين الجدد المتطرفين، وجودها في ست مدن في كل أنحاء ألمانيا، وهي تسعى لتوسيع وجودها المحلي. ووفقاً لصحيفة " Junge Welt"، وهي صحيفة ماركسية يومية مقرها برلين، فإنّ نمو المنظمة النازية "لم تتم عرقلته من جانب أجهزة الأمن المحلية".

وتعقّبت الصحيفة أصول "سنتوريا" إلى قمة النازيين الجدد، التي عُقدت في آب/أغسطس 2020، "على حافة غابة بالقرب من كييف"، حيث طالب قومي متطرف، يدعى إيغور "تشيركاس" ميخائيلينكو، "المئات من المقاتلين الملثمين الحاضرين"، والذين كانوا أعضاء في الميليشيا الوطنية الفاشية في كييف، بـ"تقديم التضحيات من أجل قيام أوكرانيا الكبرى". وبصفته الرئيس السابق للحزب الوطني النازي الجديد في فرقة خاركيف في أوكرانيا، وقائد كتيبة آزوف المدعومة من الدولة من عام 2014 إلى عام 2015، أعلن ميخائيلينكو رغبته في "القضاء كل من يناهض أوكرانيا".

وأشارت صحيفة " Junge Welt" إلى أنّه، منذ عام 2017، كانت الميليشيا الوطنية "تمارس عدالة أهلية وحشية" في جميع أنحاء أوكرانيا.

وكشفت الصحيفة أنّ فرقة النازيين الجدد هذه "لديها فرع في ألمانيا"، ففي 24 آب/أغسطس 2023، في الذكرى الثانية والثلاثين لاستقلال أوكرانيا، نظّمت "سنتوريا" "مسيرة قومية في مدينة ماغديبورغ وسط البلاد، من دون أن تتعرض لأي مضايقة من جانب حركة أنتيفا، أو انتقادات لاذعة من جانب وسائل الإعلام".

ووقف المشاركون في المسيرة بكل فخر، حاملين علم تنظيم القوميين الأوكرانيين (OUN) الذي أسسه المتعاون النازي في حقبة الحرب العالمية الثانية ستيبان بانديرا. وتفاخرت "سنتوريا"، في ذلك الوقت في تطبيق "تلغرام"، مؤكدة أنّه "على الرغم من أنّ الشبان الأوكرانيين يقبعون خارج وطنهم، فإنهم بدأوا الاتحاد". وفي الوقت نفسه، هدّدت "أعداء" بلادها بـ"عاصفة جهنمية"، متعهدةً أنّ "المهاجرين الأوكرانيين" لن "ينسوا هويتهم الوطنية في مقابل بضع مئات من اليورو".

بالإضافة إلى ذلك، أشارت صحيفة " Junge Welt" إلى أنّ "سنتوريا تقوم حالياً بجمع الأموال للوحدة القتالية التابعة للمنظمة الأم"، والتي يتولّى قيادتها أندريه بيليتسكي، مؤسس كتيبة آزوف، والذي ادّعى في عام 2014 أنّ مهمة الأمة الأوكرانية تتمثل بـ"قيادة الأعراق البيضاء في العالم، في حملة صليبية أخيرة، ضد من هم دون البشر.

وفي الوقت الراهن، يعمل أعضاء المجموعة بجد على تمرير رؤيتهم الأيديولوجية إلى العنصريين المستقبليين في كل أنحاء القارة. وأعربت "سنتوريا" عن فخرها في ذلك، عبر قناتها في تطبيق "تلغرام"، بالقول: "نحن ننشئ جيلاً جديداً من الأبطال!". وبناءً على ذلك، قامت مجموعة النازيين الجدد بترتيب رحلات مشي لمسافات طويلة إلى جبال "هارز" الألمانية بالتعاون مع جمعية كشافة قومية أوكرانية، تُدعى "بلاست". وافتتحت هذه الجماعة فروعاً لها في جميع أنحاء العالم الغربي، بدءاً بالخمسينيات، رداً على مطاردة الاتحاد السوفياتي للفاشيين والقوميين. إلى جانب تلقيهم التلقين العقائدي الأيديولوجي، قد تتاح لأعضاء "بلاست" الشبان فرصة تحسين لياقتهم البدنية والخضوع لتدريبات عسكرية. وكما أعلنت "سنتوريا" في "تلغرام"، فإنّ "الأحرار يمتلكون أسلحة".

ومع تراجع واشنطن بالتدريج عن رعايتها حرب أوكرانيا مع روسيا، بدأت تلقي مسؤولية إدارة الحملة العسكرية، والفشل المحتمل، على عاتق برلين. وفي حال استمرت شحنات الأسلحة الأميركية في التضاؤل، فستصبح ألمانيا المورّد الرئيس للأسلحة إلى كييف. وقد يجد الألمان أنّ قول كلمة "لا" لأوكرانيا قد ينتج منه بعض المفاجآت السيئة.

وعلى عكس الولايات المتحدة، فإن ألمانيا لا تملك حاجزاً بطول المحيط بينها وبين المحاربين الفاشيين بالوكالة، والذين ترعاهم في أوكرانيا. وبعد الهجوم المضاد الذي شنّـته أوكرانيا في أواخر عام 2023 وهلّل له الكثيرون، هدّد رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، بصورة مُبطّنة، خلال مقابلة مع مجلة "إيكونوميست"، قائلًا: "لا يمكن التنبؤ بالطريقة التي سيردّ بها ملايين اللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوروبية على التخلّي عن بلادهم".

وفي حين أنّ الأوكرانيين "أحسنوا التصرّف" بصورة عامة، و"ممتنون للغاية" للدول التي قامت بإيوائهم، إلا أنّه ليس من مصلحة  أوروبا "إجبار هؤلاء الناس على القيام بما لا يرغبون فيه"، كما علّق زيلينسكي للصحيفة.

وكي نفهم كيف قد تتمكن العناصر الأكثر تطرفاً في قوة مستهلكة بالوكالة من توجيه أسلحتها نحو الحكومات الغربية التي سلحتها، ما علينا سوى أن نتمعّن في أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

شبكة نازية سرية مدعومة من الغرب
في الوقت الذي يعتمد فصيل "سنتوريا" بصورة كبيرة على المهاجرين الأوكرانيين كمجندين، فإنه يستفيد أيضًا من بنية راسخة تقوم على دعم النخبة الأوروبية.

وفي أيلول/سبتمبر 2021، نشر معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية (IERES)، التابع لجامعة جورج واشنطن، تقريراً مفصلاً ومقلقاً للغاية، يوثّق كيف تمت رعاية "سنتوريا" من خلال "نظام يصفه أصحابه من الضبّاط العسكريين الأوروبيين التقليديين بأن لديه أهدافاً مُعلنة، تتمثل بإعادة تشكيل جيش البلاد على طول الخطوط الأيديولوجية اليمينية، والدفاع عن الهويتين الثقافية والعرقية للشعوب الأوروبية ضد السياسيين والبيروقراطيين في بروكسل". 

وذكر معهد الدراسات أنّ الجناح العسكري لفرقة "سنتوريا" بدأ التدرُّب في عام 2018 في أكاديمية "هيتمان بيترو ساهيداتشني" العسكرية الوطنية (NAA) في أوكرانيا، وهي تُعَدّ مؤسسة التدريب العسكري الأولى في كييف، والمركز الرئيس للمساعدة العسكرية الغربية للبلاد.

وكشف التقرير أنه "حتى نيسان/أبريل 2021، زعمت "سنتوريا" أنه، منذ إطلاقها، شارك أعضاؤها في تدريبات عسكرية مشتركة مع فرنسا والمملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة وألمانيا وبولندا". والواقع أنّ كثيرين من أعضاء مجموعة النازيين الجدد أجروا تدريبات في قاعدة حلف شمال الأطلسي الفعلية في منطقة "يافوريف"، على بعد بضعة كيلومترات فقط شرقي الحدود البولندية.

علاوة على ذلك، تدّعي المجموعة أنّ أعضاءها يخدمون ضباطاً في عدة وحدات من الجيش الأوكراني. ومنذ عام 2019 على الأقل، دعت "سنتوريا" أعضاء القوات المسلحة الأوكرانية، المنحازين أيديولوجياً، إلى السعي للانتقال إلى وحدات محددة، حيث يخدم أعضاء المجموعة. ومن أجل استقطاب أعضاء جدد، تواصل المجموعة، عبر قناة "تلغرام" الخاصة بها، والتي تضمّ أكثر من 1,200 متابع، ترويج دورها المزعوم في القوات المسلحة الأوكرانية والوصول إلى برامج التدريب والبرامج العسكرية وبرامج التبادل الغربية.

وادّعت كل الحكومات الغربية، التي تواصَلَ معها باحثو معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية (IERES)، أنها لن تتسامح مع النازيين الجدد في جيوشها، وأصرت على أنها "تثق بالحكومة الأوكرانية لاختيار المرشحين الملائمين" لبرامجها التدريبية  وتحديدهم، إلّا أنّ أكاديمية "هيتمان بيترو ساهيداتشني" العسكرية الوطنية الأوكرانية أعلنت صراحة أنها لا تقوم بمثل هذه العروض، في حين أنكرت أيضاً أنّ فرقة "سنتوريا" تُدير عملياتها من داخل مقرها الرئيس.

وبعد أن تواصل كاتب التقرير مع فرقة "سنتوريا" والأكاديمية العسكرية الوطنية للتعليق على تدريب النازيين الجدد، بدأ ناشطو الحركة المتطرفة فجأة إلغاء صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وإخفاء أنشطتهم في العالم الحقيقي منذ ذلك الحين.

وتجاهلت وسائل الإعلام الغربية تقرير معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية بصورة شبه كاملة، باستثناء مقال واحد في صحيفة "جيروزاليم بوست". والصمت الذي يخيّم على هذه القضية غير مألوف بالنظر إلى صدقية كاتب التقرير، وهو مواطن أوكراني مقيم بواشنطن، ينشر أعماله موقع "صوت أميركا" التابع للحكومة الأميركية وموقع "بيلينغكات" الاستقصائي "مفتوح المصدر"، والممول من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وبين المسؤولين الغربيين، وحدها القوات المسلحة الكندية هي التي علّقت على نتائج التقرير الموثقة بدقة، مُدّعية بكل صفاقة أنّ الصور التي نشرها أعضاء "سنتوريا" في "فيسبوك" تم "التلاعب بها" لتعزيز "التضليل الروسي". والواقع أنّ هذا التصرّف غير النزيه ليس مفاجئاً نظراً إلى تاريخ المؤسسة العسكرية الكندية الموثَّق جيداً في توفير التدريب للفاشيين الأوكرانيين المتشددين، ورفضها التنصل من النازيين الأوكرانيين.

وحتى يومنا هذا، لا يزال الجنرال واين آير، رئيس هيئة أركان الدفاع في القوات المسلحة الكندية، يرفض الاعتذار عن الترحيب الحار بشخصية ياروسلاف هونكا، وهو أحد المتعاونين النازيين في الحرب العالمية الثانية، والذي كرّمه البرلمان الكندي.

ووفقاً للباحثين، أمضى مقاتلو فرقة "سنتوريا" الأعوام الخمسة الماضية على الأقل داخل أوكرانيا في محاولة لتلقين رفاقهم المتفوقين أفكار النازية الجديدة. ويشير تقرير معهد الدراسات إلى أنّ "سنتوريا" "تمكنت من تبشير النخبة العسكرية المستقبلية في أوكرانيا داخل الأكاديمية العسكرية الوطنية".

وتأكيدًا لمدى تغلغل النازيين الجدد في الأجهزة العسكرية الغربية، حضر طالب الأكاديمية العسكرية الوطنية، كيريلو دوبروفسكي، دورة تدريب الضباط مدة 11 شهراً في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية المرموقة في بريطانيا في عام 2020. واحتفلت وزارة الخارجية الأوكرانية بتخرجه، بينما نشرت الأكاديمية العسكرية الوطنية ملف فيديو مدته 12 دقيقة عن مسار الخريج الجديد. وأشار معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية إلى أنّ دوبروفسكي "أظهر اهتماماً شديداً بقضايا سنتوريا خلال دراسته في الأكاديمية".

اقرأ أيضاً: واشنطن: وزارة الأمن قلقة من عودة النازيين الجدد الذين يقاتلون في أوكرانيا 
ويبدو أنّ دوبروفسكي تحدّث عن مقطع فيديو ترويجي لـ"سنتوريا" تم تداوله في تطبيق "تلغرام"، في أيار/مايو 2020، والذي يظهر فيه أعضاء المجموعة وهم يسيرون في مدينة لفيف، ويحضرون فعالية من تنظيم الأكاديمية العسكرية الوطنية، ويطلقون النار من أسلحتهم. وسُمع دوبروفسكي وهو يُنشد قائلًا: "ضباطنا يقومون بتكوين الجيش الجديد لأوكرانيا... نحن "سنتوريا". نحن في كل مكان… دافعوا عن أراضيكم وتقاليدكم حتى آخر قطرة دم".

وقُبيل شهر، نشرت "سنتوريا" مقابلة مع "طالب في القوات المسلحة، صاحبة الجلالة"، لم يذكر اسمه، وهو وصف لا يمكن أن يتطابق إلا مع شخص واحد وهو دوبروفسكي. وأوضح أنه يفضل التدريب في أوكرانيا، لأنّ التدريب البريطاني لضباط الجيش "يركّز بصورة أقل على النظرية". وخلال هذا الوقت، "استطاع دوبروفسكي الوصول إلى الطلاب الأجانب الذين زاروا الأكاديمية"، و"في عدة مناسبات، رافق وفوداً أجنبية زارت الأكاديمية"، بمن في ذلك طلاب من القوات الجوية الأميركية والجيش الفرنسي.

ليس من الواضح مدى تأثير "النظرية" التي أدخلها دوبروفسكي في الروتين اليومي للجنود الغربيين، الذين التقاهم في أثناء وجوده في أكاديمية "ساندهيرست". وخلص معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية إلى أن "دوبروفسكي وسنتوريا استفادا من مكانته كطالب في ساندهيرست" لترويج المجموعة وأيديولوجيتها. وفي قسم "معلومات" في قناته الشخصية في "يوتيوب"، يصف دوبروفسكي نفسه بأنه "طالب في الأكاديمية الملكية لبريطانيا العظمى"، ونشر عدّة مقاطع فيديو بشأن تجاربه في الأكاديمية، ورسالة واحدة على الأقل تعبر عن رغبته في الانضمام إلى كتيبة آزوف النازية الجديدة.

وأوضحت "سنتوريا" في "تلغرام"، في كانون الأول/ديسمبر 2020، أنّ التسلل إلى أعلى المستويات في الجيش الأوكراني لم يكن سوى خطوة أولى في حرب خاطفة أيديولوجية أوسع كثيراً، مُعلّقةً: "تقوم سنتوريا بتشكيل نخبة عسكرية هي الأولى من نوعها، هدفها الوصول إلى أعلى الرتب داخل القوات المسلحة، لتصبح مركزاً موثوقاً به، يتمتّع بنفوذ كبير". وبعد إحكام قبضتها على المؤسسة العسكرية، تخطط المجموعة اختراقَ صفوف "النخبة السياسية في أوكرانيا" من أجل "إجراء تغييرات مجتمعية".

نقلته إلى العربية: زينب منعم

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.