عباس يستعد للتخلص من خصومه

قبل حوالي نصف عام أقام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في خطوة سياسية مفاجئة، المحكمة الدستورية العليا وذلك في بهدف تحصين حكمه وموقعه كدكتاتور.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
حركة حماس عارضت القرار الذي جاء ليسمح لمحمود عباس كي يحدد بنفسه من سيكون وريثه، أو لتعيين نائب له وفق رغبته، بما يتعارض مع القانون الفلسطيني الأساسي. وجاءت إقامة المحكمة الدستورية العليا، عملياً، للالتفاف على صلاحيات المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان).
  ووفق القانون المتبع في مناطق السلطة الفلسطينية فإنه في اللحظة التي يستقيل فيها رئيس السلطة، أو يتقاعد من الحياة السياسية، فإن رئيس المجلس التشريعي (البرلمان) هو الذي يتولى المنصب بدلاً عنه لمدة 60 يوماً إلى حين إجراء انتخابات عامة للرئاسة.   وهناك خلاف دستوري في ما يتعلق بهذا القانون. ففي حركة فتح يقولون إن السلطة الفلسطينية هي أداة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولذلك فإن سكرتير اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هو الذي يجب أن يعيَّن بدلاً عنه وليس رئيس المجلس التشريعي، والذي هو حالياً من حركة حماس.   وتساعد إقامة المحكمة الدستورية العليا في حسم هذه القضية على النحو الذي يرغب به محمود عباس. فإقامة المحكمة تمكنه من الالتفاف على المجلس التشريعي الفلسطيني، المشلول أصلاً بسبب الخلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، واتخاذ إجراءات بحق أعضاء المجلس "الخارجين" على السلطة، أو الذين يعارضوه بشكل شخصي ويتمتعون بالحصانة البرلمانية. فعلى سبيل المثال، فإن خصمه اللدود محمد دحلان، أو عضو المجلس التشريعي نجاة أبو بكر التي وجهت مؤخراً نقداً لاذعاً ضد الفساد في السلطة الفلسطينية، تم استدعاؤهما للمثول للتحقيق أمام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في رام الله.   ووفق المرسوم الرئاسي الصادر فإن المحكمة الدستورية العليا هي المؤسسة الأعلى، التي تتفوق في موقعها على البرلمان الفلسطيني وعلى السلطتين القضائية والتنفيذية. وهي تمتلك الصلاحيات لإلغاء القوانين التي سبق وأن أقرها المجلس التشريعي، أو التوجه إلى المجلس والطلب منه تعديلها أو إلغاءها. ونظرياً، فإن بوسع المحكمة الجديدة إلغاء القانون الذي تم بالاعتماد عليه إقامة المجلس التشريعي أو اتخاذ قرار بحله.   والآن قررت المحكمة الدستورية العليا توسيع صلاحياتها وتمكينها من إلغاء الحصانة التي يتمتع بها أعضاء المجلس التشريعي. وقد أعلن وزير العدل علي أبو دياك عن القرار الجديد في 6 تشرين الثاني / نوفمبر (الجاري).   وأثار القرار عاصفة بين صفوف حركتي فتح وحماس. حيث قال أحمد بحر، وهو من كبار مسؤولي حركة حماس، إن قرار المحكمة غير ملزم لأن المحكمة نفسها أقيمت بشكل غير دستوري. وهو قد دعا كل الكتل البرلمانية الفلسطينية إلى "وضع حد لدكتاتورية محمود عباس".   كما أن معارضي محمود عباس في حركة فتح يصفون القرار بأنه يشكل ضربة لاستقلالية السلطة القضائية الفلسطينية، وخطوة تمهد لحل المجلس التشريعي الفلسطيني.   وقالت نجاة أبو بكر، عضو المجلس التشريعي، إن القرار هو "المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الفلسطينية". ودعت كل أعضاء المجلس للاجتماع وتقديم استقالة جماعية رداً على القرار.   خطوة محمود عباس تدل على إصراره على المضي حتى النهاية في مواجهة معارضيه وفي مقدمتهم خصمه اللدود محمد دحلان. ومن المتوقع أن يبلغ هذا الصراع ذروته في نهاية الشهر، وهو الموعد الذي من المقرر أن ينعقد فيه المؤتمر السابع لحركة فتح في رام الله. ووفق جهات في الحركة فإن محمود عباس ينوي طرد محمد دحلان ومؤيديه من كل مؤسساتها، وبذلك تحصين موقعه.   وينوي المقربون من محمود عباس أن يطرحوا في المؤتمر قضايا من نمط من هو المسؤول عن سقوط قطاع غزة بين يدي حركة حماس في 2007، ومن هو المسؤول عن وفاة ياسر عرفات وذلك في محاولة لدحرجة التهمة باتجاه محمد دحلان.   وعلى الرغم من الخلاف القائم بين محمود عباس وبين الرباعية العربية (مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة) التي تؤيد محمد دحلان، إلا أنه يشعر بما يكفي من الثقة لخلع قفازيه والتعامل مع معارضيه بقوة كبيرة.   وهو لا يزال يحظى بدعم كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، ويستعد لـ "تقاعد مريح" مع أبناء عائلته في قطر، من خلال بذل المحاولة لضمان سلامتهم والمحافظة على أعمالهم المتشعبة في المناطق (المحتلة).   ترجمة: مرعي حطيني