مصر والاحتلال.. صدام بارد حتى إشعار آخر
التصعيد الأخير المتبادل بين مصر و"إسرائيل" مدفوع بالمجاهرة بالسعي إلى تطبيق "إسرائيل الكبرى" والنوايا المتواصلة لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء. أما محاولة اغتيال وفد حماس في قطر فهو ما يثير هواجس القاهرة من أن تصل الوقاحة بالكيان إلى معاودة المحاولة لكن هذه المرة على أرضها في حال استضافتهم.
-
من لقاء سابق بين السيسي ونتنياهو (أرشيف - أ ف ب)
تتصاعد نبرة التهديدات المبطنة بين مصر و"إسرائيل"، بعد محاولة اغتيال الوفد الفلسطيني المفاوض في الدوحة، وسط مناخ كان مشحوناً بالتوتر بالفعل في الشرق الأوسط، ومع تصاعد جدل خافت في الشارع العربي تثيره الاعتداءات الإسرائيلية المتوالية، في لبنان واليمن وسوريا والضفة الغربية، وتأكيد الخطاب الرسمي المصري المتواصل على رفض تفريغ غزة من أهلها، أو دفعهم إلى سيناء.
ونقل موقع جريدة "ذا ناشونال" الإماراتية الحكومية، الناطقة بالإنكليزية، تصريحاً لمصادر بأن مصر طلبت من الولايات المتحدة ضمانات "بعدم إعادة استهداف إسرائيل قادة حركة حماس"، وأن محادثاتها مع قطر وتركيا تناولت مؤخراً، قبل الاستهداف في الدوحة، استضافة مصر قيادات تمثل المقاومة في المفاوضات غير المباشرة، لحمايتهم من الاستهداف، هم زاهر جبارين ونزار عوض الله وحسام بدران، في ضوء "معلومات استخبارية حصلت عليها الأطراف الثلاثة عن خطة إسرائيلية لاغتيال القيادات داخل غزة وخارجها".
وأشارت "ذا ناشونال" إلى تغيّر نبرة التصريحات الرسمية المصرية مؤخراً، واعتماد تصريحات الرئيس ووزارة الخارجية توصيف "الإبادة" لحرب كيان الاحتلال على قطاع غزة، واتهامه بتجويع الفلسطينيين، مع وصف وزير الخارجية المصري هجوم الدوحة بـ"العمل الإجرامي الذي يستدعي المحاسبة". وقال مصدر مصري للجريدة إن حماية القيادات تأتي في إطار الهدف الحالي، وهو الحفاظ على المفاوضات، "في الوقت نفسه لرسالة إسرائيل الواضحة بأنه لا أطراف عربية تمنعها من أن تفعل ما تريد"، وأن مصر لم تتلق رداً بعد، لكن المتوقّع أن تستجيب الإدارة الأميركية. وأكّد لها مصدر مطلع مباشرة على المفاوضات أن الأخيرة توقفت، من دون أفق لاستئنافها قريباً.
بدأ الفصل الحالي من التصعيد المتبادل منذ أقل من شهر، بموازاة تضييق الخناق على سكان غزة، ودفعهم إلى جنوب القطاع حيث الحدود المصرية، وتصريحات أطلقها مسؤولون إسرائيليون عن تطبيق مبدأ "إسرائيل الكبرى". عندما أكّد مصدر عسكري مصري رفيع، لموقع "ميدل إيست آي"، ما تردّد عن حشود مصرية في سيناء، بلغ عددها 40 ألفاً وفق تصريحه، نُشروا في شمال سيناء وعلى الحدود مع فلسطين (المنطقة "ج" طبقاً لمعاهدة كامب ديفيد) بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وقال المصدر إن الطرف الإسرائيلي اشتكى من حجم القوات ووجودها في "مناطق محظورة"، وردّ المصري بأن الإجراء "دفاعي تماماً ويهدف لتأمين الحدود وسط توترات متصاعدة". وفي الخلفية تحذيرات مصرية متكرّرة من الدفع بالفلسطينيين نحو سيناء، وتصاعد لنبرة التهديد بالمواجهة في الإعلام شبه الرسمي المصري.
بعد هجوم الدوحة، وتأكيد نتنياهو نيته إعادة الاستهدافات، نقلت جريدة "الأخبار" عن مصادر دبلوماسية مصرية تحذيراً وجهته مصر إلى الولايات المتحدة، من تنفيذ اعتداء إسرائيلي مماثل على المفاوضين الفلسطينيين في مصر، إذ "ستكون له تداعيات كارثية". كما نقلت تصريحاً بأن الهجوم كان بديلاً لاستهداف آخر، خططت "دولة" الاحتلال لتنفيذه في تركيا، لكنها أحجمت باعتبار إدارة ترامب "يمكنها معالجة الأمر مع الدوحة، بخلاف أنقرة التي ستصعّد بحكم عضويتها في الناتو".
وأشارت المصادر إلى أن التواصل مع "تل أبيب" عاد إلى الاقتصار على المستوى الأدنى، أي اللجنة العسكرية لمتابعة تنفيذ اتفاقية "كامب ديفيد". وأن الاتصالات المصرية مع الولايات المتحدة ركزت على "سبل استئناف مسار التهدئة"، لكن "من دون أي تقدّم في ظل رفض إسرائيلي للاعتذار عما حدث"، وأنه لا أفق لتهدئة مؤقتة أو شاملة مع تواصل المضايقات لشاحنات المساعدات المصرية، التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم.
لم يتأخر رد نتنياهو الضمني، ونقلت عنه القناة 14 الإسرائيلية، الخميس 11 أيلول/ سبتمبر، أن "لا مكان آمناً في العالم للمسؤولين عن 7 أكتوبر"، في إشارة واضحة إلى استضافة مصر وفد حماس. وقال يومها في سياق منفصل، أثناء زيارة إلى مستعمرة "معاليه أدوميم"، إنه يقطع عهداً على نفسه بعدم قيام دولة فلسطينية، مع إعلانه التصديق على خطة E1 لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، واحتلال أراض تعدّها معاهدة أوسلو فلسطينية، متعهداً بمضاعفة تعداد سكان مدينة القدس، التي ستقطع الخطة شطرها الشرقي عن الضفة، ما يعني تجاوزاً نهائياً للمطلب المصري بحل الدولتين، وإقرار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؛ وهو مطلب تتمسك به الجامعة العربية، ودول محور الاعتدال العربي، يقابله تصعيد إسرائيلي متواصل لابتلاع الضفة في آخر عشر سنوات وأكثر.
من جهة أخرى، يمكن اعتبار خطوة نتنياهو، أول الشهر الحالي، بتجميد اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، وربطه "بعدم التزام القاهرة ببنود اتفاقية السلام" وفق قوله، رداً على آخر فصل من المساعي المصرية للتهدئة، الذي اختتمه تعديل اتفاقية الغاز نفسها، بتمديدها حتى 2040 مع تثبيت السعر، قبل إعلان الدفع بالتعزيزات إلى الحدود، أي رفض المعادلة المصرية، التي وضعت تجاوز "كامب ديفيد" عملياً (بزيادة القوات)، مقابل استيراد وتسييل الغاز بصفقة تجارية مربحة للطرفين، مع الحفاظ على غزة أرضاً فلسطينية وعدم تهجير سكانها.
لم يكن غريباً بعد هجوم الدوحة أن تتداول حسابات مصرية، على مواقع التواصل، دعوة السيسي عام 2015 إلى تشكيل قوة عربية مشتركة، لتكون "أداة لمواجهة تحديات الأمن القومي العربي"، وسط تكهنات بالمحطة القادمة للضربات الإسرائيلية، وتصعيد خليجي نسبي، متوقع أن ينتج قراراً هاماً في القمة العربية- الإسلامية المرتقبة. ويبدو أن سياسة التصعيد الإسرائيلي على كل الجبهات، وتكرار التوعد بمهاجمة قطر وغيرها، ثم مطالبتها بإخراج قيادات حماس منها، تدفع مصر إلى مواجهة تجنبتها طويلاً، وخاصةً منذ اجتياح "جيش" الاحتلال رفح، والسيطرة على محور فيلادلفيا على خط الحدود والجانب الآخر من معبر رفح، أي الخرق الواضح لاتفاقية "كامب ديفيد"، وتأخر ردها بالدفع بقوات مدرعة ومشاة إلى المنطقة (ج)، أي خرق الاتفاقية بالمقابل، لأشهر عدة.
يمثل انتهاك الاتفاقية محل صراع محتمل بين الطرفين، وسط تشابكات متنوعة: منها البعد الاقتصادي، الذي ظل بمنأى عن الخلافات إلى أن جمد نتنياهو اتفاقية الغاز، في ضغط واضح على مصر، وانهيار اتفاقية أوسلو وإعادة احتلال الضفة، إذ تطرح الأخيرة "الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية"، والحكم الذاتي الفلسطيني، هدفاً - بالأساس - لحلول السلام بين الطرفين. ما يفتح الباب، مع بدء العملية البرية المرتقبة في القطاع، إلى مواجهة بشأن المنطقتين (ج) و(د) محدودتيّ التسليح، وفقاً لـ "كامب ديفيد"، أو بشأن إقامة قيادات الفصائل في مصر.