"لو موند": الصحافيون في الضفة الغربية يواجهون قمعاً متزايداً
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، اعتقلت "إسرائيل" وسجنت ما لا يقل عن 140 صحافياً يعملون في الضفة الغربية.
-
الصحافي في قناة الميادين ناصر لحام والذي اعتقله "جيش" الاحتلال الإسرائيلي لمدة 9 أيام
صحيفة "لوموند" الفرنسية تنشر مقالاً يتناول الاستهداف الممنهج للصحافيين الفلسطينيين من قبل "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، من خلال القتل والاعتقال والترهيب، ضمن سياسة قمع وتكميم ممنهجة تهدف إلى إسكات التغطية الإعلامية لجرائم الحرب في غزة والضفة الغربية.
ويعرض النص من خلال شهادات إنسانية مؤلمة ممارسات الاحتلال ضد الإعلاميين، في ما يشبه حرباً على الحقيقة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، اعتقلت "إسرائيل" وسجنت ما لا يقل عن 140 صحافياً يعملون في هذه الأرض المحتلة، وغالباً ما يُتهمون بالتحريض على الإرهاب. وقد أدانت نقابة الصحافيين الفلسطينيين ما وصفته باستراتيجية "إسكات" الإعلاميين.
لم تجرؤ إيمان خويرة بعد على إخبار ابنها الأصغر، عز الدين، البالغ من العمر 8 سنوات، بأن والده، سمير، البالغ من العمر 45 عاماً، قد اعتقله "الجيش" الإسرائيلي. تخشى ألا يتمكّن ابنها من التأقلم. اعتُقل مراسل إذاعة "جيه ميديا" المحلية في نابلس، التي أغلق "الجيش" الإسرائيلي مكاتبها بعد أسبوعين من 7 أكتوبر، على يد نحو 10 جنود في 10 نيسان/أبريل، في منتصف الليل. وتساءلت، في اتصال هاتفي يوم الخميس 17 تموز/يوليو، من المدينة الشمالية في الضفة الغربية المحتلة: "كيف تشرحين لصبي صغير أنّ والده في السجن لأنه صحافي؟".
لم تتمكّن الأم، البالغة من العمر 43 عاماً، من زيارة زوجها منذ اعتقاله. ولم يُسمح لها إلا بمكالمة هاتفية واحدة، في منتصف نيسان/أبريل. وكان إلى جواره حارس سجن يطلب منه "عدم الإجابة إطلاقاً" على أي أسئلة حول مكان احتجازه. علمت إيمان، من خلال محاميها، أنّ والد أطفالها محتجز في سجن نفحة في النقب. ورغم استئنافين، أحدهما رُفض بالفعل، سيبقى الفلسطيني محتجزاً رهن الاعتقال الإداري، الذي يسمح لـ "إسرائيل" بسجن المشتبه بهم من دون توجيه تهم رسمية.
أفادت إيمان، التي تحدّثت مع بعض زملائه السجناء المفرج عنهم مؤخراً، أنّ مقدّم برنامج إذاعي أسبوعي سابق يعاني من تدهور صحته ويتعرّض للضرب باستمرار. حاولت إيمان إرسال دواء له من دون جدوى. والأهم من ذلك، ورغم طلبات محاميته المتكررة، لا تزال إيمان تجهل سبب اعتقال زوجها. ووفقاً لمحاميته، يُشتبه في "صلته بحماس"، وهو ما نفاه دائماً، وفي "التحريض على الإرهاب". وأضافت: "قبل أسابيع قليلة من اعتقاله، جاء ضابط في "الجيش" الإسرائيلي إلى المنزل وهدّده. قال: "نحن نراقبك، يجب ألا تتحدّث عبر الراديو بعد الآن".
"إسرائيل تريد إسكاتنا"
في قطاع غزة، يقتل "الجيش" الإسرائيلي الصحافيين، وفي الضفة الغربية المحتلة، يعتقلهم بأعداد كبيرة. قُتل 232 صحافياً من جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين. بعضهم قُتل في قصف عشوائي، وآخرون في غارات مُستهدفة. واعتُقل ما لا يقلّ عن 140 صحافياً في الضفة الغربية المحتلة خلال الفترة نفسها، وفقاً للمصدر نفسه. ويشمل ذلك العديد من الشخصيات البارزة في المهنة، مثل علي سمودي، الذي اعتُقل في 30 نيسان/أبريل في جنين.
يعتقد ناصر أبو بكر، نقيب الصحافيين الفلسطينيين، أنّ هذا "الاستهداف الممنهج" هو استمرار لجريمة اغتيال الصحافية الشهيرة في قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، التي أصيبت برصاص قنّاص إسرائيلي أثناء تغطيتها لمخيم جنين في 11 أيار/مايو 2022. من مكتبه في رام الله، يقدّم الموظف السابق في وكالة فرانس برس (AFP) المشورة والمساعدة القانونية لجميع الصحافيين الفلسطينيين الذين تستهدفهم السلطات الإسرائيلية، والذين يُحاكمون عادةً بتهمة "التحريض على الإرهاب". إنها تهمة شاملة استُخدمت ضد آلاف الفلسطينيين منذ بدء الحرب.
في الضفة الغربية المحتلة، ازدادت أيضاً الاعتداءات الجسدية على الصحافيين من قبل المستوطنين المتطرفين، بموافقة فعلية من "الجيش". في أقل من عامين، وثّقت نقابة الصحافيين الفلسطينيين 1641 حادثة من هذا القبيل، بعضها أسفر عن إصابات خطيرة. قال أبو بكر، وهو يحمل سيجارة في يده وهاتفه في الأخرى: "إسرائيل تريد إسكاتنا". وفي الأشهر الأخيرة، وفي محاولة لعدم لفت الانتباه، قرّر العديد من الصحافيين الفلسطينيين في الضفة الغربية إزالة كلمة "صحافة" المكتوبة بأحرف كبيرة عن سياراتهم.
"أخشى العودة إلى السجن"
بالنسبة لبسمة (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهي صحافية في قناة الجزيرة منذ 25 عاماً، كان العام الماضي الأسوأ. أوضحت الصحافية الأربعينية في مقهى بوسط رام الله: "في السابق، كانت عائلاتنا تخشى أن تُطلق النار علينا". الآن، ينتظرون ظهور الجنود ليلاً ليلقوا بنا في السجن.
أثارت المضايقات رعب الجيل الشاب من الصحافيين الفلسطينيين. علياء (اسم مستعار لأسباب أمنية)، 23 عاماً، تكتب مقالات قصيرة لموقع إخباري في رام الله، تردّدت طويلاً قبل أن تروي قصتها لصحيفة لوموند. قالت: "أخشى العودة إلى السجن"، أوضحت وهي ترتشف عصير ليمون. أُلقي القبض على الخريجة الشابة أثناء توقّف روتيني لحركة المرور على الطريق المؤدي إلى نابلس في 7 أيار/مايو، وقضت تسعة أيام في زنزانة إسرائيلية.
"صُوِّر عارياً"
اتُهمت علياء بـ"التحريض على الإرهاب"، ولم تعرف قط أيّاً من تصريحاتها اعتبرتها السلطات الإسرائيلية تهديداً. وقالت إن المحقّقين سألوها فقط خلال التحقيقات مع من تعمل، وأي تطبيق مراسلة مشفّر استخدمته مؤسستها الإعلامية. أُطلق سراح الشابة من دون أي توضيح. اليوم، عادت علياء، التي قالت إنها "قلقة للغاية"، إلى عملها والخوف يملأ قلبها. لم تعد تنشر مقالاتها، التي تُنشر الآن باسم مستعار، على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل تُفضّل أن تطلب من زملائها القيام بذلك نيابةً عنها.
قدّم الجميع الحلويات والمصافحة لناصر لحام. أُطلق سراح المعلّق المعروف في قناة "الميادين" يوم الأربعاء، 16 تموز/يوليو، بعد تسعة أيام من الاحتجاز في سجن عوفر. في منزله الكبير في بيت لحم، روى الصحافي الستيني لأحبّائه كيف تركه جنود الاحتلال حافي القدمين عند حاجز الجيب، جنوب رام الله.
قال لصحيفة لوموند في حديقته: "أهانني الجنود". خلال احتجازه، بناءً على "ملف سري" ذي محتوى غامض لم يطّلع عليه قط، ورد أنّ الصحافي الفلسطيني صُوّر عارياً من دون سبب. لم تُحدث شهرة لحام، الذي أجرى مقابلات مع عشرات الرؤساء لصالح قناة الميادين، بمن فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أي فرق، بل على العكس تماماً. وكان لحام قد استقال من منصب رئيس التحرير ليصبح معلّقاً في الاستوديو، لكنّ ذلك لم يمنع "الجيش" الإسرائيلي من تهديده في كانون الأول/ديسمبر 2023، مُخبراً أحد أبنائه أنه من "الأجدر" به أن يتوقّف عن "انتقاد الجنود الإسرائيليين".
اليوم، على لحام، الذي شبّه معاملة الصحافيين الفلسطينيين بمعاملة "تجار المخدرات"، استشارة محاميه للنظر في مستقبله المهني، إذا تعتبر العودة إلى استوديو تلفزيوني محفوفة بالمخاطر.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.