"فورين بوليسي": الذكورة المفرطة هي التي تقود السياسة الخارجية الأميركية
إنّ نهج ترامب تجاه إيران يظهر أنّ أزمة الرجولة الأميركية قد وصلت إلى الساحة العالمية.
-
"فورين بوليسي": الذكورة المفرطة هي التي تقود السياسة الخارجية الأميركية
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تأثير الذكورة المفرطة بالسياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً في عهد دونالد ترامب، حيث يُظهر كيف أصبحت مظاهر "الرجولة" التقليدية – مثل العدوانية، واستعراض القوة، ورفض التراجع – مبدأً حاكماً في صناعة القرار العسكري والدبلوماسي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الأيام التي سبقت الهجوم الأميركي المفاجئ على إيران، أفادت "بوليتيكو" بأنّ رجلاً واحداً في وزارة الدفاع كان له تأثير واسع على استراتيجية واشنطن تجاه طهران: إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية المتشدّد، المعروف بلقب "الغوريلا". قال مسؤول سابق (رفض الكشف عن هويته): "إنه رجل ضخم، مفتول العضلات، إنه تماماً المظهر (الفتّاك) الذي يسعون إليه". وأضاف أنّه طالما بدا المستشارون العسكريون "أقوياء ومقاتلين"، فإنّ وزير الدفاع بيت هيغسيث يقتنع بسهولة بوجهة نظرهم.
تُبرز مكانة كوريلا حقيقة أوسع نطاقاً حول أولويات واشنطن الحالية: في الولاية الثانية لدونالد ترامب، أصبحت الذكورة المفرطة هي المنطق الحاكم للسياسة الخارجية الأميركية. الذكورة في حد ذاتها – بصفات مثل القيادة والقوة والشجاعة – ليست ضارة بالضرورة، لكنّ النوع الذي أصبح سائداً اليوم، يتّسم بالعدوانية، وانعدام التنظيم العاطفي، وضعف ضبط النفس، وهو ما يدفع إدارة تُفضّل الضربات الاستباقية والسعي إلى تحقيق مصالح قومية ضيّقة، على حساب القيم والمبادئ الأميركية التقليدية.
حرب الرسوم الجمركية مع الصين، وهي صراع رمزي قائم على مفردات ذكورية ترفض التراجع أو الظهور بمظهر الضعف، تُجسّد هذه العقلية. لكنها بلغت ذروتها في تعامل إدارة ترامب مع الملف الإيراني. وكما أظهر قرار ضرب البرنامج النووي الإيراني، فإنّ هذه الذكورة المفرطة أصبحت توجّه حتى التحرّكات التكتيكية، متجاوزةً اعتبارات التداعيات الدبلوماسية أو مخاطر التصعيد.
في هذا السياق، بدأ قادة العالم يُقيّمون شرعيّتهم السياسية من خلال مدى تجسيدهم لصورة "الحامي الشرس" للمصلحة الوطنية. خذ مثلاً رفض ترامب للهجوم الانتقامي الإيراني، أو ما ذكره السياسي البريطاني السابق روري ستيوارت من أنّ "شرعية إيران تعتمد على محاولتها تنفيذ ردّ عنيف ضد الولايات المتحدة".
هذا المنطق ليس جديداً. حتى في التكتيكات الدبلوماسية التقليدية، برز الخطاب الذكوري. (فالرئيس جون كينيدي تفاخر ذات مرة بأنه "قطع خصيتي خروتشوف" خلال أزمة الصواريخ الكوبية). الجديد اليوم هو مدى تغلغل هذا الخطاب وانتشاره. فالسياسة الخارجية أصبحت ساحة تنافس صفري، يُكافأ فيها القادة الذين يُجسّدون الهيمنة والقوة، ويُعاقب فيها من يُظهرون ضبط النفس أو التعاون.
بعد الحرب العالمية الثانية، رسم دوايت أيزنهاور إطاراً أخلاقياً للدبلوماسية الأميركية، فضّل فيه السلم والحذر من "المجمع الصناعي العسكري". أما إدارة ترامب، فقد أطاحت بهذا الإرث، متبنّية سلوكاً يتنكّر لأصول الدبلوماسية القائمة على العلاقات الشخصية والتفاوض، ويصفها بالضعف أو حتى بـ"لعبة هاتفية"، كما قال مسؤول في الإدارة لشبكة "NBC".
باتت الدبلوماسية، كغيرها، خاضعة لمنطق العلنية والاستعراض الجماهيري. كتب رافي أغراوال في "فورين بوليسي" أنّ ترامب دشّن "رئاسة تشبه تلفزيون الواقع"، حيث تتراجع الكفاءة لحساب الأداء والظهور العلني.
تماماً كما في برامج الواقع، بات تمثيل الدولة مسألة شخصية. ورأى ستيوارت أن ترامب يتعامل مع الدبلوماسية انطلاقاً من صورة "الرجل القوي".
تُعزّز هذه الذكورة المفرطة بتوجّه عالمي متزايد يرى في الرجولة جوهر الهوية السياسية. شباب ساخطون، مهمّشون تعليمياً واقتصادياً، يجدون ملاذهم في قادة يُجسّدون مشاعرهم الغاضبة. الإنترنت يعجّ بمحتوى معادٍ للنساء يعزّز شعوراً بأنّ الرجال ضحايا الحداثة والنسوية. 60% من رجال الجيل "Z" في 31 دولة يعتقدون أنّ المساواة بين الجنسين "ذهبت بعيداً".
في الولايات المتحدة، أصبحت العاطفة تحلّ محلّ الأيديولوجيا. فخطاب المظلومية الذكورية هو وقود حملات ترامب وحلفائه، وهو ما ظهر حتى في منشورات وزارة العمل التي روّجت لعودة رومانسية إلى "زمن الرجال الأقوياء" في المصانع، رغم أنّ هذا المستقبل "غير واقعي وغير مرغوب"، حتى بحسب معلّقين محافظين.
حين تُصبح السياسات قائمة على ذكورة مفرطة، تنفصل عن الواقع الإنساني للحروب. بعد قصف إيران، شبّه كيث كيلوغ الوضع في البيت الأبيض بـ"فوز رياضي كبير"، وقال إنك "تتبختر بشكل مختلف". وبدلاً من التساؤل عن تكلفة الحرب البشرية، أعلن ترامب أن أميركا "لن تفشل أبداً"، مختزلاً الحرب إلى استعراض فحولي في غرف تبديل الملابس.
وهو ما يختزل السياسة الخارجية – والحكم عموماً – إلى لعبة نتائج آنية، ويُقصي تعقيدات بناء السلام، ويُقلل من شأن التوافقات الدقيقة التي أرست دبلوماسية القرن العشرين.
هذه الأزمة الذكورية ليست حكراً على أميركا. فترامب هو النموذج الأوضح، لكنّ نظراءه كُثر: خافيير ميلي في الأرجنتين، فيكتور أوربان في هنغاريا، وجايير بولسونارو في البرازيل. وفي المقابل، تُهمّش شخصيات مثل كامالا هاريس، التي وصفها ترامب بأنها "تُدعس تحت الأقدام" من قبل هذه المنظومة الذكورية.
هذا التوجّه خطير في لحظة عالمية تتطلّب تعاوناً جماعياً لمواجهة تحدّيات كبرى: المناخ، الذكاء الاصطناعي، والهجرة. مع تأكّل العقد الاجتماعي، يجد منطق الانتقام – من النخب والنساء والمهاجرين والنظام الدولي – صدى متزايداً. وهذا المنطق يُضيّق الأفق السياسي، ويمنح الأفضلية لـ"حلول سريعة" ومؤقتة، يستفيد منها قلة، ويُضعف قدرة المؤسسات على التعامل مع التهديدات طويلة المدى.
الذكورة بحدّ ذاتها ليست المشكلة. يمكن أن تكون قوة إيجابية حين تُفهم بوصفها حافزاً للرعاية والمسؤولية والتعاون، لا العدوانية والسيطرة. لكن ما لم تعِ الحكومات هذا التهديد القيمي، فإنّ سياسات الغضب ستقودنا إلى المزيد من الحروب – لا إلى حلول دائمة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.