الجيش الإسرائيلي والحرب على غزة: أزمة تشكيل الاحتياط وتحدياتها

الجيش الإسرائيلي يواجه أزمة حادة في حشد قوات الاحتياط مع انخفاض الاستجابة، تفاقم أزمة الثقة والخسائر البشرية، إضافةً إلى الضغوط العائلية والنفسية وفشل تجنيد الحريديم.

  • جنود من قوات الاحتلال الإسرائيلي (أرشيف)
    جنود من قوات الاحتلال الإسرائيلي (أرشيف)

في ضوء الحديث عن الاستعدادات لاحتلال مدينة غزة، يواجه الجيش الإسرائيلي تحديات على صعيد حشد قوات الاحتياط واستمرارية التعبئة العسكرية. وتتشابك في هذا السياق معطيات عدة، بدءاً من الاستجابة المحدودة لأوامر الاستدعاء، مروراً بأزمة ثقة بين الجنود والقيادة السياسية والعسكرية، وصولاً إلى التحديات النفسية والجسدية التي يُعاني منها الجنود، وأخيراً الخلافات المجتمعية حول التجنيد، ولا سيما في صفوف الشبان الحريديم.

الجيش الإسرائيلي يتلاعب بالمعطيات

شرع الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي، بحسب مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، يانيف كوبوفيتش، باستدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط، ضمن الاستعدادات لعملية "عربات جدعون 2" التي تستهدف احتلال مدينة غزة. حيث حضر نحو 40 ألف جندي احتياط إلى قواعد التدريب والفرز، للالتحاق بالجبهات المختلفة، معظمهم سبق أن خدموا مئات الأيام منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وطلب منهم الاستعداد لخدمة إضافية تمتد لثلاثة أشهر، قابلة للتمديد حسب تطورات القتال.

صحيفة "هآرتس" أشارت في تقرير لها إلى أنه في ظل مخاوف الجيش الإسرائيلي من انخفاض نسب الاستجابة لدى الجنود المنهكين، أدار عملية معقدة لرفع معدلات الالتحاق، ولو على مستوى الأرقام فقط، حيث جرى الاتصال مسبقاً بالمرشحين لتأكيد قدرتهم ورغبتهم في الاستجابة، ثم صدرت أوامر التحاق فقط لأولئك الذين أبدوا استعدادهم للحضور. لذلك، تُظهر البيانات الرسمية أرقام التزام مرتفعة، لكنها لا تشمل الجنود الذين رفضوا المشاركة مسبقاً. ووفق تقديرات قادة الاحتياط، انخفضت نسبة الحضور بنحو 50% مقارنةً ببداية الحرب، حيث تُحسب نسبة الالتحاق من خلال مقارنة الأوامر المرسلة بعدد من حضر فعلياً، وليس من عدد المؤهلين للاستدعاء، وهنا تكمن خدعة الجيش.

وعلى الجانب الآخر، تسلّط وسائل الإعلام الموالية للحكومة الضوء على ارتفاع الحافزية القتالية، حيث أشارت صحيفة "إسرائيل هيوم"، إلى أن أكثر من 70% من المجندين الجدد في دورة آب/أغسطس 2025 أعربوا عن رغبتهم في الخدمة القتالية، وهو رقم قياسي مقارنة بالفترات السابقة. ومع ذلك، يتوقع الجيش تراجعاً في الدافعية مع انحسار القتال وتعميق الانقسامات الداخلية.

جنود الاحتياط وأزمة الثقة مع القيادة

تحدثت تقارير إسرائيلية عديدة عن وجود أزمة ثقة متفاقمة بين جنود الاحتياط والقيادة السياسية والعسكرية، ما يعيق الاستجابة لأوامر الاستدعاء. ووفقاً لتقرير أعدته القناة "الـ13" الإسرائيلية، يتردد العديد من الجنود في التجاوب مع الدعوات للالتحاق بسبب غموض الأهداف السياسية للقتال ووجود خلافات عميقة بين القيادة السياسية ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، الفريق إيال زمير، حول استراتيجية احتلال غزة، وذلك بعد أن تسرّبت هذه الأزمة إلى صفوف الجيش، حيث سُمح لقادة الاحتياط بالاستماع إلى اعتراضات الجنود قبل بدء العمليات القتالية. ومؤخراً، وقّع نحو 350 جندي احتياط بياناً يعبرون فيه عن رفضهم المشاركة في عملية احتلال غزة، معتبرين استمرار الحرب غير مشروع ويضر بالمصالح الوطنية والأمنية، لا سيما في ما يتعلق بالأسرى والمدنيين. وإضافة إلى ذلك، شهدت الفترة الأخيرة، بحسب صحيفة "هآرتس"، تنظيم مخيمات احتجاجية أمام وزارة الأمن والكنيست، مطالبة بوقف العمليات العسكرية وفتح حوار سياسي لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى بسلام.

وتواجه قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بحسب التقارير التي تنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تراجعاً ملموساً في عدد الجنود المستجيبين لأوامر الالتحاق، إذ انخفضت نسبة الحضور إلى نحو 50% مقارنة ببداية الحرب. هذا النقص دفع الجيش إلى إعادة هيكلة الألوية والكتائب لتغطية الفجوة التي تُقدَّر بنحو 12 ألف جندي، والناجمة عن خسائر قتالية فادحة تجاوزت الـ900 قتيل وإصابات متزايدة على كل الجبهات منذ بداية حرب "سيوف حديدية".

جنود الاحتياط والمشاكل العائلية والنفسية

أعدت دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل استطلاعاً، نشرت نتائجه قناة "i24NEWS" الإسرائيلية، تبين خلاله من خلال فحص تأثير خدمة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على جنود الاحتياط وعلى أزواجهم وزوجاتهم، أن نحو 34% من عائلات جنود الاحتياط عانت من صعوبة اقتصادية، لترتفع النسبة لدى عائلات الجنود في سلاح البر لتصل إلى 37%. كما تبين أن 77% من النساء المستقلات بأعمالهن، واللواتي يخدم أزواجهن في سلاح البر، أفدن بتضرر أعمالهن، مقارنة بـ70% ممن يخدم أزواجهن في سلاح الجو أو البحر، و67% في الأذرع الأخرى. أما النساء الموظفات اللواتي يخدم أزواجهن في سلاح البر، فقد أفاد 34% منهن بتضرر رواتبهن، و28% بتضرر وضعهن المهني. كما أظهر التقرير أن نحو 10% من زوجات الجنود اللواتي كن موظفات قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لا يعملن اليوم.

وإضافة إلى الإصابات الجسدية والمشاكل الاقتصادية، يُعاني عدد كبير من الجنود من اضطرابات ما بعد الصدمة، وفقاً للمحرر في صحيفة "معاريف"، كارميت سابير-فايتس، حيث تم توثيق أكثر من 27 ألف حالة يتلقون العلاج حالياً، مع تسجيل إجمالي إصابات يصل إلى نحو 100 ألف (منذ بداية الحرب)، أغلبها صُنّفت كنفسية. كما أن نظام التأهيل النفسي يواجه أزمات كبيرة من حيث نقص الكوادر والبطء في الإجراءات، بالإضافة إلى تصنيف غير كافٍ لجنود الصدمة النفسية، حيث يُعتبرون معاقين بنسبة 50% فقط وليس بنسبة 100% كما يطالب المصابون نفسياً.

ووفقاً لتقديرات قسم إعادة التأهيل في وزارة الأمن، حتى العام 2028 سيُعالج القسم 100 ألف إصابة، منهم نحو 50 ألف مصاب نفسياً (في كل حروب إسرائيل). "ويُعد هذا أسرع ارتفاع في عدد الجرحى في تاريخ حروب إسرائيل". وعلى خلفية هذا الارتفاع، أعلن وزير الأمن ووزير المالية، صباح، عن تشكيل لجنة جماهيرية مشتركة، بهدف توسيع الاستجابة الوطنية لتحسين علاج وتأهيل جرحى الجيش الإسرائيلي.

الحريديم وعدم الحافزية لخدمة الاحتياط: التحاق 50 شخصاً من أصل 80 ألف حريدي مؤهل للخدمة

تطرقت الإذاعة الإسرائيلية في تقرير لها إلى مشكلة تجنيد الحريديم (طلبة العلوم الدينية) المزمنة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي، مع إصرار الشباب الحريدي على رفض الخدمة الإلزامية وربط ذلك بعوامل دينية شرعية، إلى جانب أسباب سياسية واجتماعية. وتشكل نسب تجنيد الحريديم مصدر قلق واضح للجيش الإسرائيلي، حيث لم تصل أعداد المجندين في لواء "حشمونائيم" (التسمية تحمل بُعداً دينياً–تاريخياً) المخصص لهم إلى التوقعات، إذ من أصل 120 شاباً كان يتوقع أن يلتحقوا بدورة التجنيد الأخيرة، لم يتجاوز العدد الفعلي الـ50 شخصاً، من أصل 80 ألف حريدي مؤهل للخدمة الإلزامية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك