القرار 2797 ومستقبل الصحراء الغربية: بين دبلوماسية الحكم الذاتي وتحديات التأويل

نجحت الولايات المتحدة في تمرير القرار 2797، وجعل "مقترح الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية" مرجعاً للتفاوض بين الأطراف المتنازعين في الصحراء الغربية، لكن القرار يتضمن مفردات وصيغاً قابلة لقراءات متعددة، فما هو هدف واشنطن الحقيقي؟

  • توتر بين الجزائر وإسبانيا بسبب قضيّة الصحراء الغربية
    توتر بين الجزائر وإسبانيا بسبب قضيّة الصحراء الغربية

يُعَدّ الصراع في الصحراء الغربية إحدى أقدم قضايا تصفية الاستعمار، ومن أطول صراعات مرحلة الحرب الباردة التي لم تجد حلاً منذ عام 1975 وحتى اليوم. ويجري هذا الصراع بين المملكة المغربية، التي تعتبر الإقليم جزءاً من ترابها الوطني وقد استرجعته بعد جلاء القوات الإسبانية، وبين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، التي تطالب باستقلال الإقليم وإقامة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

رحلة الوساطات: من الرياض إلى نيويورك في محاولة لحل النزاع

مع تصاعد حرب الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، شهدت المنطقة سلسلة من لحظات الحوار والمفاوضات ومحاولات الوساطة الهادفة إلى وضع حدّ لهذا النزاع. فقد جرت خلال ثمانينيات القرن الماضي عدة مبادرات للوساطة، من بينها تدخل العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، الذي استضاف في الرياض مناقشات بين الطرفين المتحاربين، غير أنها لم تُفضِ إلى حل.

وفي 5 شباط/فبراير 1989، استقبل ملك المغرب الحسن الثاني وفداً من قيادات جبهة البوليساريو في القصر الملكي بمراكش، إلا أن المحادثات لم تحقق أي تقدّم. وتكرّر اللقاء لاحقاً في الرباط مع الملك محمد السادس، الذي كان آنذاك ولياً للعهد.

وفي سبتمبر/أيلول 1991، توصّل المغرب والبوليساريو، برعاية الأمم المتحدة، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نزاع مسلح دام بين عامي 1975 و1991 وخلّف عشرات الآلاف من الضحايا من الجانبين. وتمّ إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو MINURSO) المكلفة أساساً بتنظيم استفتاء لتقرير مصير سكان الإقليم وحفظ السلام، إلا أنّ هذا الاستفتاء لم يُجرَ بسبب الخلاف حول من يحق له المشاركة في التصويت. وقد تزامن ذلك مع حالة تقارب مغربي - جزائري أعقبت تأسيس الاتحاد المغاربي سنة 1989.

أما الحوار الأكثر رسمية بين المغرب والبوليساريو فكان تحت رعاية الأمم المتحدة خلال الفترة 2007–2008 في مانهاست قرب نيويورك. بدأت المفاوضات في 18 حزيران/يونيو 2007 بمشاركة المغرب والبوليساريو إلى جانب الجزائر وموريتانيا. ورغم غياب التقدّم الملموس، اتفق الطرفان بعد يومين من المحادثات على عقد جولة أخرى في آب/أغسطس 2007. وقدّم المغرب خلال هذه الجولة مبادرة الحكم الذاتي التي تمنح سكان الصحراء إدارة شؤونهم المحلية تحت السيادة المغربية، غير أنّ الجبهة رفضتها متمسكة بإجراء استفتاء لتقرير المصير.

وفي عام 2020، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء عقب توقيع المغرب اتفاقيات أبراهام والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وقد مهّد هذا الاعتراف الأميركي لتحول في مواقف عدد من الدول، مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، التي بدأت تنظر إلى مقترح الحكم الذاتي باعتباره إطاراً عملياً وواقعياً لحل قضية الصحراء الغربية.

اقرأ أيضاً: الجزائر تنفي مشاركة "الصحراء الغربية" في أعمال القمة العربية

القرار الأممي 2797: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية

يمثل القرار الأممي رقم 2797، الصادر في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2025، تحولاً مهماً في مسار النزاع حول الصحراء الغربية، إذ يدعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي قدّمه المغرب للأمم المتحدة عام 2007، باعتباره أساساً للمفاوضات المستقبلية. ويرى القرار أن منح الصحراء الغربية "حكماً ذاتياً حقيقياً" في إطار السيادة المغربية يشكل الحل الأكثر واقعية وجدوى لنزاع مستمر منذ ما يقارب 50 عاماً، كما شجّع الطرفين على تقديم مقترحات وأفكار تدعم التوصل إلى حل نهائي مقبول من الجانبين. ودعا الأطراف المعنيين إلى الانخراط في مفاوضات جادة تستند إلى هذا المقترح، كما جدد القرار ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO) لمدة عام إضافي. 

ويعطي القرار 2797 انطباعاً بأنه يشكل انتقالاً من أطروحات "الاستفتاء وتقرير المصير" نحو مقاربة ترتكز على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مع الحفاظ في الوقت ذاته على "مبدأ تقرير المصير" كإطار تفاوضي رئيسي.

التأويلات المفتوحة: رهانات البوليساريو والمغرب

تضمّن القرار الأممي مفردات وصيغاً قابلة لتأويلات متعددة، من شأنها أن تثير الكثير من النقاش بين الأطراف المعنيين بالحل، وقد تعقّد بدورها مسار التسوية وتُفشل المفاوضات. فالقرار يشير إلى "الحكم الذاتي الحقيقي" ويطالب المغرب بتقديم تصور واضح له، كما يتحدث عن "تقرير المصير للشعب الصحراوي" من دون تحديد الآلية التي سيُنجز بها.

وقد ترى جبهة البوليساريو أن "الحكم الذاتي الحقيقي" هو ذلك الذي يُتبع في نهاية مساره بإجراء استفتاء لتقرير المصير قد يفضي إلى استقلال الإقليم بعد فترة انتقالية، مستندةً في هذا التأويل إلى مفردتي "حقيقي" و"تقرير المصير" وإلى سوابق دولية، كما حدث في السودان حين أدى الاستفتاء إلى انفصال الجنوب، وفي إندونيسيا بعد انفصال تيمور الشرقية.

في المقابل، لن يقبل المغرب بهذه التأويلات، وسيطالب بضمانات تحول دون أن يتحوّل الحكم الذاتي إلى خطوة نحو الانفصال. فالمغرب يعتبر، أولاً، أن القبول بالحكم الذاتي بحد ذاته يمثل شكلاً من أشكال تقرير المصير. وثانياً، يستند إلى سابقة أقرتها الأمم المتحدة في إقليم آتشيه الإندونيسي، حيث خاضت "حركة آتشيه الحرة" صراعاً مسلحاً ضد الحكومة منذ عام 1979، قبل أن يتحقق السلام في أغسطس/آب 2005 إثر مفاوضات في هلسنكي. وقد قبلت الحركة حينذاك بشرط الحكومة الإندونيسية بالتنازل النهائي عن فكرة الاستفتاء من أجل الاستقلال بعد فترة انتقالية، والتخلي كلياً عن مطلب الانفصال، مقابل منح الإقليم حكماً ذاتياً واسع الصلاحيات.

اقرأ أيضاً: لماذا اعترف كيان الاحتلال بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؟

القرار 2797 لم يحسم النزاع حول الصحراء الغربية

يمكن القول إن الصراع في الصحراء الغربية يشبه مباراة في الملاكمة تتكون من عدة جولات؛ وقد انتهت الجولة الأولى منها بانتصار المغرب بالنقاط لا بالضربة القاضية. فليس هناك ما يؤكد أن شيئاً قد حُسم نهائياً، ولم يكسب المغرب قضية الصحراء كلياً بعد، إذ ما تزال هناك جولات سياسية ودبلوماسية طويلة تتطلب نفساً طويلاً وحنكة كبيرة في إدارة مرحلة المفاوضات.

وقد جاء خطاب الملك محمد السادس عقب صدور القرار الأممي 2797 بعيداً عن لغة المنتصرين دبلوماسياً، انسجاماً مع قناعته بأن الحل السياسي النهائي لقضية الصحراء يجب ألا يقوم على معادلة "غالب ومغلوب"، بل على صيغة يخرج منها الجميع رابحين. ومن هذا المنطلق، حمل الخطاب دعوة إلى حوار أخوي بين المغرب والجزائر، وجّهها الملك إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بهدف تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة قائمة على الثقة وروابط الأخوة وحسن الجوار، بما يفتح آفاقاً مستقبلية لفضاء مغاربي متكامل.

كما تضمّن الخطاب نداء مواطنة موجهاً إلى الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف للعودة إلى وطنهم والمساهمة في 

بنائه، مؤكداً أن "جميع المغاربة سواسية، ولا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وإخوانهم داخل أرض الوطن".

اقرأ أيضاً: وكالة التنمية الفرنسية تستثمر في الصحراء الغربية "الخاضعة للمغرب"

المغرب وتحدي الإصلاح

ليس التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب اليوم هو الحصول على الاعتراف الدولي بالمرجعية القانونية للحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء الغربية، بل يكمن في الاستعجال الضروري للقيام بالإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة، حتى يكون التصور الذي سيقدمه المغرب للحكم الذاتي تصوراً ذا مصداقية وواقعية. ومن أبزر الإصلاحات المطلوبة: 

أولاً: الإصلاحات الدستورية

إن منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً يستلزم بالضرورة إجراء تعديل دستوري يعيد تعريف المغرب بوصفه دولة ذات إقليمين: إقليم شمال الصحراء الغربية، وإقليم الصحراء الغربية. ومع استثناء رموز السيادة، سيحظى الإقليمان معاً بحكم ذاتي واسع الصلاحيات.

وهذا يعني أن البلاد ستكون أمام حكومتين وبرلمانين واقتصادين، وحتى نموذجين للتنمية، مراعاةً للخصوصيات البيئية والاجتماعية لكل إقليم. كما سيقتضي ذلك الانتقال من ملكية تنفيذية أو شبه تنفيذية إلى ملكية برلمانية أو شبه برلمانية، يسود فيها الملك ولا يحكم، على غرار الملكيات الأوروبية المعاصرة.

ثانياً: الإصلاح السياسي

نتيجة ما عُرف بـ"الحرب الاستباقية على الإرهاب" وفي سياق صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي كقوة سياسية متنامية، دخل المغرب منذ عام 2003 في ترتيبات سياسية أعادت عقارب الساعة السياسية والحقوقية إلى الوراء، وأدت إلى تراجع مؤشرات الديمقراطية. فقد شهدت هذه المرحلة اعتقالات تعسفية على خلفية "قانون الإرهاب"، وحلّ حزب "البديل الحضاري" بصورة غير قانونية، والتضييق على عدد من المنظمات الحقوقية.

غير أن هذا المسار التراجعي توقف مع اندلاع "الربيع العربي"، حيث أقدم القصر على إطلاق إصلاحات دستورية، وأُفرج عن عدد من المعتقلين السياسيين، وأُجريت انتخابات لم يُطعن في  نزاهتها من أي طرف.

لكن بعد انتخابات 2012 وتشكيل الحكومة برئاسة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، عاد مؤشر الديمقراطية للتراجع. فقد جرى عرقلة عمل الحكومة، وتعرضت تحركات شعبية في عدد من المدن للقمع، وامتلأت السجون بناشطي هذه الحركات، واعتُقل صحافيون ومدونون على خلفية منشوراتهم، ولعب القضاء دوراً سلبياً بارزاً خلال هذه الفترة.

إن المغرب، وهو يمدّ يده إلى الصحراويين في مخيمات تندوف ويدعوهم للعودة إلى الوطن، مطالب أولاً بإرسال رسائل طمأنة حقيقية عبر إحداث انفراج سياسي داخلي وتحقيق مصالحة وطنية شاملة تُعيد البلاد إلى مسارها الديمقراطي، ووضع أسس لحكم رشيد يقوم على الحرية والعدالة والكرامة واحترام حقوق الإنسان، إضافة إلى قضاء مستقل وعادل.

اقرأ أيضاً: أوروبا المُعادية لقضية الصحراء الغربية

هدف واشنطن من تمرير القرار 2797

إذا كانت الولايات المتحدة، صاحبة إعداد القرار 2797، قد نجحت في جعل "مقترح الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية" مرجعاً للتفاوض بين الأطراف المتنازعين في الصحراء الغربية، فإن تضمين القرار مفردات وصيغاً قابلة لقراءات متعددة يثير بالفعل سؤالاً جوهرياً: هل كان هدف واشنطن إيجاد حل فعلي لقضية الصحراء عبر طرح أرضية قابلة للتنفيذ، أم أنها سعت بذكاء إلى التخلص من تبعات اعترافها بمغربية الصحراء، وهو الاعتراف الذي ربما أضرّ بمصالحها في الجزائر، وذلك من خلال دفع الحل نحو قرار أممي صِيغ بقلمها، يضع الحكم الذاتي في الواجهة من دون أن يحسمه كخيار وحيد، ويؤكد في الوقت نفسه انفتاحه على مقترحات أخرى؟ الأيام كفيلة بكشف ما وراء ذلك.

ومهما يكن موقف البوليساريو والجزائر من القرار الأممي 2797، فإن الضرورة تقتضي أن يباشر المغرب والجزائر حواراً ثنائياً حول مستقبل العلاقة بينهما، حواراً يركّز على المصالح المشتركة ويهيئ لبناء وحدة وتكامل اقتصادي مغاربي. وقد يشكل هذا الحوار مناسبة لبحث عرض مغربي يمكّن الجزائر من تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية في حال جرى حل قضية الصحراء الغربية وفق آلية الحكم الذاتي.

اقرأ أيضاً: هل يحسم مجلس الأمن الصراع في الصحراء الغربية؟

اخترنا لك