نتنياهو عند "أبو علي إكسبرس"

  • رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
    رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

ممّ يخاف نتنياهو؟ سؤال طرحته صحيفة كالكاليست الإسرائيلية على خلفية المقابلة التي أعطاها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يوم الخميس الماضي، لمنصة إعلامية على تلغرام تحمل اسم "أبو علي اكسبرس"، في ضوء مقاطعة نتنياهو لمعظم وسائل الإعلام التقليدية منذ فترة طويلة، بينما يجري مقابلات في قنوات مؤيدة له ومع صحافيين يروجون له، ومن دون أسئلة صعبة.

وإذا كان مجرد إعطاء نتنياهو مقابلة لمنصة إعلامية على تلغرام، وتفضيلها على وسائل الإعلام الإسرائيلية غير اليمينية وغير المؤيدة له، المرئية والمقروءة، قد استوقف المراقبين والأوساط الإعلامية، إلا أن المفارقة الكبرى، والأمر الأكثر إثارة للاستغراب والتساؤل، هو أن يعطي نتنياهو مقابلة مصورة يظهر فيها وحده طوال أكثر من نصف ساعة، ولا يظهر خلالها أبداً المحاور في الصورة، والاكتفاء بصوته، في حالة غير مسبوقة في تاريخ المقابلات التي يجريها رؤوساء حكومة، لا في "إسرائيل" فحسب، بل في العالم كله.

الصورة الوحيدة للمحاور، أبو علي إكسبرس، كانت صورة ثابتة خلفية، يظهر فيها من الخلف صورة محاور يضع قبعةً على رأسه، ولا تظهر أي من ملامح وجهه، خلال الترويج للمقابلة.

فمن هو "أبو علي إكسبرس"؟ هو اسم مستعار لمنصة يديرها " أبو علي"، تهتم بصورة أساسية بأخبار العالم العربي، معروف في "إسرائيل" أنه على صلة بالاستخبارات الإسرائيلية، وأن الاستخبارات هي من تمول وتوجه وتدير هذه المنصة، كوسيلة من وسائل التأثير على الوعي، وبما يخدم الأجندة الإسرائيلية في الحقل الإعلامي، وبما يحقق أهداف حربها النفسية.

وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن قناة "أبو علي إكسبرس" هي واحدة من أكبر القنوات الإسرائيلية على التلغرام، تضم أكثر من نصف مليون متابع. تقدم تغطية مباشرة، مواد حصرية، وتحليلات بالعبرية في قضايا العرب والأمن، خصوصاً عن حماس وقطاع غزة.

وعلى الرغم من أن مشغّل القناة يحافظ على إخفاء هويته على التلغرام، لكن هويته معروفة: هو غلعاد كوهين، ضابط سابق في وحدة منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية. هذه الهوية كشف حقيقتها في آب 2021، الصحافي ينيف كوفوفيتش في صحيفة "هآرتس".

وفي التفاصيل أورد كوفوفيتش، أن كوهين (أبو علي إكسبرس)، كان قد عُيّن سابقاً من قبل "الجيش" الإسرائيلي كمستشار لشؤون "حرب الوعي" على شبكات التواصل. مهمته كانت تحديد وتحليل الاتجاهات البارزة في صفوف السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

ومع بدء مسيرات العودة لحماس والاشتباكات على حدود غزة، اختاره قائد المنطقة الجنوبية حينها، هرتسي هليفي، ليكون مستشاراً في مجال الوعي. كوهين واصل العمل مع الجيش أيضاً تحت إمرة اللواء أليعازر توليدانو، السكرتير العسكري السابق لنتنياهو، الذي جنده للخدمة الاحتياطية.

وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، فإنه إلى جانب التقارير عن غزة، أكثرت قناة "أبو علي إكسبرس" من مهاجمة الصحافيين وأعضاء الكنيست الذين انتقدوا سياسة الجيش تجاه حماس. جزء كبير من منشورات كوهين وُجه لضرب مصداقية هؤلاء الصحافيين الناقدين لقيادة المنطقة الجنوبية.

تجدر الإشارة إلى أنه في البداية كان ممنوعاً نشر الاسم الحقيقي ل " أبو علي إكسبرس"، وظلت هويته خلف القناة سراً. التبرير كان أن كشف هويته قد يعرض حياته وحياة أسرته للخطر، وكذلك أمن الدولة، لأنه كان مطّلعاً على معلومات حساسة، ما يؤكد علاقته بالاستخبارات الإسرائيلية جملة وتفصيلاً.

بعد أن نشرت "هآرتس"، هويته ودوره وارتباطاته، توجه الصحافيون الذين هوجموا عبر منصته إلى هليفي والناطق باسم "الجيش" الإسرائيلي لطلب توضيحات؛ كما طالب اتحاد الصحافيين بتفسيرات.

عندها فقط أمر رئيس الأركان، أفيف كوخافي، بفتح تحقيق، وفي شباط 2022 أعلن إنهاء التعاون مع كوهين. وقال الناطق باسم "الجيش": "تمت مراجعة الإجراءات واستخلاص العبر لتجنب إخفاقات في هذا المجال المعقد. إذا جرى تشغيل مختصين في المجال، فسيتم اتخاذ الحذر المطلوب وفقًا للعبر المستخلصة".

غير أن إعلان "الجيش" إنهاء التعاون مع كوهين، اقتصر على المعلن منها، ولم يمتد ليطال استمرار علاقة جهات استخبارية وأمنية معه، وتشغيله، ولا سيما أنه، بحكم المواد التي يقدمها ويعالجها، يعد جزءاً لا يتجزأ من ماكينة "إسرائيل" الإعلامية، ومنصة من منصاتها الهادفة للترويج لسياساتها، وهذا ما يُفسر سبب قبول نتنياهو إعطاء مقابلة إعلامية لشخصية سرية، وهذا ما يوضح أن ظهور نتنياهو ضيفاً على " أبو علي إكسبرس" ربما من باب رد الجميل... إذا عرُف السبب، بطُل العجب.

اخترنا لك