"إسرائيل" وجنوب سوريا: أي أجندة خلف "الحماية" المزعومة للدروز؟

ماذا خلف "الحماية" الإسرائيلية المزعومة للدروز وخاصة في الجنوب السوري؟ الأبعاد الأمنية والاستراتيجية والسياسية في هذا التقرير.

  • "إسرائيل" وجنوب سوريا: أي أجندة خلف "الحماية" المزعومة للدروز؟

شنّ الاحتلال الإسرائيلي، في الأيام الماضية، غارات عديدة على مناطق في جنوب سوريا، فضلاً عن العاصمة دمشق، حيث جرى استهداف مقرّين حكوميين حساسين هما القصر الرئاسي وهيئة الأركان.

في الإعلان عن هذه الضربات، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها تهدف إلى "حماية أمن إسرائيل"، وكذلك ادعت أنّ هدفها "حماية الدروز كأقلية مضطهدة".

فما هي المصالح الإسرائيلية الخفية خلف شعار "حماية الأقليات"، وهنا بالتحديد، الدروز السوريون؟

الدروز كـ"حاجز أمني" على "الحدود الشمالية"

الدروز  في السويداء قريبون من الجولان السوري المحتل: المنطقة "حساسة أمنياً"

يتركز معظم الدروز السوريين إلى الجنوب من البلاد، معظمهم في محافظة السويداء ، أي عند الحدود الشمالية الشرقية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى تماس مع منطقة الجولان السوري المحتل، التي تريدها "إسرائيل" منطقة عازلة منزوعة السلاح، ما يجعلها ذات أهمية كبيرة بالنسبة لـلاحتلال. 

  • السويداء ذات الأغلبية الدرزية قريبة من الجولان
    السويداء ذات الأغلبية الدرزية قريبة من الجولان السوري المحتل

الحديث عن أهمية المنطقة ورد على لسان العديد من المسؤولين الإسرائيليين أبرزهم وصف وزير الأمن في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، أكثر من مرة، مناطق جنوب سوريا، خاصة القريبة من الجولان بـ "النقاط الاستراتيجية، المنطقة الحساسة"، قائلاً إن وجود القوات الإسرائيلية في هذه المناطق ضرورة "لضمان أمن بلدات الجولان والشمال، وجميع سكان إسرائيل".

دعم الدروز لخلق "منطقة عازلة"

في 23 شباط/فبراير الفائت، طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بـ"نزع السلاح الكامل من جنوب سوريا في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء"، بذريعة "حماية الدروز".

كما كان تصريح شبيه لـكاتس، حينما قال إن الضربات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة "تستهدف حماية الدروز، وتطبيق سياسة نزع السلاح".

ويحمل هذان التصريحان ربطاً مباشراً من المسؤولين الإسرائيليين بين خلق "منطقة عازلة" أو منزوعة السلاح في الجنوب السوري، وما سمّوه "حماية الدروز" في المنطقة عينها.

أي إن وجود الدروز في هذه المنطقة، سيجعل حمايتهم ذريعة لجعلها منزوعة السلاح، الذي يُصوّر على أنه خطر عليهم، ما سيجعلها منطقة عازلة بين الحدود السورية، والأراضي الفلسطينية المحتلة.

الخشية من إيران: دعم فئات غير متقاربة معها

الخشية من إيران، وهو ما لم يخفِه كاتس حين قال في أوائل العام الحالي إن "إسرائيل لن تسمح بعودة التهديد الإيراني إلى حدودها الشمالية، سواء من لبنان أم من سوريا".

وفي الأسبوع نفسه للتصريح السابق ذكره، صرّح وزير الأمن في حكومة الاحتلال، إن الوجود الإسرائيلي في المنطقة العازلة " ضرورة أمنية لحماية إسرائيل من أي اختراق محتمل من جانب إيران أو المجموعات الموالية لها".

في هذا السياق، سيؤدي التذرع بحماية الأقلية الدرزية إلى فرض السيطرة على المنطقة، ونوعاً ما إلى تأمين دعم من بعض المجموعات الدرزية التي ستشكل مانعاً لأي وجود يهدد "إسرائيل"، مع الإشارة هنا إلى أن الغالبية الدرزية ترفض التعامل مع الاحتلال تحت أي ذريعة.

"دروز الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48" جزء من النسيج العسكري الإسرائيلي

تشير الإحصاءات إلى أن الدروز يشكلون حوالى 5% من المجندين في "الجيش" الإسرائيلي سنوياً، وهو رقم مرتفع وله آثاره.

  • جنود من كتيبة حيرف الدرزية التابعة لـ
    جنود من كتيبة حيرف الدرزية التابعة لـ "الجيش" الإسرائيلي (أرشيف)

في السياق ذكر موقع "Jewish Standard" الإسرائيلي، أن "الدروز العرب لديهم أعلى معدل تجنيد في الجيش الإسرائيلي"، في إشارة إلى أهمية يحظى بها الدروز في الداخل الإسرائيلي.

من هنا، فإن رفع شعار "حماية" دروز سوريا، سيجنب "إسرائيل" احتجاجات لـ"دروز الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48"، أو حتى تخلفاً درزياً عن الالتحاق في الخدمة العسكرية، في الوقت الذي يعتبر فيه الإسرائيليون أن الدروز عامل فاعل ومهم في الجانب العسكري لديهم.

وهنا تبرز مطالبة الزعيم الروحي لطائفة الموحدين في "إسرائيل"، موفق طريف، الحكومة الإسرائيلية باتخاذ إجراء فوري بعد موجة العنف في السويداء، وتهديده بـ "تصعيد شعبي شامل إذا لم تتم حماية إخوتهم السوريين"، وهو ما تخشاه "إسرائيل"، بمعنى حدوث انقلاب داخل المؤسسة العسكرية خاصة في ظل الإرهاق الذي تعيشه نتيجة الحروب القائمة.

مصلحة إسرائيلية في تفتيت سوريا

منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948، كان الهدف الرئيسي إضعاف دول المنطقة وتفتيتها لضمان أمنه. وفي سياق الحديث عن سوريا، كان هناك اعترافات لمسؤولين إسرائيليين بضرورة ألّا تكون موحدة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشي يعلون، في المؤتمر الأمني في ميونخ عام 2016، إن "سوريا، كما نعرفها، لن تكون موحدة مجدداً في المستقبل القريب".

وفي الموقف  نفسه، صرّح وزير الاستخبارات الإسرائيلية آنذاك، توم بن براك، ما حرفيته: "أعتقد أنه في نهاية المطاف، يجب أن تتحول سوريا إلى مناطق... أعتقد أن التقسيم هو الحل الوحيد الممكن".

ومن هنا فإن القصف الإسرائيلي الأخير والتذرع بحماية الدروز، قد ينتج عنه في نهاية المطاف مطالبات نحو التقسيم تخدم الأجندة الإسرائيلية، وتبعد عنها الدولة المركزية القوية.

كما أن تفتيت سوريا سيخلق فرصاً للتحالف مع مكوّنات معزولة عن دمشق، وهو ما يظهر أن "إسرائيل" تحاول فعله مع الدروز.

بالنتيجة، فإن منع وجود قرار مركزي موحد للدولة السورية، يعتبره الإسرائيليون ضرورة أمنية، تحول دون القدرة على تشكيل أي تهديد لهم.

استخدام الدروز كورقة ضغط دبلوماسية واستخبارية

قبل أيام، قال موقع "I24" الإسرائيلي إن  الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع حضر اجتماعاً واحداً على الأقل مع مسؤولين إسرائيليين في أذربيجان.

  • رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع خلال زيارته إلى أذربيجان
    رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع خلال زيارته أذربيجان

وتهدف الاجتماعات، بحسب الموقع، إلى مناقشة تفاصيل إضافية حول الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين "إسرائيل" وسوريا، ومواضيع أخرى تتعلق بإيران وحزب الله، والفصائل الفلسطينية، ومستقبل الفلسطينيين في قطاع غزّة.

وعلى الرغم من هذه المحادثات، التي لم يمضِ عليها سوى أيام، والتي لم تكن الأولى، ومع اندلاع الاشتباكات في منطقة السويداء السورية، ذات الأكثرية الدرزية المطلقة، تحركت "إسرائيل" بزعم "حمايتها" للدروز في المنطقة.

وتحت الذريعة نفسها، استهدفت الاعتداءات الإسرائيلية قصر الرئاسة في دمشق، إضافة إلى مقر هيئة الأركان التابع لوزارة الدفاع السورية. 

وقد جاءت هذه الضرابات متوازية مع تصريح نتنياهو الذي قال فيه إنه " لن يسمح لقوات عسكرية بالنزول جنوب دمشق".

هذا التوازي يظهر أن "إسرائيل" تتذرع بـ"حماية" الدروز للضغط الميداني في مسار التفاوض مع الإدارة السورية الحالية.

وعلى صعيد آخر، فإن إبعاد الدروز عن دمشق، سيضعف موقفها التفاوضي، إذ إنها لن تكون مرتكزة على أرضية وطنية موحدة.

البعد الاستخباري للتقارب مع الدروز

في 9 كانون الأول/ديسمبر 2024، التقى رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية،شلومى بندر، مع الشيخ موفق طريف، بأمر من يسرائيل كاتس لتمهيد التشابك الاستخباري مع دروز سوريا، في سياق التوترات المتصاعدة قرب الجولان.

وفي السياق نفسه، نشر موقع "مستقبل اليهود" الإسرائيلي، حديثاً، تقريراً بشأن أهمية الدروز في العمل الاستخباري، حيث إن "إسرائيل" تعتبرهم ذوي أهمية كبرى في هذا المضمار، لأنهم يتمتعون بـ "فهم عميق للأعراف الثقافية، والهياكل الأسرية، وديناميكيات الشارع في المجتمع العربي" وهو أمر بالغ الأهمية للعمل السري".

ورغم الجهود الحثيثة والتآمرية لتجنيد الدروز السوريين في العمل الاستخباري، إلا أنها بطبيعة الحال لا تلقى تجاوباً كبيراً من الطائفة الدرزية.

زعامات درزية: "إسرائيل تستغل الدروز"

شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين في ​سوريا، يوسف الجربوع، شدد على أنّ "أبناء ​السويداء​ مع دولتهم السورية وانتمائهم لوطنهم ولا يقبلون أي توجه للخارج".

من جانبه دعا الزعيم الدرزي البارز، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق في لبنان، وليد جنبلاط، في اتصال مع الميادين،  أبناء السويداء إلى الانتباه من التحريض الإسرائيلي ومساعي الفتنة.

وفي تصريح آخر، قال جنبلاط إن "إسرائيل لا تحمي الدروز في السويداء، بل تستخدم بعضاً من ضعفاء العقول لقول ذلك".

وفي موقف مشابه، دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، سامي أبي المنى، أبناء السويداء إلى "أن يكونوا تحت كنف الدولة السورية". 

اقرأ أيضاً: السويداء.. جدلية الداخل والخارج

اخترنا لك