"هآرتس": بايدن وضع نتنياهو أمام مفترق طرق

رغم زيارة رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي للبيت الأبيض، لكن الزيارة المهمة فعلاً كانت للكاتب الصحفي توماس فريدمان، الذي حصل من بايدن على رسالة مهمة إلى نتنياهو طالبه فيها بوقف التشريع القضائي.

  • ينأى البيت الأبيض عن دعوة نتنياهو إلى زيارته بخلاف التقليد
     الزيارة التي لم تكن هي زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض

نشرت صحيفة "هآرتس" مقالاً كتبه ألون بينكاس المستشار سياسي، والقنصل الإسرائيلي في نيويورك سابقاً، تحدث فيه عن أهمية الرسالة التي أوصلها توماس فريدمان إلى "إسرائيل" من الرئيس الأميركي جو بايدن.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

كانت واشنطن على الدوام كأس البطولة المقدس لسياسيين إسرائيليين، من ناحية رؤساء الحكومة، أول سفر إلى واشنطن كان بمثابة حفل تتويج غير رسمي وكل سفر بعده كان دراماتيكياً، أو "تاريخياً"، وبالتأكيد يُقدّم على أنه ذو أهمية سياسية محترمة وكتعزيز للحلف الاستراتيجي، وهلم جرا. لكن واشنطن لم تكن أبداً "ديزني وورلد" السياسة الإسرائيلية مثلما كانت في هذا الأسبوع، كله حول قضية "الزيارات". 

في الواقع، إنها ثلاث زيارات في البيت الأبيض: الزيارة التي لم تكن، من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والزيارة التي كانت، من الرئيس إسحاق هرتسوغ، والزيارة التي تبين أنّها مهمة فعلاً، من توماس فريدمان، من نيويورك تايمز، وعدم زيارة نتنياهو عتّم على زيارة هرتسوغ، ما دفع الرئيس إلى جعل رسالة فريدمان الموضوع المركزي.

والتضخيم غير المبرر لزيارة هرتسوغ في الإعلام الإسرائيلي، فقط لأن نتنياهو لم تُوجّه إليه دعوة، وُضع في التناسب الصحيح فقط عندما نُشرت مقالة فريدمان، صباح أول أمس. 

إذا كان لدى أحدهم أمل، أمنية أو وهم بأن زيارة هرتسوغ ستعدّل الأزمة في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، تبين أن ذلك خطأ من أساسه. الأزمة في العلاقات حقيقية، جوهرية، وتتصل بجوهر العلاقات: "قيم مشتركة". التصفيق الجميل الذي ناله هرتسوغ خلال كلمته في الكونغرس أمس هو دلالة على صداقة أساسية وعلى دعم إسرائيل – لكنها لا تثلم الشروخ.

ولفت المقال إلى أنّ مشكلة إدارة بايدن هي نتنياهو، وغياب الثقة التي عمل عليها بجهدٍ كبير في واشنطن لسنوات طويلة؛ وتركيبة ائتلافه المتطرف والخلاصي؛ والانقلاب على النظام والحرب على الديمقراطية؛ والسياسة في المناطق (الفلسطينية المحتلة – الضفة) التي تلامس الضم الفعلي. هذه العوامل ليس فقط أن رئيساً من دون صلاحيات تنفيذية أو تأثير ما على السياسة لا يمكنه تغييره. 

وعندما يقول الرئيس الأميركي "إذا تبين أننا لا نتشارك نفس القيم الديمقراطية، سيكون من الصعب إقامة منظومة علاقات خاصة صانتها إسرائيل والولايات المتحدة على مدى 75 سنة إلى 75 سنة إضافية"، فإنّ نوعية وفرادة علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل، على الرغم من عدم التناظر بينهما، وُلدتا على خلفية الحرب الباردة.

وتقوم هذه العلاقة على أساسين: الأول، مظلة سياسية متواصلة صلبة وموثوقة تمنحها الولايات المتحدة لـ "إسرائيل" في مؤسسات دولية، حتى عندما تكون سياسة "إسرائيل" تتعارض مع السياسة المعلنة للولايات المتحدة؛ والثاني، التزام مستمر بأمن "إسرائيل"، بـ "تفوق نوعي نسبي" وقدرة وصول أولى إلى منظومات أسلحة وأبحاث وتطوير وتكنولوجيا. هذان الأساسان يستندان إلى "قيم مشتركة". 

ومصطلح "قيم مشتركة" ليس شعاراً ملصق على سيارة. ومن دون هذه النواة ليس للعلاقات أهمية استراتيجية نوعية تختلف عن علاقات الأميركية – التركية أو اليابانية. لذلك، عندما يكون الرئيس (الأميركي) على قناعة بأن "إسرائيل" تنسحب من منظومة القيم هذه وتصبح أكثر شبهاً بتركيا أو هنغاريا، إنه يفقد صبره، لأن "إسرائيل" لا تزال مهمة للولايات المتحدة. 

وحديث بايدن مع فريدمان في البيت الأبيض لا ينبغي ان يفاجئ أحداً في "إسرائيل". إنه منهجي مع سياسة الإدارة منذ إقامة حكومة نتنياهو في كانون الأول/ديسمبر 2022، وخصوصاً منذ الإعلان عن "الإصلاح القضائي". عدم دعوة نتنياهو إلى واشنطن تصبح أكثر بروزاً كلما مر الوقت، وزيارة الرئيس هرتسوغ جذبت إليها أضواء غير مُثنية.

وطوال أشهر وبايدن يحذّر من أن هناك ثمن لسياسة نتنياهو وواجه تجاهلًا في أفضل الأحوال، وفي أسوأها ردود حربجية فظة من الوزراء وأعضاء الكنيست سليطي اللسان.

وغضب وإحباط نتنياهو من زيارة هرتسوغ مبررين. زيارته، التي كان هدفها إلقاء كلمة قبل سنة في الكونغرس في جلسة احتفالية إحياء لذكرى 75 سنة من استقلال "إسرائيل"، تحولت إلى زيارة سياسية فيها لقاءات مع الرئيس الأميركي ونائبته ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ومع سكرتير الأمم المتحدة. 

وبالتأكيد على خلفية عدم زيارة رئيس الحكومة. بايدن شخّص المشكلة، وتحدث هاتفياً مع نتنياهو. وانظروا للعجب، الأمر الوحيد الذي عرفه نتنياهو من المكالمة هو أن بايدن دعاه أخيراً أخيراً. لكن في بيان البيت الأبيض ليس هناك أي ذكر لدعوته أو زيارة، بل إقرار شفهي بأنهما "سيلتقيان في الولايات المتحدة في المستقبل". وليس بالضرورة في واشنطن وليس واضحاً متى، ربما في أيلول/سبتمبر بما يُسمى "على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة" – التي يلتقي فيها الرئيس الأميركي بـ 50 – 60 رئيس دولة في لقاءات مدتها 10 – 15 دقيقة على الأكثر. 

لقد وضع بايدن نتنياهو أمام مفترق طرق. أثنى على الاحتجاج في "إسرائيل"، وحذّر من استمرار التشريع من دون "توافقٍ واسع" وحذر من أن ذلك سيكون له ثمن.

والآن يجب على نتنياهو أن يقرر: هل يجمّد التشريع بضغط الولايات المتحدة أم يستمر، على فرض أنه سبق ودفع الثمن. إنه مخطئ. لم يدفع الثمن بعد.