"نيويورك تايمز": الخوف يجتاح أميركا.. لماذا؟

لقد وصل الخوف إلى الولايات المتحدة ومؤسساتها، ولن يزول في أي وقت قريب.

0:00
  • "نيويورك تايمز": ترامب يُرهب الأصوات المعارضة

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقال رأي يتناول سياسة الرئيس الأميركي بترهيب المعارضين له، وتفشي الخوف في مؤسسات الدولة: من الجيش والبنتاغون إلى الجامعات ومكاتب المحاماة والمنظمات غير الربحية، في إثر ذلك.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يتسلل الخوف إلى أعماقنا، متسللاً بصمت إلى مختلف أرجاء المجتمع الأميركي. إنه يطل على الميناء والمدينة، وعلى أميركا بأكملها أيضاً. لقد رأيتُ هذا الخوف وتأثرتُ به على مدار الأشهر القليلة الماضية. لقد تسرب إلى جيشنا، وخدمتنا المدنية، وجامعاتنا، ومكاتبنا القانونية، ومسؤولينا التنفيذيين، وقيادات المنظمات غير الربحية.

لم يكن الأمر هكذا دائماً. خلال رئاسة جورج دبليو بوش، عملت مع عدد من المنظمات التي عارضت برنامج التعذيب الذي انتهجته إدارته، والذي استخدمته وكالة المخابرات المركزية ضد المشتبه فيهم بالإرهاب بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر. بعدما وقّع الرئيس باراك أوباما أمراً تنفيذياً بإنهاء البرنامج، أقمتُ وزملائي حفلاً صغيراً للاحتفال. في ذلك الحفل، قلتُ إنه يجب أن نكون ممتنين لحقيقة أننا نعيش في دولة يُمكننا فيها معارضة سياسات حكومتنا علناً من دون خوف مما قد تفعله بنا تلك الحكومة. لم نخشَ التعرض للاعتقال التعسفي أو التحقيق، أو قطع التمويل الحكومي عن منظماتنا، أو التعرض لهجمات شخصية شرسة في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة.

لا أستطيع الإدلاء بهذا التصريح اليوم. الرئيس ترامب لا يقبل المعارضة، ويستخدم الخوف لقمعها.

لنبدأ بخدمتنا العسكرية والمدنية، تلك المجتمعات التي اكتسبتُ منها خبرةً طويلةً، والتي أحافظ على تواصل وثيق معها. الخوف في البنتاغون اليوم ملموس. لقد بعثت إقالةُ ضباط عامين من دون سبب مبرر برسالة مرعبة لكل من يرتدي الزيّ العسكري.

لقد خدمت خلال عدة تغييرات في القيادة السياسية كضابط في الجيش، ثم كموظف مدني في وزارة الدفاع. إنّ عمليات الإقالة المستهدفة لكبار القادة العسكريين والإقالات الجماعية لأعضاء الخدمة المدنية الفيدرالية التي تحدث هي عمليات غير مسبوقة، وتهدف بوضوح إلى القضاء على المعارضة، واستبدال المهنيين بموالين سياسيين، وخلق مناخ من الخوف.

أما المحامون، وهم مجتمع آخرُ أنتمي إليه، فتحاول إدارة ترامب إجبار شركات المحاماة الكبرى على رفض تمثيل العملاء الذين لا تفضّلهم، وتمثيل العملاء الذين تفضلهم. ينظر إلى هذا على نطاق واسع بين العديد من المحامين الذين أعرفهم على أنه اعتداء مباشر على أساس نظامنا القانوني، لكن بالنسبة إلى العديد من هؤلاء المحامين، فإن الخوف من فقدان العمل الذي يتطلب الوصول إلى المباني الحكومية، بما في ذلك المحاكم، يمثل دافعاً قوياً. قاومت بعض شركات المحاماة، لكن بعضها الآخر، بسبب قلقه الشديد إزاء خطر فقدان أعمالها أو إمكانية وصولها إلى المعلومات، أبرم "صفقات" مع الإدارة.

تحدثتُ مؤخراً إلى مجموعة من طلاب الدراسات العليا والأساتذة في جامعة هارفرد، أعربوا جميعاً عن قلقهم إزاء تأثير هجمات الإدارة الواضحة في الحرية الأكاديمية وحرية التعبير في الحرم الجامعي. وبينما تمتلك "هارفرد"، كمؤسسة، الموارد والإرادة اللازمة للرد، فإن فقدان تمويل البحث والخوف من انقطاع الدراسات أمران حقيقيان للغاية بالنسبة إلى أعضاء هيئة التدريس والطلاب هناك وفي أماكن أخرى.

هددت الإدارة بملاحقة مسؤولين حكوميين سابقين ومواطنين عاديين. كما هددت الشركات بفقدان عقودها الحكومية، وهددت المنظمات غير الربحية في جميع أنحاء البلاد بخفض تمويلها. ويمتد هذا المناخ من التهديد والقلق إلى استعداد الشركات لتوظيف أو التعامل مع من ينتقدون السيد ترامب أو إدارته، وأنا واحد من هؤلاء الأشخاص.

منذ أن تركت الحكومة في كانون الثاني/يناير، أبلغتني عدة منظمات بأنها لا تستطيع توظيفي علناً، أو الاحتفاظ بتصريحاتي الأمنية، أو الارتباط بأي شخص ينتقد الإدارة بشكل واضح. في إحدى المرات، قيل لي إن منظمة غير ربحية طلبت مني العمل كزميل متميز سحبت هذا العرض، لأن قيادتها العليا شعرت بأنني أصبحت متحيزاً بشكل مفرط. أخبرني أحد الرؤساء التنفيذيين لشركة أنني أصبحتُ شخصاً سيئاً بسبب كتابتي وتحدثي عن انتهاكات الإدارة للسلطة. كنت أتوقع بعض هذه الردود، لكن الأمر مخيب للآمال. لقد توقفت عن تعداد زملائي من المتخصصين في الأمن القومي الذين أخبروني أنهم ممتنون لأنني تحدثت، ولكنهم في الوقت نفسه يقولون إنهم يخشون أن يفعلوا الشيء نفسه.

كان استخدام ترامب للخوف كسلاحٍ أكثر وضوحاً مع المهاجرين غير النظاميين ومجتمعات المهاجرين على نطاقٍ أوسع. من المؤكد أنّ الأميركيين يؤيدون بشدة ترحيل المهاجرين غير النظاميين المجرمين العنيفين، لكن إدارة ترامب أرهبت المهاجرين من جميع مناحي الحياة، بمن فيهم المقيمون بشكل قانوني في الولايات المتحدة.

قبل بضع سنوات، مثّلتُ امرأةً تطلب اللجوء لأنها تعرضت للاضطهاد من قِبل أعضاء حكومتها. عندما منحها قاضي الهجرة حق البقاء في الولايات المتحدة لأجل غير مسمى، كان الافتراض أنها أصبحت أخيراً في مأمن. الآن، عليها أن تعيش في خوف مرة أخرى.

جميع هذه المؤسسات والمجتمعات مصدر قوةٍ أميركية، بل إنها تجعل أميركا عظيمة، لكنهم الآن جميعاً، بدرجات متفاوتة، يتعرضون للهجوم، ويشعرون بخوف جديد. الخوف هو الأداة العالمية التي يستخدمها المستبدون، وهو دليل واضح على أن ديمقراطيتنا في خطر، إلى درجة أن الكثير من الأميركيين لديهم الآن سبب للخوف من حكومتهم. لقد وصل الخوف إلى بلادنا، ولن يزول في أي وقت قريب.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.