"Responsible Statecraft": "إسرائيل" تختبر "اليد الضعيفة" لمصر

إنّ سيطرة "الجيش" الإسرائيلي على معبر رفح، والعدوان الوحشي على كامل قطاع غزة، وضع الحكومة المصرية تحت ضغوط كبيرة من مختلف الجهات، وجعلها تشعر بالإهانة مع تكشف نقاط ضعفها بشكل متزايد.

  • قوات الاحتلال تسيطر على معبر رفح من جهة غزّة
    قوات الاحتلال تسيطر على كامل الشريط الحدودي العازل بين قطاع غزة ومصر

موقع "Responsible Statecraft" ينشر مقالاً للكاتب جيورجيو كافييرو، يتحدّث فيه عن تأثير الحرب في غزة، على اتفاق "كامب دايفيد"، وكيف أظهرت الحرب نقاط ضعف مصر.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

سيطر "جيش" الاحتلال الإسرائيلي على كامل الشريط الحدودي العازل بين قطاع غزة ومصر، ذي الأهمية الاستراتيجية بطول 9 أميال وعرض 300 قدم. وأعلن المسؤولون الإسرائيليون أنّهم قاموا باحتلال كامل "محور فيلادلفيا"، بزعم أنّ الفلسطينيين استخدموا هذا الممر لإنشاء أنفاق لنقل الأسلحة.

من الواضح أنّ الاحتلال يقوم بعدوانه الجديد، وبمحاصرة كاملة لقطاع غزة، لحرمان الفلسطينيين من الأمل بمنطقة خالية من السيطرة العسكرية "للجيش" الإسرائيلي على حدودهم مع بلد عربي شقيق. كذلك، إنّه يزيد أيضاً من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية الشحيحة أصلاً إلى القطاع المنكوب، وهذا هدف الحكومة اليمينية المتطرفة في "تل أبيب"، أن تحرم الفلسطينيين من كل سبل العيش والبقاء لهدف استراتيجي هو التطهير العرقي، وطرد كل من لا يزال على قيد الحياة بمجرد توقّف الحرب.

في السنوات السابقة استخدمت الأنفاق على الحدود الخاضعة لسيطرة مصرية فلسطينية مشتركة، لجلب جميع أنواع السلع والخدمات إلى غزة.

إنّ الوضع في ممر فيلادلفيا قد تكون له آثار هائلة على مستقبل "السلام" البارد بين الاحتلال ومصر، التي تعاني من معضلات صعبة منذ 8 أشهر يدقّ خلالها المسؤولون في القاهرة، ناقوس الخطر بشأن تقدّم "الجيش" الإسرائيلي نحو الحدود بين مصر وغزة، خوفاً من أن تدفع هذه الحرب الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. وفي الوقت نفسه، تسعى حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تجنّب تصعيد التوترات مع حكومة "تل أبيب"، وتجهد للسيطرة على غضب المصريين العارم الذين يدركون أنّ الفلسطينيين في غزة تحت أهوال الإبادة الجماعية الإسرائيلية تركوا لوحدهم بلا معين أو مغيث.

بلا ريب، إنّ سيطرة الاحتلال على معبر رفح يخرق اتفاقية "كامب ديفيد" الموقّعة مع مصر في العام 1979، مما سيزيد من توتير العلاقات الفاترة مع القاهرة، لأنّ الاتفاق المذكور، يحدّد لكلّ طرف نشر وجود عسكري أو أمني حدودي صغير في هذه المنطقة المعتبرة منزوعة السلاح. ومع ذلك، من الممكن تعديل حجم القوات من خلال الاتفاق بين الطرفين ولا يسمح بإجراءات أحادية الجانب. ويذكر أنّه في وقت تنفيذ اتفاق "كامب ديفيد"، كان "الجيش" الإسرائيلي يحتل غزة بقوات على الأرض منذ عام 1967، ولم ينسحب مع المستوطنين من هناك حتى العام 2005.

"العلاقة الباردة فعلاً تتجه نحو التجميد العميق"، هكذا وصف السفير الأميركي السابق في قطر باتريك ثيروس، العلاقة المصرية مع الاحتلال الإسرائيلي في مقابلة صحافية. وقال إنّه "ليس لدى أي من الحكومتين مصلحة في قطع العلاقات الرسمية بينهما". وتوقّع أن تتصاعد الضغوط الداخلية في مصر في المرحلة المقبلة، ولكن بمرحلة ما سيفرض على الحكومة المصرية فعل شيء لتهدئة الرأي العام، "لا أعرف متى أو أين -ولا بدّ- أن تأتي"، أضاف ثيروس.

استشهد جنديان مصريان منذ أسبوعين في اشتباك مع قوات الاحتلال بالقرب من الحدود بين مصر وغزة. وعلى الرغم من أنّ القاهرة و"تل أبيب" اتخذتا خطوات سريعة لاحتواء التداعيات المحتملة للحادث، إلا أنّ هذا الحادث أظهر هشاشة العلاقات بين الطرفين وسط هذه الأوقات المضطربة. وكما يتضح من ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّ مقتل الجنود المصريين أدّى أيضاً إلى زيادة الغضب بين الجمهور المصري.

إنّ سيطرة "الجيش" الصهيوني على معبر رفح، والعدوان الوحشي على كامل قطاع غزة، وضع الحكومة المصرية تحت ضغوط كبيرة من مختلف الجهات، وجعلها تشعر بالإهانة مع تكشّف نقاط ضعفها بشكل متزايد، بسبب اعتماد "الجيش" المصري بشكل كبير على الولايات المتحدة للحصول على المساعدات المالية والعسكرية، وفقدان قدرته على تحدّي قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل موثوق، مما لا يترك الكثير الذي يمكن لمصر أن تفعله لمواجهة "تل أبيب".

مع ذلك، ومع الغضب المتزايد الذي يبديه الشعب المصري، لا يستطيع السيسي أن يتجاهل الضغوط الداخلية لأنّها ستجتمع مع عوامل أخرى مثل الاقتصاد المصري المتدهور، وتشكّل تحدياً للاستقرار.

تسلّط أزمة غزة الضوء على مشاكل مصر. فلا يمكنها تهديد "تل أبيب" بأي شيء يؤخذ على محمل الجد، من دون تهديد العلاقات والمساعدات الأميركية، ولا يمكنها أن تنفّذ الطلب الإسرائيلي بقبول الملايين من سكان غزة.

وبخلاف الحفاظ على الوضع الراهن، ليس لدى مصر ما تقدّمه، لكن "تل أبيب" لا تقدّر قيمة هذا الأمر.

لقد تعهّد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بمواصلة العدوان على غزة حتى هزيمة المقاومة الفلسطينية، ما قد يؤدي إلى تمديد القتال إلى العام المقبل. الحرب المطوّلة في غزة والمزيد من معاناة الفلسطينيين في القطاع تعني أنّ القيادة المصرية سوف تواجه ضغوطاً مكثّفة من شعبها، مع تزايد المجازر الوحشية الإسرائيلية، أو في حال وقعت حوادث أخرى يستشهد خلالها المزيد من الجنود المصريين. ويظل السؤال المطروح هو كيف ستؤثر هذه السيناريوهات على اتفاق "كامب ديفيد".

من الواضح أنّ الحكومة في القاهرة تريد أن ينتهي العدوان الإسرائيلي على غزة في أقرب وقت، لتخفيف حدة الغليان الداخلي، وهي تعمل جاهدة مع قطر للتوسّط في وقف دائم لإطلاق النار، لكن لسوء الحظ، فإنّ الجهود الدبلوماسية التي تبذلها القاهرة والدوحة لم تثبت نجاحها بعد، وإلى أن يتم تحقيق ذلك، على الحكومة المصرية مزاولة حضورها في المواقف الراهنة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.