"نيويورك بوست": بكين تكشف حقيقة السلع الفاخرة الأميركية: مصنوعة في الصين
الصين تنشر صوراً لسلع فاخرة تحمل شعار "صنع في الولايات المتحدة" من مصانعها، وتقول: "مرحباً بكم في العالم الحقيقي".
-
بكين تكشف حقيقة السلع الفاخرة الأميركية: مصنوعة في الصين
صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية تنشر تقريراً يتناول الحملة الصينية لكشف حقيقة إنتاج السلع الأميركية الفاخرة، وتقول إنّها مصنوعة في المصانع الصينية. ويبرز التقرير هدف الحملة الصينية بنشر الوعي بشأن النفاق الغربي في الاعتماد على سلع صينية رغم ادّعاء معاداتها.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
في الوقت الذي تُعاني فيه ملايين الشركات من وطأة حرب الرسوم الجمركية التي تشنها الولايات المتحدة، تُقاوم الشركات الصينية المُصنّعة عالم الاستهلاك المجاني الذي تستفيد منه العلامات التجارية الغربية بشكل كبير. وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي الصينية هذا الأسبوع بسيل من مقاطع الفيديو من عمّال المصانع وتجار التجزئة الذين يتهمون العلامات التجارية الفاخرة في أوروبا والولايات المتحدة ببيع منتجاتها مع علامة "صنع في الولايات المتحدة" أو "صنع في إيطاليا".
وحاول أحد مُصنّعي الحقائب الفاخرة تحطيم هذا الوهم في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع في منصة "تيك توك". وقال إنّ كمية هائلة من قطع الأزياء المرغوبة التي تروّجها العلامات التجارية والمشاهير الذين يظهرون على لوحات الإعلانات في جميع أنحاء العالم المتطور، يجري إنتاجها في الصين بسعر أقل بكثير من أسعار البيع بالتجزئة.
قد يكون الأمر معروفاً، ولكنّ حقيقة أنّ هذه العلامات التجارية الفاخرة لا تزال تحقق أرباحاً خيالية تُعد دليلاً على أنّ الغربيين الأثرياء لم يتقبلوا حقيقة أنهم وقعوا في فخ خدعة تسويقية قديمة للغاية.
وبينما يتضح أن الشركات المصنعة الصينية التي تسلّط الضوء على هذه المسألة تحاول جذب العملاء مباشرة، قدم حساب "Senbags2" تفصيلاً واضحاً عن التكلفة الدقيقة لصنع حقيبة يد من ماركة "هيرميس" (Hermes) بقيمة 38 ألف دولار، أو على الأقل واحدة مطابقة لها تماماً من دون إثارة ما يحدث بعد عملية الإنتاج.
"هيرميس" شركة أوروبية تُصنّع منتجاتها في فرنسا. وتجذب هذه العلامة التجارية وحدها المشترين الأثرياء الباحثين عن سلع عالية الجودة مصنوعة يدوياً، ولا تُصنّع بكميات كبيرة في المصانع. وتشكل الفوائد الاجتماعية المزعومة المترتبة على ارتداء سلعة فاخرة جزءاً كبيراً من تسويق الشركات الراقية.
ولكن الأسعار الباهظة أدّت، على نحو مفهوم، إلى إثارة الشكوك، ولا سيّما بين الأشخاص الذين لا يريدون إنفاق إيجارهم السنوي على بعض الأحزمة الملتصقة بجلد البقر الميت.
وقال صاحب المتجر الصيني، موجهاً حديثه إلى المشاهدين: "حقيبة بيركين (Birkin) هذه ستكلفكم في متجر هيرميس 38 ألف دولار. ولكن ما هي تكلفتها الحقيقية بعد خروجها من المصنع؟ أهلاً بكم في العالم الحقيقي".
وأضاف: "سأشرح لكم اليوم ما يحدث خطوةً بخطوة. أولاً، لا تستخدم هيرميس سوى الجلود من ثلاثة موردين رفيعي المستوى: "Nuti" من إيطاليا، و "Weinheimer"من ألمانيا، و" Haas"من فرنسا"، وذكر أنّ "قطعة واحدة من جلد توغو (تكفي لحقيبة واحدة) تكلّف 450 دولاراً أميركياً".
ويشرح العامل كيف تستخدم الحقائب الفاخرة خيوط "رولز رويس" الفرنسية، المعروفة باسم "فيل أو تشينواز" (Fil au Chinoise) والتي تكلف حوالى 25 دولاراً أميركياً للحقيبة الفاخرة. وتشمل المكونات الإضافية "المواد" المعدنية للحقيبة، التي تكلف حوالى 150 دولاراً، والزيت المستخدم في معالجة المواد، والذي يصل سعره إلى 50 دولاراً. ويبلغ سحر السحابات والبطانة الداخلية حوالى 110 دولارات بالإجمال.
وتأتي بعد ذلك تكلفة اليد العاملة. فأشار إلى أنّ "أجور الحرفيين الفرنسيين أعلى بكثير من أجور الحرفيين الصينيين. ولإنهاء حقيبة واحدة، تبلغ تكلفة الموارد 600 دولار. أما المجموع، فيبلغ 1450 دولاراً أميركياً. فلماذا تتقاضى هيرميس 38 ألف دولار أميركي ثمن الحقيبة الواحدة؟ لأن أكثر من 90% من سعرها يُدفع مقابل شعارها".
وأضاف: "إذا كنتم غير مهتمين بالشعار وتسعون إلى الحصول على الجودة نفسها والخامة نفسها، يمكنكم الشراء من متاجرنا. فنحن نستخدم الخامة نفسها في حقائبنا، وسعرها من مصنعنا لا يتجاوز الـ1000 دولار أميركي".
ومنذ ذلك الحين، أعلنت شركة "هيرميس" أنها سترفع أسعارها في الولايات المتحدة اعتباراً من الأول من أيار/ مايو، وهي خطوة تهدف إلى تعويض الرسوم الجمركية الجديدة البالغة 10% على الواردات.
وفي هذا السياق، قال إريك هالغويت، المدير المالي لشركة "هيرميس"، خلال اجتماع الأرباح الفصلية للشركة: "ستكون زيادة تكاملية في الأسعار نقوم حالياً بإنهائها، ولكنها ستسمح لنا بتحييد هذا التأثير".
فستان السكرتيرة الصحافية يثير ضجة
من الواضح أنّ الصين لن تتراجع بسهولة في ظل تعثر اقتصادها خلال فترة عدم اليقين الحالية. ومن المصنّعين إلى الدبلوماسيين، انتهزت الفئات الأكثر تضرراً في البلاد كل فرصة للإشارة إلى عبثية السياسة الاقتصادية للبيت الأبيض. فعندما ظهرت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفات أمام الكاميرات مرتدية على ما يبدو فستاناً صيني الصنع لتبرير التصعيد الدرامي الذي أقدم عليه ترامب، استمتع الصينيون بيومهم كثيراً.
ونشر القنصل العام الصيني تشانغ تشي شينغ، المقيم في دينباسار بإندونيسيا، صورة لليفات على المنصة في واشنطن، وقال إنّ الدانتيل المزخرف على فستانها تم الحصول عليه من مصنع في بلدة مابو، بالصين. وكتب تشانغ على منصة "إكس" : "اتهام الصين بات تجارة، لكن شراء منتجاتها يُعد أسلوب حياة" وأضاف: لقد تعرّف موظف في إحدى الشركات الصينية على الدانتيل الموجود على الفستان، كونها الشركة المُصنعة له". وكان ذلك التعليق كافياً لإشعال الفتيل. وعلى الفور، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالاتهامات بالنفاق.
وجاء في أحد المنشورات: "ليفات تنتقد بشدّة كل ما هو من صنع الصين، وهي ترتدي فستاناً صينيّ الصنع. أليس هذا نفاقاً؟ الخطوة السياسية الكلاسيكية تقتضي إلقاء اللوم على الصين، ولكن مع الاحتفاظ بالبضائع الرخيصة". "كيف تتعامل كارولين ليفات مع السخرية الساحقة المتمثلة في انتقاد عبارة "صنع في الصين" بينما تتباهى بفستان دانتيل رائع مصنوع في الصين على منصة البيت الأبيض؟
ولكن لم يكن الجميع مقتنعاً بهذه الرواية. ودافع بعض المستخدمين عن ليفات، مشيرين إلى أن المحققين الإلكترونيين ظنوا أن النسخة الفرنسية الأصلية هي نسخة مقلّدة. وقال أحدهم: "هذه أخبار كاذبة. إنها ترتدي النسخة الفرنسية الأصلية، بينما يعرض الإعلان نسخة صينية. إنه أمر مضحك بالفعل، لكن التغريدة مُضلِّلة".
وأشار آخرون إلى سمعة الصين المرتبطة بالتقليد، زاعمين أن الدانتيل قد يكون مُقلّداً. وذكر مستخدم آخر أنّ "الصينيين يشتهرون بتقليد الملابس. ومن المرجح أنهم قاموا بتقليد سترة علامة تجارية فاخرة".
الرسوم الجمركية تؤثر على السلع الفاخرة
يجد قطاع الأزياء الفاخرة نفسه مرة جديدة تحت دائرة الضوء غير المرغوب فيها. ففي ظل أزمة غلاء المعيشة العالمية، من غير المعقول أن تقف العلامات التجارية الفاخرة متفرجة بينما تحاول بيع قمصان بيضاء عادية أو ممزقة بشكل أنيق مقابل 3000 دولار أميركي. واليوم تهدد العمليات الداخلية للبيت الأبيض بهدم هذه القلعة بأكملها.
فقد فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية تصل نسبتها إلى 145% على الواردات الصينية، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي والدور المزعوم للصين في أزمة الفنتانيل وغيرها من الأزمات. وفي حين جرى إعفاء بعض الأجهزة الإلكترونية مؤقتاً من الرسوم، تهدف الاستراتيجية الشاملة إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على التصنيع الصيني.
في المقابل، ردّت الصين بفرض مجموعة من الرسوم الجمركية والقيود على الصادرات، ما أدّى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بين البلدين.
وبالتالي، فإنّ لهذه المستجدات آثاراً وخيمة على سوق السلع الفاخرة. فمع ارتفاع تكاليف الإنتاج وتغيّر تصورات المستهلكين، قد تحتاج العلامات التجارية اليوم إلى إعادة تقييم استراتيجياتها بالكامل. كما أن الشعور القومي المتنامي بين المستهلكين الصينيين يسهم أيضاً في تفضيل العلامات التجارية الفاخرة المحلية على العلامات الغربية، وخاصة عندما تكون الجودة المماثلة متوفرة بأسعار معقولة. وقد شهد سوق السلع الفاخرة العالمي انخفاضاً إجمالياً بنسبة 2% في عام 2024، مع انخفاض مساهمة الصين من 50% إلى 12% فقط من المبيعات العالمية.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.