في حرب المسيّرات.. كيف صدّع حزب الله نظرية "التفوق الجوي" الإسرائيلي؟

إسقاط حزب الله للمُسيّرات الإسرائيلية بشكلٍ متكرر، واستمرار تنفيذه عملياتٍ ناجحة بالمُسيّرات في كيان الاحتلال شكّلا مفاجأة لقيادة الاحتلال وأجهزته الاستخبارية. وعليه، كيف صدّعت المقاومة الإسلامية في لبنان نظرية "التفوق الجوي" للاحتلال؟

  • حزب الله
    التفوّق الجوي ليس حكراً على "إسرائيل"

شكّل نجاح الدفاع الجوي للمقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) في إسقاط 7 طائرات إسرائيلية مُسيّرة (5 من نوع هرمز، و2 من نوع سكاي لارك)، وفي إجبار المقاتلات الإسرائيلية على مغادرة سماء لبنان، واستهداف الحزب مواقع الاحتلال بالمسيرات الانقضاضية والهجومية، متغيّراً نوعياً أحدث فارقاً في مجرى العمليات خلال المعركة الدائرة منذ 248 يوماً.

هذا المتغيّر النوعي يتمثّل بشقين. الأول تهديد حركة سلاح الجو الإسرائيلي في السماء اللبنانية، المسؤول عن الاغتيالات والعدوان على المدنيين، الأمر الذي شكّل مفاجأة لقيادة الاحتلال وأجهزته الاستخبارية والعملياتية، ولاسيما أنّ المعركة تدور في المجال الجوي، بعد أن كان الاحتلال يحتكر هذا المجال منذ احتلاله فلسطين عام 1948.

الشق الثاني يتعلق باستهداف مواقع الاحتلال بالمسيّرات، وهو ما يعني أنه بات لحزب الله سلاح نوعي قادر على زعزعة ما كان يسميه الاحتلال "التفوق الجوي". فماذا في دلالات هذا التطور النوعي لسلاح المقاومة إذاً؟

رسائل نوعية

نجحت المقاومة الإسلامية في لبنان في مفاجأة الاحتلال الإسرائيلي وزعزعة أمنه في ملحمة "طوفان الأقصى"، وخصوصاً فيما يتعلق بحرب المسيرات، وقدرتها على استهداف طائرات الاحتلال، بما فيها الأكثر تطوراً، وفي فرضِ قيودٍ جدّية على الهامش العملياتي على هذا السلاح.

وفي إطار فرض القيود على الاحتلال الإسرائيلي، فإنّ المقاومة صفعت التفوّق الجوي الإسرائيلي، ليس فقط عبر المُسيّرات، بل استهدفت مراكز التحكّم في الطائرات أيضاً، مثل قاعدتي "ميرون" و"غيبور". ونجحت أيضاً في إسقاط مناطيد التجسس.

وتؤدي المسيّرات الإسرائيلية دوراً رئيساً في الاغتيالات في لبنان وفلسطين وغيرهما، وتتمتّع بهامش واسع في الكشف والاستهداف والمناورة، وتتميّز بتقلّص الفترة الزمنية بين الكشف الاستخباري والاستهداف العملياتي. لذلك، كان الاحتلال يَعُدّها خلال أعوام مضت "السلاح الناجع ضد المقاومة".

وفي وقتٍ سابق، قال محلل الميادين لشؤون لبنان والمقاومة، عباس فنيش، إنّ "المقاومة في لبنان تُحاول مقارعة الاحتلال، ولاسيما في المجال الجوي، وفق مبدأ العين بالعين"، لافتاً إلى أنّ "الإزعاج الذي تقوم به المقاومة تجاه المقاتلات الاسرائيلية قد يتحوّل إلى خطر".

لذلك، يخشى الاحتلال الإسرائيلي أن يؤدي رد الفعل التصعيدي (استهداف المسيرات الإسرائيلية من جانب حزب الله) إلى كسر المعادلة الجوية، التي توهّم أنّه نجح في فرضها، وهو ما وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بـ"الخطير جداً"، وقالت إنّه "يُعطي صورة سيئة جداً عن الجيش الإسرائيلي وعن سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط".

ونتيجة ذلك، يكون حزب الله أرسل رسالةً واضحة إلى "إسرائيل"، مفادها أنّ استهداف المقاومة للمسيرات ومراكز التحكم فيها، وتحييد الطائرات الحربية عن الأجواء اللبنانية، يبدّدان الرهانات الإسرائيلية على "التفوّق الجوي"، عبر تأسيس معادلة مُضادّة، أخطر ما فيها أنّها ستمتد إلى ما بعد انتهاء الحرب.

أضف إلى ذلك، أنّ عمليات المقاومة، ولاسيما الجوية، تنمّ عن إرادةٍ سياسية صلبة تستند إلى قُدرة عسكرية واقعية قادرة على توسيع نطاق الاستهدافات في الجو، كما البر، حتى لو عدّ الاحتلال هذه الضربات تجاوزاً لبعض قواعد الاشتباك التي دمّرت المقاومة أغلبيتها خلال "طوفان الأقصى".

وعلّق المراسل العسكري لموقع "والاه" الإسرائيلي، أمير بوحبوط، على استهدافات حزب الله للمسيرات الإسرائيلية، قائلاً: "سنكون في مشكلةٍ كبيرة إذا فقدنا التفوّق الجوي في لبنان، لأنّ ذلك سيضرّ بصورة كبيرة بقدرات جمع المعلومات الاستخبارية".

تحديات تُواجه "إسرائيل"

تُواجه "إسرائيل" تحدياتٍ متعددة في هذا الإطار، تحدّث عنها مركز "ألما"  الإسرائيلي للبحوث والدراسات، فقال إنّ التحدي الأهم يكمن في "نشاط حزب الله في اكتشاف الثُّغَر في النظام الدفاعي الإسرائيلي، ونشر عدد من نقاط الإطلاق المموهة المُعدة مسبقاً، والطريقة التي تطير بها الطائرة المسيرة نحو هدفها".

ووفقاً لمركز الأبحاث الإسرائيلي، يُنفّذ حزب الله إجراءات تمويهية تجعل من الصعب تحديد مواقع الإطلاق بصورة مُسبّقة، بالإضافة إلى قِصَر مدّة الهجوم الذي ينفذه ضد الطائرات المسيرة، أو مراكز التحكم فيها. كذلك، وضع حزب الله عدداً كبيراً من الطائرات المُسيرة الجاهزة للقتال بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، وأخفاها. وهذا الإعداد المسبق يوفر على حزب الله كثيراً من الوقت في أثناء إعدادها للإطلاق، ويجعل من الصعب للغاية إحباط هجومها.

وأيضاً، يُواجه الاحتلال الإسرائيلي تحدياً يتعلّق بالوقت، أي أنّ مُسيّرات حزب الله موجودة عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، الأمر الذي يُقلل، بصورة كبيرة، من مدّة الرحلة، ويجعل عمل أنظمة الكشف والاعتراض أكثر صعوبة.

وتعليقاً على هذا الواقع، نقل موقع "كلكاليست" الإسرائيلي، عن أحد كبار الضباط في "الجيش"، أنّ مُسيّرات حزب الله تتحدى، منذ بداية الحرب، "الجيش" الإسرائيلي، الذي يُواجه صعوبة في اكتشافها، وتحديدها كوسائل معادية، كما يُواجه صعوبة في اعتراضها بسرعة.

وهناك صعوبة أُخرى ذكرها مركز "ألما" تتعلق بطريقة توجيه الطائرة من دون طيار نحو الهدف، وتتمثل إحدى طرائق الطيران في التحديد المسبّق للهدف، ومسار الرحلة، حتى يمكن إكمال الرحلة إلى الهدف بصورة ذاتية التحكم عبر استخدام نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "INS".

ونظام الملاحة بالقصور الذاتي هو وسيلة تُستخدم في توجيه الصواريخ والطائرات والغواصات، ولا تعتمد على المراقبة من الأرض أو الفضاء، أو على إشارات الراديو والرادار، أو أي معلومات خارجية المصدر. ويعتمد هذا النظام على حاسوب وأجهزة استشعار الحركة والدوران للحساب، بصورة مستمرة، عبر تقدير الموضع والاتجاه والسرعة، من دون الحاجة إلى الاعتماد على مراجع خارجية.

وفي وقتٍ سابق، نشر "الجيش" الإسرائيلي حواجز لاعتراض نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" في الشمال لجعل تشغيل الطائرات المُسيّرة وغيرها من الأسلحة الدقيقة أكثر صعوبة. فوفق التقديرات الإسرائيلية، فإنّ حزب الله غالباً يستخدم تقنيات "تجاوز الحواجز" في هذه المنطقة، والتي استخدمتها روسيا بنجاح خلال الأزمة في أوكرانيا.

ويوجد تحدٍّ آخر أيضاً، يتعلق بقدرة حزب الله على استهداف المواقع، بحيث أن يكون هناك مُشغّل يتحكّم في الطائرة في أثناء طيرانها. وعلى الرغم من أنّ بعض مُسيّرات "أبابيل" مُجّهز بكاميرات ترسل الصور إلى مركز التحكم، فإنّ هناك مسيرات استخدمها حزب الله في أيار/مايو الماضي لم تكن تحتوي على كاميرا. ويرجّح التقرير أنّ الطائرة كان يقودها مُشغل وكان على اتصالٍ بصري بهدفه، الأمر الذي يُفقد نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" فعاليته.

على المستوى العملياتي، تواجه "إسرائيل" تحدياً يتعلّق بجمع المعلومات الاستخبارية من جانب حزب الله، ولاسيما أنّ مُسيّراته تتجاوز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، وتُجري مسحاً استطلاعياً للأهداف الاستراتيجية والتكتيكية.

وعلى الرغم من أنّ حزب الله حقق إنجازات بشأن ردع سلاح الجو الإسرائيلي، وأنّ العمليات في جبهة لبنان تتصاعد قبالة الاحتلال على نحو يشكل جبهة إسناد ودعم للمقاومة في قطاع غزّة، فإنّ نتائج الإنجازات ستكون مفاعيلها الأكبر في  مرحلة ما بعد الحرب، بشأن تقييد النشاطين الاستخباري والعملياتي للمُسيّرات الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: حزب الله يفرض المعادلات: لن يعم الهدوء في الشمال قبل وقف العدوان على غزّة

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.