"فايننشل تايمز": ماذا تعني رسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد الهندي؟

من المتوقع أن تتضرّر الصناعات الهندية بشدة من رفع الرسوم الجمركية الأميركية، خاصة القطاعات التي تستخدم عدداً كبيراً من العمال والموظفين مثل صناعة المنسوجات والمجوهرات.

0:00
  • "فايننشل تايمز": ماذا تعني رسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد الهندي؟

صحيفة "فايننشل تايمز" البريطانية تنشر تقريراً يتناول العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والهند في ظل سياسة الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب، مع التركيز على آثارها المباشرة على الاقتصاد الهندي. 

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

أشاد دونالد ترامب برئيس وزراء الهند ناريندرا مودي على قيامه بـ"عمل رائع"، ما عزّز الآمال في تحقيق مصالحة مع بدء جولة جديدة من المحادثات التجارية بين الجانبين. وردّ مودي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقال إنّه "ملتزم تماما بأخذ الشراكة الشاملة والعالمية بين الهند والولايات المتحدة إلى آفاق جديدة"، مع استئناف الدولتين للمفاوضات المباشرة في نيودلهي أول الأسبوع الجاري.

والدافع لتحسين العلاقات واضح. فالهند من أكثر الدول تضرّراً من الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي، حيث بلغت الرسوم الجمركية 50% والتي دخلت حيز التنفيذ في الأسابيع الأخيرة، وهي تقريبا ضعف الرسوم المفروضة على جنوب شرق آسيا وتنافس التعرفات الأميركية المفروضة على الصين.

وكان ترامب قد أعلن عن أنّ هذه الرسوم جاءت رداً على تجارة الهند في النفط الروسي، وحاول أن يقلل من شأن الخلاف، قائلاً: "لدينا فقط لحظات اختلاف بين الحين والآخر". مع ذلك، تأثير تعرفات ترامب الجمركية يشعر به المواطنون في جميع أنحاء الهند، ويهدد الوظائف، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وسنوات من الدبلوماسية بين واشنطن ونيودلهي.

احتمال تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي

تعتبر الهند أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم، حيث أظهرت أحدث البيانات الرسمية أنّ الناتج المحلي الإجمالي قد نما بنسبة 7.8%، في الربع الثاني من العام الجاري. وكان رئيس الوزراء مودي قد وضع هدفاً لخطى الهند نحو مستوى الدول المتقدمة بحلول عام 2047 الذكرى المئوية لاستقلال الهند عن بريطانيا، وهو هدف يتطلب متوسط نمو في السنة للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.8% على مدى العقدين المقبلين.

لكنّ حرب ترامب التجارية قد تؤثر سلباً على النمو، حيث كان بنك الاحتياطي الهندي قد توقع قبل فرض الرسوم الجمركية أن يبلغ النمو الاقتصادي 6.5% للسنة المالية 2025-2026. ويقول الاقتصادي المتخصص في الأسواق الناشئة شيلان شاه عن أنّ الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب قد تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند هذا العام بما يصل إلى 0.8 نقطة مئوية.

بينما قدر المستشار الاقتصادي الرئيسي لمودي، التأثير بما يراوح بين 0.3 إلى 0.5 نقطة مئوية في حال كانت الرسوم الجمركية "قصيرة الأجل، وإذا استمرت هذه الرسوم حتى السنة المالية المقبلة وطالت مدتها، فإن ذلك يشكل تحدياً كبيراً.

ضربة للصادرات الهندية

تعتبر الولايات المتحدة أكبر سوق تصدير للهند. فقد بلغت قيمة السلع التي باعتها الشركات الهندية للولايات المتحدة 87 مليار دولار أميركي في السنة المالية التي انتهت في آذار/ مارس الماضي. وهو ما يمثل نحو 20% من إجمالي الصادرات البالغ 438 مليار دولار أميركي، وفقاً للبيانات الرسمية.

ووفقاً لوزارة التجارة، انخفضت صادرات الهند إلى الولايات المتحدة بنسبة 14% على أساس شهري منذ الشهر الماضي. ومع ذلك، فإنّ تعرض الهند للاضطرابات الجمركية أقل بكثير مقارنة بنظيراتها الآسيوية الأكثر اعتماداً على التجارة، وذلك بفضل السوق المحلية الضخمة. وقد أشاد مودي بأهمية مبادرة "الهند المعتمدة على ذاتها"، وحثّ الشركات على الامتناع عن بيع السلع المستوردة من دول أخرى.

وقال أبيغيت داس الخبير بالسياسات التجارية الهندية، "إنّ السوق المحلية الكبيرة تشكل بالفعل مصدر ارتياح كبير". وأضاف: "كان الأثر السلبي لهذه التعرفات الجمركية بنسبة 50% سيتضاعف عدة مرات لو كنّا أكثر اعتماداً على التصدير".

ومع ذلك، حذّرَ من أنّ "السوق المحلية لا يمكنها تعويض خسائر الصادرات إلى السوق الأميركية بشكل تام". ولذلك يشير اقتصاديون ومصرفيون آخرون إلى ضرورة تسريع الجهود الجارية لإبرام اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، وتسهيل قواعد الاستثمار الأجنبي، وتحسين العلاقات مع الصين. كما قام مودي مؤخراً بتبسيط نظام الضرائب المعقد على السلع والخدمات في الهند، وهو ما يراه الاقتصاديون أنّه قد يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي.

تهديد الوظائف

بعض الصناعات تضرّر أكثر من غيره في الهند، وفقد عماله وظائفهم، وكان المحللون والاتحادات التجارية قد حذروا من أنّ القطاعات الكثيفة العمالة مثل صناعات المنسوجات، والمجوهرات والسجاد وغيرها، ستتأثر بشدة برسوم ترامب الجمركية، حيث يستعد البعض لانهيار في الصادرات قد يصل إلى 70% في السنة المالية الجارية.

وتشير تقديرات المحللين في نومورا إلى أن الصناعات الأكثر تأثراً بشكل مباشر توظف حوالى 21 مليون شخص، إضافة إلى عدد كبير من العمال غير الرسميين، وقد حذروا من أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة ستواجه صعوبة في تحمل تأثير الرسوم الجمركية. كما أنّ المناخ الخارجي الصعب على ثقة الأعمال بشكل عام، قد يؤدي إلى استمرار ضعف الاستثمار. 

بالنسبة لشركات الأحجار الكريمة والمجوهرات في الهند، تهدد الرسوم الجمركية الأعمال في أحد أهم أسواقها. إذ تمثل الولايات المتحدة أكثر من 10 مليارات دولار من صادرات الأحجار الكريمة الهندية، أي ما يعادل 30% من إجمالي تجارتها العالمية.

يقول رئيس مجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات كيريت بهنسالي، إنّ الرسوم الجمركية "ستكون لها تداعيات واسعة النطاق على اقتصاد الهند وستؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد الحيوية، وتوقف الصادرات، وتهديد آلاف العائلات بمصادر رزقها، فالرسوم الجمركية بهذا الحجم "مدمرة للغاية" بالنسبة لقطاع الأحجار الكريمة والمجوهرات بشكل خاص.

وقد دعت مجموعات الصناعة الهندية وأصحاب الرساميل الوطنية، الحكومة في نيودلهي إلى تقديم الدعم. ويتوقع العديد من الخبراء أنّ حكومة مودي ستقدم المساعدة للمصدرين الصغار من خلال حزمة تحفيزية لإيجاد أسواق تصدير جديدة.

القطاعات التي نجت من الرسوم الجمركية

لقد نجا بعض أهمّ الصناعات التصديرية في الهند، وهي الإلكترونيات الاستهلاكية والأدوية، من ارتفاع الرسوم الجمركية حتّى الآن. ومع ذلك، قد تؤدي المراجعات التجارية الأميركية الخاصة بكلّ قطاع إلى فرض رسوم إضافية، ومن غير الواضح متى سيعلن عنها.

لقد أصبحت الهند دولة محورية في شبكة تجميع منتجات شركة "آبل"، حيث انتقل بعض عمليات الإنتاج بعيداً من الصين. وبالنسبة لحكومة مودي، تعتبر شركة "آبل" جزءاً أساسياً من جهودها لجذب الاستثمارات الصناعية وخلق فرص عمل في المصانع. لكنّ خطط الشركة لنقل تجميع أجهزة آيفون المبيعة في الولايات المتحدة إلى الهند بحلول عام 2026 أدت إلى احتجاج من ترامب. 

كما تمثل الأدوية المنتجة في الهند ما يقارب نصف إمدادات الأدوية الجنسية في الولايات المتحدة، وفقاً لتحالف الصناعات الدوائية الهندية. وقال الأمين العام للتحالف سودارشان جاين، إن "الأدوية الجنسية مهمة من أجل توفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة في الولايات المتحدة، وغالباً ما تعمل بهوامش ربح ضئيلة للغاية، وضمان توفرها بشكل منتظم أمر بالغ الأهمية لرعاية المرضى.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.