السيسي لم يعد يخاف

اللقاء العلني بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على هامش مداولات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، هو لقاء هام جداً. فالرئيس المصري يُظهر ثقة كبيرة بالنفس، وهو لم يعد يخاف من توجيه النقد إليه في العالم العربي أو على الساحة الفلسطينية، وهو قد التقى للمرة الأولى مع رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكاميرات بعد أن أنهى ثلاث سنوات كرئيس منتخب لمصر. 

وصل السيسي إلى نيويورك محمولاً على موجة النجاح في جهود الوساطة التي قامت بها المخابرات المصرية بين فتح وحماس

وقد وصل السيسي إلى نيويورك محمولاً على موجة النجاح في جهود الوساطة التي قامت بها المخابرات المصرية بين فتح وحماس والتي من شأنها أن تقود إلى مصالحة بين الحركتين. وقبل اللقاء مع نتنياهو التقى السيسي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وذلك للإطلاع على آخر التطورات على صعيد استئناف المفاوضات السياسية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين برعاية أمريكية. وكان الرئيس المصري قد اجتمع عدة مرات سراً مع نتنياهو. 

 

هذا وقد حصل تطور في العلاقات بين مصر وإسرائيل منذ صعود السيسي إلى الحكم وبخاصة على الصعيد الأمني. ومؤخراً عاد إلى القاهرة السفير الإسرائيلي، دافيد جوبرين، بعد أن كان قد اضطر لمغادرة مصر لمدة ثمانية أشهر بسبب الوضع الأمني.

 

وخلال لقائه مع رئيس الحكومة أعرب الرئيس المصري عن رغبته في المشاركة في جهود استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وفي دفع المسيرة السياسية. ويعزز الاختراق الذي نجح الرئيس المصري في تحقيقه في العلاقات بين فتح وحماس من موقعه لدى إدارة ترامب. والرئيس الأمريكي بحاجة إلى كل مساعدة ممكنة من الزعماء العرب المعتدلين لتحقيق "صفقة القرن" الخاصة به، وبخاصة اقناع الفلسطينيين للتقدم في الخطة التي يبلورها.

 

وقد أثبتت المخابرات المصرية قدرتها في الاقناع والتأثير على حركتي فتح وحماس وهو ما يستطيع، بكل تأكيد، مساعدة إدارة ترامب. والخطة المصرية واضحة وهي ترتيب العلاقات بين فتح وحماس استعداداً لاستئناف المفاوضات السياسية مع إسرائيل، وفي موازاة ذلك بذل الجهود لرفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.

 

وتتطلع مصر إلى التوسط بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى في قطاع غزة لمدة تتراوح بين 10-15 سنة. ووفق الخطة المصرية فإن إسرائيل سترفع الحصار عن غزة  وستفسح المجال أمام إقامة ميناء بحري مقابل وقف النشاطات الإرهابية من القطاع.

وسبق لمصر أن توسطت بين إسرائيل وحماس، فهي كانت الوسيط في "صفقة شاليط" عام 2011، وكذلك الوسيط الرئيسي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس في نهاية عملية "الجرف الصامد" 2014. واليوم تتوسط المخابرات المصرية بين إسرائيل وبين حماس في موضوع إعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.

 

والتوصل إلى تهدئة طويلة المدى على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة هي مصلحة أمنية غاية في الأهمية بالنسبة لمصر وذلك لأن القطاع يُعتبر "الفناء الخلفي" في نظرية الأمن القومي المصرية. وحالة عدم الاستقرار في القطاع تؤثر على الوضع الأمني في مصر، وكذلك على استقرار الحكم فيها.

 

وقد اختار السيسي إبراز لقائه مع رئيس الحكومة نتنياهو وذلك بهدف عرض نجاح الدبلوماسية المصرية التي يقودها. وهناك سبب آخر وهو رغبة السيسي في التأكيد على دور مصر الهام كلاعب إقليمي يعمل على تحقيق السلام والأمن.

 

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس المصري مع الرئيس ترامب، وكذلك مع عدد من كبار متخذي القرارات في الإدارة وممثلي الشركات الأمريكية الكبيرة وذلك بهدف حشد الدعم للاقتصاد المصري.

 

ومن الواضح أن النشاط الناجح للرئيس المصري يقوي موقعه في مصر نفسها. خاصة وأن حملة الانتخابات للرئاسة المصرية قد بدأت. وفي الوقت الذي تحاول فيه المعارضة المصرية إقامة كتلة سياسية كبيرة تضم عدداً من الأحزاب وتستطيع مواجهة السيسي، بالتنسيق مع الأخوان المسلمين، يعمل مؤيدو الرئيس المصري على تعديل الدستور بهدف إطالة فترة ولاية السيسي بدون انتخابات.

 

هذا ويُضعف الاختراق الذي حققته مصر في العلاقات بين فتح وحماس لاعبين آخرين مثل قطر، وتركيا وإيران، الذين يقفون كأعداء لمصر. ولقاء الرئيس السيسي مع رئيس الحكومة نتنياهو يقوي أيضاً موقع محمد دحلان.  

 

ومن الواضح أن لإسرائيل تأثيراً أيضاً على صراع الوراثة في السلطة الفلسطينية. ومحمد دحلان هو مرشح الرئيس المصري لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية القادم، وكل خطوة تقوي الرئيس السيسي هي، بطبيعة الحال، تقوي محمد دحلان.

 

يقوم الرئيس المصري بإضفاء طابع علني على علاقاته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وهو الأمر الذي يدل على أنه من المرتقب أن يعزز نشاطه السياسي الإقليمي والدولي بدون أن يحاول إخفاء اتفاق السلام والعلاقات مع إسرائيل. وهذا هو تطور هام يجب تشجيعه، وهو من شأنه أن يدفع دولاً عربية أخرى، توجد لها علاقات سرية مع إسرائيل، لإظهارها بشكل علني وتنفيذ عملية التطبيع مع إسرائيل حتى قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام بينها وبين الفلسطينيين.

 

ترجمة: مرعي حطيني