هجرة الإسرائيليين رغم الحوافز الحكومية.. الأسباب والتداعيات

كيان الاحتلال الإسرائيلي يشهد موجة هجرة عكسية قياسية تقوّض ميزانه الديمغرافي، مع مغادرة عشرات الآلاف سنوياً على الرغم من الحوافز الحكومية، وسط ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الاندماج وتراجع الثقة الاقتصادية.

  • غريب في
    هجرة الإسرائيليين رغم الحوافز الحكومية.. الأسباب والتداعيات

تشكّل الهجرة اليهودية إلى "إسرائيل"، أو ما يُعرف بـ"عليّا"، ركيزة أساسية في بناء الكيان منذ عام 1948. فبموجب "قانون حق العودة" لعام 1950، يحق لأيّ يهودي الهجرة فوراً والحصول على الجنسية، وهو ما جعل المجتمع الإسرائيلي قائماً في معظمه على موجات الهجرة المتعاقبة.

وتشير التقديرات إلى أنّ نحو 40% من اليهود في "إسرائيل" هم مهاجرون من الجيل الأول، و40% آخرون من أبناء المهاجرين، ما يعكس حجم الدور الذي لعبته الهجرة في تشكيل البنية السكانية للكيان.

نظرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى الهجرة كعامل حاسم للحفاظ على الأغلبية اليهودية ودعم سوق العمل وتغذية الجيش بالمجندين. إلى جانب ذلك، وفّر المهاجرون روابط حيوية مع الجاليات اليهودية حول العالم، وعزّزوا حضور "إسرائيل" الدولي. لذلك صُرفت موارد مالية ضخمة لتشجيع الهجرة واستيعاب الوافدين الجدد، عبر برامج قدّمت منحًا مالية فورية، ومساعدات سكنية، وقروضًا إسكانية ميسرة، إلى جانب إعفاءات ضريبية واسعة.

شملت الحوافز إعفاءات جمركية، وتغطية صحية مجانية في الأشهر الأولى من الوصول، ومنحاً جامعية، ودورات مُكثّفة في اللغة العبرية، إضافةً إلى مبادرات لربط المهاجرين بسوق العمل فور وصولهم. وقد عزز الكيان هذه السياسات عبر حملات ترويجية ومعارض توظيف في أميركا وأوروبا لاستقطاب أصحاب المهارات العالية.

وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والأمنية، استمرّت "إسرائيل" في استقبال آلاف المهاجرين؛ فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى نهاية 2024 وصل نحو 54 ألف مهاجر جديد، بحسب بيانات وزارة الهجرة.

الهجرة العكسية أثّرت في القطاعات الحيوية في "إسرائيل"

في المقابل، واجهت "إسرائيل" في السنوات الأخيرة موجة هجرة عكسية غير مسبوقة، انعكست وفق الأرقام الرسمية بخروج عدد يفوق العائدين إلى "إسرائيل" بنحو 145,900 شخص بين 2020 و2024. ويُعد هذا الميزان السلبي الأخطر منذ عقود، خاصة مع تزايد أعداد المغادرين من الفئة الشابة والطبقات المتعلمة.

وأشارت معطيات دائرة الإحصاء الإسرائيلية إلى مغادرة 59,400 شخص في 2022، و82,800 في 2023، ونحو 82,700 في 2024، مقابل عودة أعداد أقل بكثير. وبلغ صافي الهجرة السلبية عام 2024 نحو 59 ألف شخص، وهو رقم أثار قلقاً واسعاً داخل المؤسسات الإسرائيلية.

واللافت أنّ قسماً كبيراً من المغادرين هم من المهاجرين الجدد أنفسهم، خصوصاً القادمين من روسيا وأوكرانيا. وأظهرت البيانات أنّ 62% منهم غادروا في السنة نفسها التي وصلوا فيها، ما يعكس صعوبات الاندماج وارتفاع تكاليف المعيشة.

ووصل تأثير الهجرة العكسية إلى القطاعات الحيوية، إذ غادر عشرات الآلاف من المهندسين والأطباء والباحثين سنوياً. وحذّرت جهات إسرائيلية من أنّ استمرار هذا النزيف سيضعف قطاع الهاي تك، أحد أعمدة الاقتصاد، وسيؤثر في قدرات الكيان في الابتكار والتطوير العلمي.

وتشير التقديرات إلى أنّ تراجع الهجرة الوافدة وارتفاع الهجرة العكسية قد يؤديان إلى تراجع نسبة السكان اليهود (المقدرة حالياً بنحو 74%)، وهو ما يمثل تهديداً سياسياً وديموغرافياً للكيان.

أمام هذا الواقع، تبذل الحكومة الإسرائيلية جهوداً للحد من الهجرة العكسية، وتركز المبادرات على تخفيف العبء الاقتصادي عن السكان. ويقود وزير المالية بتسلئيل سموتريتش خطة تهدف إلى استقطاب اليهود من الخارج والحفاظ على المقيمين، عبر حزمة واسعة من الإعفاءات الضريبية.

ومن أبرز الخطوات قرار منح المهاجرين الجدد والعائدين معدل ضريبة دخل 0% لعامين (2026–2027)، مع توسيع الإعفاءات لعشر سنوات على الدخل المكتسب خارج "إسرائيل". وتصف الحكومة هذه الإجراءات بأنّها "ثورة" تهدف إلى جعل البقاء في "إسرائيل" خياراً اقتصادياً مجدياً.

كذلك تشمل الخطط الحكومية تخصيص موارد إضافية للإسكان، وتوسيع برامج المنح التعليمية، وتوفير وظائف للمهاجرين فور وصولهم، في محاولة لمعالجة أسباب الهجرة العكسية.

تأسست "إسرائيل" وهي في حاجة مستمرة لاستقطاب اليهود من الخارج لضمان أغلبية سكانية، مقابل موجة هجرة عكسية تهدد بفقدان شريحة واسعة من الشباب والمهنيين.

وعلى الرغم من منظومة الدعم التي وضعها الكيان لجذب المهاجرين، إلا أنّ ارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة الاندماج، والتوترات الأمنية والسياسية، تدفع أعداداً متزايدة إلى المغادرة. وبينما تراهن الحكومة على الحوافز الاقتصادية لتقليل النزيف الديمغرافي، تبقى فعالية هذه الإجراءات مرهونةً بمعالجة الأسباب العميقة للغربة داخل الكيان، لا بمجرد جذب الوافدين الجدد.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك