"لو فيغارو": الاتحاد الأوروبي منقسم حول تحدي المهاجرين

شكلت قضية الهجرة سبباً لانقسام الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة. فهي تضع دولاً مفتوحة مثل فرنسا وألمانيا في مواجهة دول تفضل التجانس الثقافي مثل المجر أو بولندا.

  • مهاجرون ينتظرون نقلهم إلى أوروبا يوم الجمعة الفائت في لامبيدوسا - إيطاليا. (رويترز)
    مهاجرون ينتظرون نقلهم إلى أوروبا يوم الجمعة الفائت في لامبيدوسا - إيطاليا. (رويترز)

تحت عنوان  "الهجرة تقوض أداء الاتحاد الأوروبي"، كتبت إيزابيل لاسير في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مقالاً تحليلياً تناولت فيه أزمة المهاجرين التي تلمّ بأوروبا واختارت أن تبدأ من زاوية نجاح أوروبا في الحد مما أسمته "طموحات فلاديمير بوتين الإمبريالية"، مشيرة إلى أن معضلة الهجرة تهدد بانهيار ما تمّ تحقيقه.

وجاء في المقال: 

نجح الاتحاد الأوروبي الذي كان متردداً في بداية الهجوم الروسي من فرض جبهة موحدة في مواجهة طموحات فلاديمير بوتين الإمبريالية في أوكرانيا. لكن معضلة الهجرة تهدد الآن بتخريب كل شيء. وكما هو الحال مع التهديد الروسي، فإن غالبية الدول الأوروبية عاشت لفترة طويلة في حالة من الإنكار الثلاثي. لقد رفضوا رؤية تأثير الهجرة الجماعية وغير الخاضعة للرقابة على السياسة والاقتصاد والثقافة. 

لقد غضوا الطرف عن القلق الذي أثارته رغبة النخب الحضرية في الاستمرار في فرض نموذج متعدد الثقافات أظهر حدوده وتوتراته في الطبقات الوسطى والدولة العميقة. ولم يرغبوا في الاعتراف بوجود ارتباط بين صعود الأحزاب القومية أو الشعبوية وزيادة الهجرة. ويذكرنا المسح السنوي عبر الأطلسي الذي يجريه "صندوق مارشال" الألماني مرة أخرى هذا العام أن 11 دولة أوروبية من أصل 14 تعد الهجرة وتغير المناخ من أهم التحديات التي تواجه القارة. وحدها بولندا ورومانيا وليتوانيا تضع روسيا على رأس القضايا الأمنية الكبرى. وتمثل الهجرة في كل من فرنسا وألمانيا التحدي الأكبر.

أزمة جديدة

وكما هو الحال مع الموضوع الروسي، شكلت قضية الهجرة سبباً لانقسام الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة. فهي تضع دولاً مفتوحة مثل فرنسا وألمانيا في مواجهة دول تفضل التجانس الثقافي مثل المجر أو بولندا. لكن تقليص انقسامات الهجرة أصعب من تقليص الانقسامات المرتبطة بالتهديد الروسي. فالانقسامات الأخيرة تستتبع العودة إلى قواعد توافقية نسبياً في العالم الغربي، مثل القانون الدولي أو سلامة الحدود أو جرائم الحرب، في حين أن قضية الهجرة تتسلل إلى الجذور أو الثقافة أو الدين. ويفسر هذا الاختلاف السبب وراء عجز الاتحاد الأوروبي منذ أزمة الهجرة الكبرى في عام 2015 عن منح نفسه الوسائل اللازمة للرد على أي أزمة جديدة. ويشرح أيضاً سبب تعثر المناقشات حول اتفاقية الهجرة في المفوضية الأوروبية.

وفي مواجهة تقاعس الاتحاد الأوروبي، الممزق بين الرؤى والنماذج العدائية، عمد عدد من الدول التي غالباً ما تُركت وحيدة في مواجهة الأزمات، مثل إيطاليا، إلى تأميم سياستها المتعلقة بالهجرة. وقام البعض ببناء جدران أو تركيب أسلاك شائكة على حدودهم. ودفع آخرون بالأحزاب القومية إلى السلطة الذين وعدوا بالحد من ضغط الهجرة. لقد قام عدد من الدول بتنفيذ تغييرات مذهلة. هو حال السويد، التي بعد أن كانت بلداً مضيافاً لفترة طويلة، قررت، بعد أن لاحظت فشل اندماج قسم كبير من المهاجرين، أن تغلق بابها في وجههم. وهذا هو الحال أيضاً بالنسبة لألمانيا، التي بعد أن فتحت حدودها على مصراعيها أمام المهاجرين في عام 2015 وشهدت دخول حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف إلى البرلمان، علّقت هذا الأسبوع استقبال طالبي اللجوء من إيطاليا "حتى إشعار آخر"، ودانت قيام روما بإجراء مماثل وذلك قبل الموافقة على تفعيل التضامن في أزمة لامبيدوزا.

وفي صحيفة "لو فيغارو" أيضاً والمقال لآن روفان، تناولت روفان الموضوع نفسه تحت عنوان:  "الأوروبيون غير قادرين على التوحد بشأن ميثاق جديد للهجرة واللجوء" وجاء في مقالها ما يلي:

يأتي تزايد تدفق المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الصغيرة في أسوأ وقت بالنسبة للأوروبيين. فهذه الأزمة الجديدة تضرب أوروبا قبل أقل من عام على انتخابات الاتحاد الأوروبي، في وقت تعتزم فيه بعض العواصم، وباريس في مقدمتها، وكذلك المفوضية وجزء من البرلمان الأوروبي العمل بجد من أجل اعتماد ميثاق الهجرة واللجوء الهش قبل نهاية ولاية الاتحاد الحالي على أن هذه الأزمة يبدو أنها قادرة على تخريب كل شيء أو العكس التوصل إلى ميثاق في نهاية الأمر.

اتفاق في مرمى انتقادات لاذعة

في الوقت الحالي، تشكك هذه الأزمة في جميع أبعاد الميثاق: من فعالية الاتفاقيات المبرمة مع بلدان ثالثة، إلى التزام التضامن بين الدول الأعضاء بشأن إعادة توطين طالبي اللجوء، وصولاً لتنظيم عمليات إعادة أولئك الذين لن يتمكنوا من طلب اللجوء، إلخ. وتكمن المشكلة في هذه المرحلة، في أن الاختبار لا يكاد يكون حاسماً بشأن الأجزاء القليلة من الاتفاقية الجاري تنفيذها بالفعل.

وهذا هو الحال بشكل خاص مع شعار بروكسل منذ أزمة 2015-2016 والاتفاق الموقع مع تركيا، أي هذه الشراكات مع بلدان المنشأ والعبور التي تهدف إلى الحد من الوافدين إلى حدودها.

وتوقعاً لعواقب زعزعة الاستقرار في أفريقيا، أعلنت المفوضية في يوليو/تموز عن إبرام اتفاق مع تونس... والنتيجة هي 105 ملايين يورو لمساعدة تونس على منع مغادرة مواطنيها إلى أوروبا ومعدات جديدة وما مجموعه مليار يورو، إذا أضفنا مساعدات للميزانية مشروطة بالإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي لهذا البلد الذي يعاني من أزمة بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي مع تونس.

لكن تنفيذ هذا الاتفاق، الذي تعرض لانتقادات كبيرة من قبل بعض أعضاء البرلمان الأوروبي، وخاصة بعد منع وفد من أعضاء البرلمان الأوروبي من الذهاب إلى تونس الأسبوع الماضي بسبب رفض السلطات التونسية، يبدو صعباً جداً. ويرغب الأوروبيون بشكل خاص في تدخل الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس) في صفاقس، هذه المدينة التي تصدّر أعداداً كبيرة من المهاجرين إلى أوروبا.

 

نقلتها إلى العربية: زينب منعم.