تحقيق: كيف أنفقت كاليفورنيا أموال الكوارث الطبيعية لقمع احتجاجات الطلاب من أجل فلسطين؟
استُخدم صندوق المساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون في كاليفورنيا لمكافحة الحرائق والفيضانات والزلازل والتظاهرات الداعمة لغزة.
-
احتجاجات ضخمة مؤيدة لفلسطين في جامعة "كال بولي هومبولت" والشرطة تواجهها
موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تحقيقاً يتناول كيفية استعانة جامعة "كال بولي هومبولت" وجامعات حكومية أخرى في كاليفورنيا بقوّات إنفاذ قانون خارجية لقمع الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في ربيع 2024، وذلك عبر استخدام صندوق حكومي مخصّص أصلاً للكوارث الطبيعية والطوارئ الكبرى.
أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:
كان طلاب جامعة كال بولي هومبولت (Cal Poly Humboldt) يحتلون مبنىً داخل الحرم الجامعي تضامناً مع فلسطين لمدة 3 أيام، عندما قرر رئيس الجامعة آنذاك، توم جاكسون، إنهاء الاحتجاج. لكنه لم يعتقد بأن الجامعة قادرة على كسر هذا الاحتلال، الذي ضمّ نحو 20 عضواً، بمفردها. فأرسل بريداً إلكترونياً إلى قائد شرطة هومبولت بتاريخ 25 نيسان/ أبريل 2024، طالباً الاستفادة من صندوق تمويل الشرطة تحت شعار التضامن الفوضوي: "نظام المساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون".
في كاليفورنيا، يُخصّص صندوق المساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون 25 مليون دولار سنوياً لتمكين هيئات إنفاذ القانون من العمل في مختلف الولايات القضائية لمكافحة الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الكبرى الأخرى. وفي إحاطة إعلامية اطلع عليها موقع "ذا إنترسبت"، تم إدراج حالات الاستخدام المقبولة للمساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون وهي الحرائق، والعواصف، والفيضانات، والزلازل، والكوارث الطبيعية أو من صنع الإنسان، و"الأحداث الاستثنائية الأخرى التي تتطلب مساعدة متبادلة في إنفاذ القانون في حالات الطوارئ، كل حالة على حدة".
وتمكنت إدارة جامعة كال بولي هومبولت من استغلال هذه الأموال لجلب جهات إنفاذ القانون من الخارج إلى الحرم الجامعي، وفقاً لما توصل إليه موقع "ذا إنترسبت" في سلسلة تحقيقات حول أساليب الجامعة في قمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين. ومن بين أكثر من 20 ألف صفحة من الوثائق التي حصل عليها الموقع عبر طلبات السجلات العامة، تُظهر الرسائل الإلكترونية المتتالية من نيسان/أبريل وأيار/مايو 2024 أن رؤساء الشرطة والإداريين في الجامعات الحكومية في كاليفورنيا يطلبون من هيئات إنفاذ القانون الخارجية دخول حرم جامعاتهم وإخلاء المخيمات.
ومع بروز مخيمات "التضامن مع غزة" في مختلف الجامعات في نيسان/أبريل وأيار/مايو 2024، أبلغت جودي لوبيز، مديرة خدمات الموظفين في مكتب خدمات الطوارئ في كاليفورنيا، إدارة ما لا يقل عن 30 جامعة حكومية - بما في ذلك جامعة كال بولي هومبولت - أنه في حال احتاجوا إلى مساعدة متبادلة، فإنّ المساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون ستكون متاحة لسداد نفقاتهم، مرفقة بنشرة تفصيلية للتكاليف المؤهلة.
دخل طلاب جامعة كال بولي هومبولت لأول مرة إلى قاعة "سيمنز" ونظموا اعتصاماً سلمياً في 22 نيسان/أبريل. ووفقاً للوثائق التي حصل عليها موقع "ذا إنترسبت"، تواصلت إدارة الجامعة على الفور مع أقسام الشرطة المحلية لإنهاء التظاهرة. في ذلك اليوم، حاولت شرطة مكافحة الشغب دخول المبنى وتفريق المتظاهرين، لكن الطلاب تمكنوا من التصدّي لها. وفي حادثة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، شوهد طالب في تسجيلات كاميرات المراقبة وهو يضرب رجال الشرطة على خوذاتهم بجرة ماء بلاستيكية فارغة. فانسحب رجال الشرطة في النهاية من المبنى، إيذاناً ببداية 8 أيام من الاعتصام.
ومن خلال الاستعانة بمكتب خدمات الطوارئ في مقاطعة هومبولت، وشرطة يوريكا، وشرطة جامعة كاليفورنيا، طلب جاكسون في رسالته الإلكترونية في 25 نيسان/ أبريل المساعدة في "إعادة السيطرة على مباني الجامعة وممتلكاتها الأخرى" و"القضاء على تهديد التطرف العنيف المحلي والسلوك الإجرامي" من جانب الطلاب، الأمر الذي ساهم في وضع الخطة التي تمكنت الشرطة بموجبها في النهاية من إخلاء القاعة. وذكر رايان ديربي، رئيس مكتب خدمات الطوارئ في المقاطعة آنذاك، في طلبه للمساعدة المتبادلة أن جامعة كال بولي هومبولت ستحتاج إلى مساعدة ما مجموعه 250 ضابط إنفاذ قانون، مع "أفراد فريق تدخل مدربين على تكتيكات إخلاء الغرف والاعتقال والسيطرة".
وفي بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إلى موقع "ذا إنترسبت"، أكدت المتحدثة باسم جامعة كال بولي هومبولت، أيلين إس. يو، أن الجامعة "طلبت بشكل رسمي من مسؤول إنفاذ القانون بالولاية الدعم من خلال طلب مساعدة متبادلة لإنفاذ القانون" وأشارت إلى أن "جامعة كال بولي هومبولت لا تزال ملتزمة بشدة بدعم الحقوق المكفولة بموجب التعديل الأول، وضمان أن يتمكن جميع أعضاء مجتمعنا من التحدث والتجمّع والتعبير عن آرائهم".
وأكّد متحدث باسم مكتب خدمات الطوارئ في كاليفورنيا (Cal OES) في بيان لموقع "ذا إنترسبت" أن "هيئات إنفاذ القانون المحلية التي قدمت هذا الدعم لجامعة كال بولي هومبولت قد حصلت على تعويضات من خلال برنامج صندوق المساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون". وذكر المتحدث أن المكتب على مستوى الولاية "ملتزم حماية سكان كاليفورنيا ودعم الشركاء المحليين في أوقات الأزمات، بغض النظر عن آرائهم أو انتماءاتهم السياسية".
إذا كان هناك عقد اجتماعي بين الطلاب والإداريين في الجامعات الأميركية يسمح بتشغيل أقسام شرطة معزولة داخل الحرم الجامعي يُعتقد بأنها أكثر انسجاماً مع احتياجات الطلاب، فقد انهار هذا العقد عندما استعانت الجامعات في جميع أنحاء البلاد بأجهزة إنفاذ قانون خارجية لقمع الحركة الطلابية من أجل فلسطين، وفقاً للمدافعين عن الحريات المدنية الذين تحدثوا إلى موقع "ذا إنترسبت". وقبل عام من تكثيف إدارة ترامب جهودها لاستخدام قوة الشرطة ضد الاحتجاجات العامة، جعلت معسكرات التضامن مع فلسطين الجامعات بمنزلة اختبار للتسامح مع المعارضة، وهو الأمر الذي فشلت فيه الجامعات بشكل ساحق.
وقالت سابيا أحمد، المحامية في منظمة "فلسطين ليغال" (Palestine Legal): "لا أعلم إن كان بإمكاننا الحديث عن ثقة الطلاب بجامعاتهم. ولكن إن وُجدت، فإنك تُدمرها عندما تستعين بشرطة خارجية لإيذاء طلابك".
إضافة إلى ما سبق، ذكر جاكسون في رسالته الإلكترونية، أن ميزانية جامعة كال بولي هومبولت كانت على المحك. وكتب: "لقد أُلغيت 3 فعاليات كبيرة وعشرات الفعاليات الصغيرة في الحرم الجامعي. كما أُلغيت الفعاليات الرياضية أو نُقلت إلى خارج الحرم الجامعي الرئيسي. وفي حال تطلب الأمر إغلاق الحرم الجامعي خلال عطلة نهاية الأسبوع، فستزداد الخسائر في الإيرادات بشكل كبير".
اعتقلت الجامعة وهيئات إنفاذ القانون الخارجية 25 طالباً في قاعة "سيمنز". وقد أُدرجت هذه المداهمة، إلى جانب أكثر من 12 حريقاً هائلاً- بما في ذلك حريق "باليساديس" (Palisades) المميت، الذي دمر أكثر من 6 آلاف منزل - على الموقع الإلكتروني للمساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون كمثال لحالة يمكن طلب التمويل لها.
وعلى الرغم من أنه لا يخفى على أحد أن هيئات إنفاذ القانون الخارجية شاركت في إخلاء المخيمات الجامعية المؤيدة لفلسطين، إلا أن شروط العمل والتعويضات لم تُنشر بالتفصيل من قبل. وتُظهر الاتصالات بين مسؤولي الجامعة والجهات الخارجية أن العملية جرت بسلاسة في ظلّ سير العمل البيروقراطي، بحيث سبقت حملات القمع والمداهمات العنيفة معاملة مهذبة وهادئة.
ومع استمرار التظاهرات المؤيدة لفلسطين، بات إدخال ضباط إنفاذ القانون من الخارج إلى الحرم الجامعي أمراً طبيعياً بشكل مطّرد في نظام جامعة كاليفورنيا. وفي 5 أيار/ مايو 2024، كتب لامين سيكا، رئيس شرطة جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، إلى دورية الطرق السريعة في كاليفورنيا: "يُطلب المساعدة في إخلاء مخيم احتجاجي في حرم جامعة كاليفورنيا في سان دييغو". فدخلت دورية الطرق السريعة في كاليفورنيا، بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا في سان دييغو ومكتب شرطة مقاطعة سان دييغو، الحرم الجامعي بكامل معدات مكافحة الشغب في 6 أيار/ مايو، واعتقلت عشرات الطلاب المحتجين. (لم يكن واضحاً ما إذا كانت أموال المساعدة المتبادلة لإنفاذ القانون تغطي هذا الانتشار، ولم تستجب جامعة كاليفورنيا في سان دييغو لطلب موقع "ذا إنترسبت" للتعليق على الأمر).
وقالت سابيا أحمد من منظمة "فلسطين ليغال" (Palestine Legal) إنّ وجود ضباط إنفاذ القانون من الخارج داخل الحرم الجامعي يُغيّر جذرياً ديناميكيات القوة في الاحتجاج. واستدعاء هؤلاء الضباط المُدرَّبين على أساليب العنف إلى الحرم الجامعي، واستخدامهم هذه الأساليب ضد الطلاب يُعد أمراً بالغ الخطورة".
في بعض الحالات، عنى ذلك تطرف الطلاب الذين شاهدوا قوات الشرطة المُسلّحة تعتقل زملاءهم. وفي حالات أخرى، عنى ذلك إصابة متظاهرين سلميين، ولا سيّما في جامعة كاليفورنيا (لوس أنجلس)، وفقاً لطلاب وأعضاء هيئة تدريس تحدثوا مع موقع "ذا إنترسبت". في جامعة كاليفورنيا (لوس أنجلس) استغلّ مسؤولو الجامعة أموال خدمات الطوارئ الحكومية لاستدعاء ضباط إنفاذ قانون من الخارج واعتقال عدد لا يُحصى من الطلاب، ما أسفر عن إصابة الكثير منهم. ولم تستجب جامعة كاليفورنيا (لوس أنجلس) لطلب "ذا إنترسبت" للتعليق على هذه الحادثة.
وقال ديلان كوبش، طالب دكتوراه في السنة الخامسة بجامعة كاليفورنيا (لوس أنجلس) لموقع "ذا إنترسبت": "كانوا يُظهرون لنا مستوى التسليح داخل هذه الأقسام. حتى منذ إقامة المخيم، ازداد حضورهم وتعاونهم مع أقسام أخرى بشكل ملحوظ".
وفي مواجهة هذا القمع، قال كوري سيلور، مدير الأبحاث والمناصرة في مجلس العلاقات الأميركية – الإسلامية (CAIR): "يتمتع هذا الجيل من طلاب الجامعات بشجاعة استثنائية ومبادئ راسخة. فقد كانوا على استعداد للتضحية بالتعليم والمهنة من أجل التمسك بقيمة إنسانية بسيطة للغاية، وهي أن الإبادة الجماعية خطأ، والاحتلال خطأ، والفصل العنصري خطأ".
لقد شكّلت المعسكرات المؤيدة لفلسطين أزمةً دعائية لرؤوساء الجامعات، ما أجبرهم على الاختيار بين احتمالات تراوح بين السماح للاحتجاجات السلمية بالاستمرار وبين قمعها باستخدام القوة الكاملة من جانب الشرطة. وقد اختارت الجامعات الخيار الأخير بشكل شبه حصري. وبتشجيع من حكومة الولاية، تعاملت جامعات كاليفورنيا الحكومية مع احتجاجات الطلاب بمعارضة أقل وبطريقة أشبه بكارثةٍ طبيعية.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.