"نيويورك تايمز": تم تجنّب حرب نووية.. لكن هل ننجو منها مستقبلاً؟
تتمسك الهند وباكستان، الدولتين النوويتين، بوقف إطلاق نار هشّ. فهل سننجو مستقبلاً من حرب نووية؟
-
"نيويورك تايمز": تم تجنّب حرب نووية بين الهند وباكستان.. لكن هل ننجو منها مستقبلاً؟
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً تتناول فيه الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان والتي كادت أن تؤدي إلى حرب نووية، ويستعرض من خلالها المخاطر المتزايدة في العصر النووي الحديث، مؤكدًا الحاجة إلى الدبلوماسية الفعالة لتجنّب التصعيد النووي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد أربعة أيام من تبادل الغارات الجوية وهجمات الطائرات المسيرة على البنية التحتية العسكرية، والتي دفعت الهند وباكستان إلى شفا الحرب، تتمسك هاتان الدولتان النوويتان بوقف إطلاق نار هش.
ربما يكون العالم قد تجنّب كارثة. لكن أزمة الأسبوع الماضي المتسارعة تُظهر المخاطر الكامنة في العصر النووي الحديث، وما يقابلها من حاجة ملحة للدبلوماسية، مع توسع المزيد من الدول في ترساناتها النووية والاعتماد عليها للإكراه أو لتعويض ضعف في القوات التقليدية. وإنّ الجمع غير المحدود بين تزايد الأسلحة وقابلية الخطأ البشري قد يؤدي إلى استخدامها.
الصراع بين الهند وباكستان ليس بالأمر الجديد، وبالطبع، ظلت المخاوف من أول استخدام لسلاح نووي بين الدولتين المتجاورتين بعيدة المنال. خاض الجانبان حروباً في أعوام 1947 و 1965 و 1971 و في 1999، بعد عام من إجراء الدولتين تجارب نووية ناجحة. ويقدّر اتحاد العلماء الأميركيين مخزون كل منهما الآن بما لا يقل عن 170 رأساً حربياً.
مع توسّع قوتهما النووية، وضعت الدولتان قواعد غير مكتوبة تهدف إلى منع أي تصعيد خطير. لا نيودلهي ولا إسلام آباد ترغبان في حرب نووية، مما يمنع كل طرف من المبالغة في تصعيده عند اندلاع مناوشات دورية. لعقود، اقتصرت مواجهاتهما العسكرية على المنطقة الحدودية، وخاصة كشمير، بؤرة توتر منذ عام 1947، عندما قُسِّمت الهند إلى دولتين في نهاية الحكم الاستعماري البريطاني. لسنوات، خاض الجانبان معارك برية في المقام الأول، ولم يقتربا قط من المواقع النووية.
لكن هذه القواعد قد تغيرت. فقد أدى ظهور حرب الطائرات بدون طيار والذخائر الموجهة بدقة إلى تلاشي الخطوط الحمراء. في عام 2019، شنت الهند غارات جوية على معسكر تدريب إرهابي مزعوم في بالاكوت، باكستان، مسجلةً بذلك المرة الأولى التي تُسقط فيها دولة مسلحة نووياً قنبلة على دولة أخرى. وقد وضع هذا الهجوم، الذي تجاوز أي صراع آخر بين الدولتين منذ عقود، الدولتين على موقف خطير جديد. وكان اشتباك الأسبوع الماضي أكثر زعزعة للاستقرار.
بعد أن أطلق إرهابيون متمركزون في باكستان النار على 26 مدنياً وقتلوهم في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير الشهر الماضي، رد الجيش الهندي في 7 أيار/مايو بغارات جوية على المنطقة الحدودية، مستهدفاً ما أسماه "معسكرات إرهابية". وفي النهاية، وسع هدفه إلى موقع في البنجاب، على بُعد نحو 100 ميل داخل باكستان، وهي أعمق ضربة منذ أكثر من نصف قرن. ردّت باكستان بما وصفه مسؤولون هنود بشن ما يصل إلى 400 هجوم بطائرات مسيرة على عدة مدن، بما في ذلك مدينة جامو الخاضعة للإدارة الهندية، بالقرب من الحدود المدججة بالسلاح التي تفصل منطقة كشمير المتنازع عليها بين البلدين.
وبعد فترة وجيزة، استهدفت الضربات الهندية قاعدة جوية عسكرية في روالبندي، باكستان، على مقربة من قسم الخطط الاستراتيجية الباكستاني، الذي يشرف على الترسانة النووية للبلاد. وظهرت تقارير لاحقاً تفيد بأنّ رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف دعا لاحقاً إلى اجتماع لهيئة القيادة الوطنية، وهي الهيئة التي تقرر الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية.
اقرأ أيضاً: "The Conversation": النزاع الهندي- الباكستاني يتأجج.. فهل نحن على شفا حرب جديدة؟
في حوادث كهذه، يكون احتمال الانزلاق إلى تصعيد نووي هو الأشد. تُظهر المواقف الحاسمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وغيرها من الأزمات النووية الحديثة، أنّ الخصوم يفترضون الأسوأ ويعتمدون على قنوات اتصال مفتوحة وقدرات مراقبة وتدابير دبلوماسية. ربما كانت الضربات الجوية الهندية غير مقصودة أو متعمدة، لكن باكستان لن تسمح بتهديد قدرتها النووية. تتفوق القوات التقليدية الهندية على نظيرتها الباكستانية. لذلك، ترى إسلام آباد في أسلحتها النووية وسيلةً لتسوية ساحة المعركة في حرب شاملة. على عكس الهند، ليس لدى باكستان قيود مُعلنة على استخدام أسلحتها النووية أولاً في أي صراع لحماية نفسها.
لم تشعر إدارة ترامب بأنها مضطرة للتدخل إلا عندما بدا ما لا يُصدّق ممكناً فجأة. يوم الخميس، وخلال ظهوره على قناة "فوكس نيوز"، قال نائب الرئيس جيه دي فانس إنّ الصراع بين الهند وباكستان "ليس من شأننا". يوم الجمعة، يوم قصف الهند القاعدة في روالبندي، غيّر فانس موقفه الانعزالي بشكل كبير، واتصل برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لتحذيرهم من التصعيد المتصاعد. وفي وقت لاحق، صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو في بيان بأنه وفانس تواصلا مع كبار المسؤولين من كلا البلدين، بمن فيهم رئيسا الوزراء.
وقال ترامب يوم الاثنين في البيت الأبيض: "لقد أوقفنا صراعاً نووياً. أعتقد أنه كان من الممكن أن تكون حرباً نووية سيئة، وكان من الممكن أن يُقتل ملايين الأشخاص، لذا أنا فخور جداً بذلك". ومنذ ذلك الحين، أقرت باكستان علناً بدور الولايات المتحدة في الهدنة، بينما تُصرّ الهند على أنّ وقف إطلاق النار تم التوصل إليه بشكل ثنائي.
كما أدركت إدارة ترامب بوضوح، فإن ما يحدث بين الهند وباكستان شأنٌ عالمي، وقد كان كذلك منذ أن أصبحت الدولتان قوتين نوويتين. قيّمت دراسة علمية عام 2019 العواقب المحتملة لحرب نووية بين الهند وباكستان. ووجدت أنّ التفجيرات ستُخلّف ملايين الأطنان من السخام. وستحجب سحب الحطام الشمس، وتُخفّض درجات الحرارة العالمية، مُسببةً مجاعةً عالمية. سيموت ملايين الأشخاص، وقد يتأثر مليارات. كان هذا السيناريو مُتوقعاً في عام 2025.
هذا الأسبوع، خفت حدة التوترات بين الهند وباكستان عقب الهدنة. لكن البيت الأبيض لا يمكنه أن يرضى بما آلت إليه الأمور. عليه أن يقود جهداً دبلوماسياً مع الهند وباكستان للحد من المخاطر على المديين القريب والبعيد، لتجنب تكرار التصعيد السريع الذي شهدناه الأسبوع الماضي، واحتمالية سوء التقدير.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.