"فورين بوليسي": قبضة نتنياهو على السلطة تتهاوى.. هل يُساعده ترامب؟
من المحتمل أن تنهار الحكومة الإسرائيلية قريباً، مما قد يؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة.
-
"فورين بوليسي": قبضة نتنياهو على السلطة تتهاوى.. هل يُساعده ترامب؟
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يقدّم تحليلاً سياسياً للعلاقة المعقّدة والمتبادلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في سياق التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه "إسرائيل"، وعلى رأسها استعداد نتنياهو لحملة انتخابية مبكرة، في ظل المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
استعدّوا للرحلة المجنونة التي يخطط الإسرائيليون، إلى جانب إدارة ترامب، لخوضها بين الآن ونهاية العام، حيث يخطط رئيس الوزراء، الرجل الذي ترتبط كل خطوة تقريباً منه بتصميمه على البقاء في السلطة، ويخطط ويدبّر حملة إعادة انتخابه، على الأرجح في أوائل عام 2026.
ويذكر أنّ قضية التجنيد الإجباري لليهود المتشددين، هزت ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً.
لكن أحد عناصر حملة نتنياهو لإعادة انتخابه ليس محلياً: دونالد ترامب. في الواقع، قد لا يكون رئيس الولايات المتحدة العامل الوحيد الذي يشكل مستقبل نتنياهو السياسي، لكنه بالتأكيد عامل مهم. وهذا يمنح ترامب، الذي كانت علاقته بنتنياهو متوترة في بعض الأحيان، نفوذاً كبيراً. يمكنه إما أن يساعد أو يضر بمحاولة نتنياهو لتوسيع هيمنته على المشهد السياسي الإسرائيلي.
إذاً، كيف سيلعب ترامب دوره، وهل سيواصل ميله لدعم نتنياهو أكثر من معارضته؟
قد يؤثر الجواب على كيفية تعامل كل من ترامب ونتنياهو مع تحديات غزة وإيران والتقلبات السياسية في "إسرائيل" خلال الأشهر المقبلة.
يُعرف النظام البرلماني في "إسرائيل" بالاضطرابات: إذ يبلغ متوسط مدة الحكومة الإسرائيلية منذ الاستقلال حوالي 1.9 سنة، ويذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع أكثر من أي دولة أخرى تقريباً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتقترب الحكومة الحالية من عامها الثالث، وهو إنجاز مثير للإعجاب بالنظر إلى صدمات العام والنصف الماضيين. وتُعدّ هذه الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، وهي مزيج بين حزب الليكود بزعامة نتنياهو، والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة (الحريديم)، والقوميين المتطرفين (بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش).
إذا وصلت الحكومة إلى نهاية فترة ولايتها، فيجب إجراء الانتخابات بحلول أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2026. ولكن هناك بالتأكيد دلائل على أنّ الائتلاف قد لا يصمد حتى ذلك الحين: فقد غرقت حكومة نتنياهو في أزمة التجنيد العسكري لليهود الأرثوذكس المتشددين، الذين يعترضون على الخدمة العسكرية الإلزامية في "إسرائيل" ويطالبون بمشروع قانون يعفيهم رسمياً من الخدمة العسكرية. في الأسبوع الماضي، قدّم وزراء من حزبين متشددين استقالاتهم من الحكومة بسبب الجمود بشأن مشروع قانون التجنيد، مما ترك نتنياهو فعلياً مع حكومة أقلية من 50 مقعداً (من أصل 120).
بما أنّ الكنيست يبدأ عطلته الصيفية التي تستمر ثلاثة أشهر في 27 تموز/يوليو، فإن نتنياهو يتمتع بسلطة آمنة نسبياً في الوقت الحالي، لكن الوقت يمر بسرعة.
بيبي، العقل السياسي المدبّر، يُجهّز خطوته التالية، ساعياً إلى صياغة برنامج يضمن إعادة انتخابه وبقائه السياسي. في حين أنّ حرب "إسرائيل" التي استمرت 12 يوماً مع إيران في حزيران/يونيو قد منحته دفعة متواضعة في استطلاعات الرأي، إلا أنّه لا يزال من المتوقع أن يفشل ائتلاف نتنياهو في تحقيق الأغلبية.
كيف يُمكن لنتنياهو تحسين فرصه؟ لديه خيارات:
صفقة لتحرير الرهائن، وخطة لليوم التالي تتضمن نزع سلاح حماس وإخراج العديد من الفلسطينيين من غزة، واتفاق مع سوريا، ومسار للتطبيع مع المملكة العربية السعودية. قد يكون الكثير من هذا بعيد المنال. ولكن لكي يتحقق أيٌّ من ذلك، سيحتاج نتنياهو إلى دعم ترامب.
أغدق ترامب، خلال ولايته الأولى، على نتنياهو خطوات سياسية مفيدة. قام بأول رحلة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية و"إسرائيل"، وكان أول رئيس أميركي في السلطة يصلي عند الحائط الغربي، واعترف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" ونقل السفارة الأميركية إليها، واعترف بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان المتنازع عليها، وأعلن عن خطة سلام أبقت المستوطنات على حالها ومنحت "إسرائيل" 30% من أراضي الضفة الغربية. في عهد ترامب الأول، ارتبطت شعبية نتنياهو غالباً بتحركات ترامب في السياسة الخارجية: عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، ارتفعت شعبية حزب الليكود بزعامة نتنياهو في استطلاعات الرأي.
يتمتع ترامب بشعبية هائلة في "إسرائيل"، على عكس الدول الأخرى، حيث أفاد 69% ممن شملهم استطلاع مركز بيو للأبحاث برأي إيجابي عن الرئيس الأميركي، مما يمنحه سلطة على مصير السياسة الإسرائيلية ومصير نتنياهو نفسه.
بعد أن عزز ترامب نتنياهو خلال ولايته الأولى، هل يريده شريكاً له خلال ولايته الثانية؟
للوهلة الأولى، بعد ستة أشهر، يبدو الجواب نعم. لقد قام ترامب بتحميل عدد من المساعدات المؤيدة لـ "إسرائيل" في المقدمة: تسليم شحنات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي أوقفتها إدارة بايدن؛ وإلغاء العقوبات المفروضة على المستوطنين في الضفة الغربية؛ واستضافة نتنياهو في البيت الأبيض كأول زائر أجنبي له؛ ومنح نتنياهو هامشاً واسعاً لمواصلة الحرب في غزة؛ وتأييد الخطط التي من شأنها أن ترى ضمناً نقل سكان غزة إلى أماكن أخرى؛ وربما في أعظم تحركاته على الإطلاق، الانضمام إلى حرب "إسرائيل" ضد إيران بقصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية.
مع ذلك، تبقى نظرة ترامب لنتنياهو معقّدة. فعلى عكس الرؤساء السابقين جو بايدن، وبيل كلينتون، ورونالد ريغان، فإن نهج ترامب تجاه "إسرائيل" ليس عاطفياً، أمّا نظرة ترامب فهي تعاملية للغاية، وظرفية، وتسترشد بما يمكن أن يحققه. لم يُخفِ ترامب حقيقة شعوره بأن نتنياهو يتلاعب به بشأن إيران خلال ولايته الأولى، ورأى نتنياهو جاحداً لدعمه السياسي عندما تقرب رئيس الوزراء من بايدن.
في الواقع، اتخذ ترامب خلال الأشهر القليلة الماضية عدداً من الإجراءات التي همّشت نتنياهو عندما كان ذلك في مصلحته: فتح حوار مع حماس، وإبرام صفقة مع الحوثيين من وراء ظهر "إسرائيل"، والإعلان عن مفاوضات مع إيران رغم معارضة نتنياهو، ورفع العقوبات عن سوريا رغم اعتراضات نتنياهو. في الواقع، أفادت التقارير أنّ ترامب كان غاضباً عندما قصفت "إسرائيل" الكنيسة المسيحية الوحيدة في غزة في 17 تموز/يوليو، مما دفع نتنياهو إلى تقديم اعتذار. وتشير التقارير الأخيرة إلى أنّ فريق ترامب يعتقد أنّ نتنياهو فقد السيطرة على نفسه بعد القصف الإسرائيلي في سوريا.
بينما يخطط نتنياهو لمستقبله السياسي، يلوّح عامل ترامب بقوة، لا سيما في سعيه إلى تعظيم نجاحاته وتقليل نقاط ضعفه. ليس ترامب أكثر شعبية في "إسرائيل" من نتنياهو فحسب، بل إنّ الولايات المتحدة تلعب دوراً محورياً في تصديق رواية نتنياهو فيما يتعلق باثنين من أهم إنجازات نتنياهو في مجال الأمن القومي: مواصلة الحرب في غزة (بما في ذلك تحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس) ومواصلة الضغط على إيران.
حتى الآن، لعب ترامب على وتر سياسات نتنياهو: ففي غزة، دفع باتجاه إطلاق سراح تدريجي للأسرى مع السماح لـ "إسرائيل" بمواصلة الحرب. وفي إيران، أبقى الضغط على طهران، بما في ذلك النظر في توجيه ضربات عسكرية إضافية، وهو ما يرغب فيه نتنياهو. إذا غيّر ترامب مساره بالضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب مع حماس (وهو ما تريده غالبية الشعب الإسرائيلي) من دون تحقيق هدفه المعلن المتمثل في "النصر الكامل" على حماس، والعودة إلى الدبلوماسية مع إيران، فقد يجد نتنياهو نفسه في مأزق مع ائتلافه اليميني، مناقضاً بذلك رواية انتصاره. لنتنياهو مصلحة حيوية في بذل ما يكفي لإرضاء ترامب، ولكن ليس بما يدفع شركائه اليمينيين إلى التخلي عنه. ما لا يستطيع نتنياهو تحمّله هو خسارة ترامب وإفساد علاقاته مع واشنطن، وهو أمر روّج له كعنصر أساسي في نجاحه كرئيس للوزراء.
من الواضح أنّ لترامب نفوذاً على نتنياهو. فهل سيستخدمه؟ وماذا سيطلب في المقابل؟
يُرفع الكنيست جلساته في نهاية تموز/يوليو، ولن يُعاود الانعقاد إلا في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، بعد الأعياد اليهودية. وقبل ذلك بكثير، من المرجح أن يُعطي نتنياهو ترامب نصراً آخر بموافقته على الاقتراح الأميركي بإطلاق سراح المزيد من الرهائن مقابل وقف إطلاق نار لمدة شهرين، واتفاق على إيصال المساعدات، على أمل أن يُجنّب مقتل مئات الفلسطينيين الذين يطلبون المساعدة من المواقع التي أُنشئت من خلال مؤسسة غزة الإنسانية.
من غير المرجح حدوث قطيعة كبيرة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة بشأن إيران، إلا إذا وجدت طهران وواشنطن نفسيهما، بمعجزة ما، قريبتين من اتفاق بشأن القضية النووية التي تُعارضها "إسرائيل". وفيما يتعلق بسوريا، قد يكون نتنياهو ذكياً بما يكفي لتخفيف حدة الضربات العسكرية التي أغضبت مسؤولي إدارة ترامب.
من غير المرجح أن يلقى التخطيط لليوم التالي بشأن غزة زخماً في ظل استمرار احتجاز حماس للرهائن، وإذا صحت التقارير التي تفيد بأن "إسرائيل" تسعى للحصول على مساعدة الإدارة في إيجاد دول تستقبل الفلسطينيين، فقد لا يكون هناك خلاف يُذكر بين "إسرائيل" والولايات المتحدة بشأن الخطوات التالية بشأن غزة.
هل يعرف ترامب حقاً ما يريد؟
بما أنّ إنهاء الحروب أحد شعاراته، فإنه يرغب في أن يُنسب إليه الفضل في تحقيق ذلك في غزة. وبالطبع، يُعدّ تحقيق السلام هدفاً آخر من أهدافه، مع أنه من الصعب تصور أي شيء دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين في أي وقت قريب. لقد راقبت الإدارة من بعيد بينما وضعت "إسرائيل" أسس ضم الضفة الغربية في كل شيء إلا الاسم. ثم هناك السعي المراوغ للتطبيع الإسرائيلي السعودي، وجائزة نوبل للسلام الأبعد من ذلك التي يطمح إليها ترامب.
يجادل بعض المحللين بأنه في تشرين الأول/أكتوبر، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن التجنيد الإجباري لليهود المتشددين، فسيتم تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة تُعقد في غضون بضعة أشهر. ومن بين وعود نتنياهو الانتخابية انتخابه لإنجاز المهمة، وتحرير الرهائن المتبقين، وتمهيد الطريق للتطبيع مع السعودية. سيسعد ترامب بذلك، مع أنه من الصعب تصور نتنياهو يقوم بما هو مطلوب لإرضاء السعوديين ودول الخليج الأخرى بشأن مستقبل الفلسطينيين، أو تحديداً بمن سيثق نتنياهو للجلوس معه في حكومة جديدة.
هناك أيضاً مسألة محاكمة نتنياهو المستمرة، وهي مسألة ليست بالهينة، وغياب أي مساءلة عن الإخفاقات الأمنية الإسرائيلية التي سبقت هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
الاحتمال الآخر هو أن تُحل مشكلة التجنيد الإجباري بطريقة ما، وأن تواصل الحكومة الحالية اتباع أجندتها اليمينية، مستحضرةً مقولة بنجامين فرانكلين الساخرة عن المستعمرين الأميركيين والبريطانيين: "علينا جميعاً أن نتكاتف، وإلا فسنُشنق جميعاً على حدة". أياً كان المسار الذي يختاره نتنياهو، سواءً انتقل إلى الوسط أو التزم باليمين، فسيحتاج إلى دعم ترامب.
بالنسبة لترامب، الذي يقتصر تركيزه على أي قضية، يُعتبر نتنياهو أمراً ثابتاً. ربما لا يُحب ترامب رئيس الوزراء ولا يثق به. لكن بيبي قد يكون مفيداً. وهو دائماً على استعداد للمجاملة، واصفاً ترامب بأنه نسخة معاصرة من الملك قورش، وهاري ترومان، وغيرهما. وفي النهاية، أهدى نتنياهو ترامب هدية فرصة لإرباك الخبراء وأسلافه بأولوية جديدة: ادعاء النجاح في "تدمير" البرنامج النووي الإيراني من دون حرب كبرى. ورغم صعوبة تصور ذلك الآن، فقد يُهديه نتنياهو هدية أخرى وهي اتفاقية تطبيع سعودية إسرائيلية، وجائزة نوبل المراوغة. كما أنّ دعم نتنياهو، محبوب اليمين اليهودي، والعديد من الجمهوريين، وخاصة المسيحيين الإنجيليين الأكبر سناً، يُمثل سياسة ذكية، ويساعد ترامب على تصوير الديمقراطيين، الذين لا يطيقون رئيس الوزراء، على أنهم معادون لـ "إسرائيل".
يمتلك ترامب أوراقاً أكثر من نتنياهو في علاقتهما. لكن لا يزال هناك نوع من الاعتماد المتبادل والحاجة المتبادلة بينهما. سيتخلى ترامب عن نتنياهو إذا رأى فوزاً أكبر أو أفضل مع رئيس وزراء إسرائيلي آخر. لكن إذا جرت الانتخابات، فمن المرجح أن يُفضل ترامب الشيطان المُستسلم الذي يعرفه على الشيطان الذي لا يعرفه.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.