"7 أكتوبر" والحلم الإسرائيلي في الضفة الغربية
في ظل تأييد "الكنيست" مؤخراً مشروع قانون فرض ما يسمى "السيادة" الإسرائيلية على الضفة الغربية، أي خطر يحاك؟ وماذا في أهمية جغرافيا ورمزية المنطقة بالنسبة إلى "إسرائيل"؟
-
"7 أكتوبر" والحلم الإسرائيلي في الضفة الغربية
تُعتبر الضفة الغربية المحتلة في العقيدة اليهودية والإسرائيلية أهم من "تل أبيب" وحيفا وعكا، بحسب التسمية التوراتية لتلك المنطقة، هي "يهودا والسامرة"، حيث دُفن الأنبياء إبراهيم ويوسف ويعقوب وزوجاتهم. وفي تلك المنطقة الممتدة من الخليل جنوباً إلى جنين شمالًا نشأت واندثرت ممالك" إسرائيل"، وفي تلك المنطقة أيضاً توجد كل الأماكن الدينية المقدسة اليهودية. في حرب النكبة في العام 1948، حاولت العصابات الإسرائيلية الوصول إلى الضفة الغربية، لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب وعورة المنطقة وتصدي الجيش العراقي والاتفاق على وقف إطلاق النار. حدث كل ذلك قبل تحقيق "إسرائيل" حلمها الكبير: احتلال الضفة الغربية.
منذ ذلك الزمن، كانت الضفة حلماً إسرائيلياً، لأن "يهودا والسامرة" من أركان الدين اليهودي، كما أن رمزيتها التاريخية ترتبط بجذور الشعب اليهودي.
جغرافيا ورمزية "يهودا والسامرة"
تقع "يهودا" جنوبي الضفة الغربية، وتضم مدناً مثل الخليل وبيت لحم وبيت جالا. سُميت تيمناً بيهوذا، أحد أبناء النبي يعقوب الاثني عشر. وتقول الرواية التوراتية إنه يوجد في مدينة الخليل المكان الأقدس بعد ما يُسمى "الهيكل"، وهو الحرم الإبراهيمي (تسميه إسرائيل مغارة المكفيلا). فبحسب النصوص الدينية التوراتية، فإن النبي إبراهيم اشتراها لدفن زوجته سارة، ولما مات دُفن فيها هو أيضاً. كما دُفن فيها أيضاً النبي إسحق إبن إبراهيم وزوجته رفقة، والنبي يعقوب وزوجته ليئا.
أما "السامرة"، فهي المنطقة الواقعة شمال الضفة الغربية، وتشمل مدناً مثل نابلس (بحسب النصوص التوراتية اسمها شكيم) وجنين. وبحسب سفر التكوين، فإن نابلس أو "شكيم" هو أول مكان حطّ النبي إبراهيم رحاله فيه عندما وطِئ أرض كنعان. وعلى جبل "جرزيم" نُطقت البركات على النبي موسى، وعلى جبل "عيبال" نُطقت اللعنات (بحسب سفر التثنية، أنزل الله البركات على الشعب اليهودي على جبل جرزيم، وأنزل اللعنات على من يرتكب المحرمات على جبل عيبال).
أما أبرز الأماكن المقدسة بالنسبة لليهود في مدينة نابلس، فهو قبر يوسف، حيث يُعتقد أن النبي يوسف دُفن فيه، إذ يذكر سفر يشوع بأن عظامه موجودة فيه. لكن عدداً من علماء الآثار نفوا صحة هذه الرواية، مؤكدين أن "عمر المكان لا يتجاوز بضعة قرون، وأنه مقام (ضريح) لشيخ مسلم اسمه يوسف الدويكات".
قوانين لضم الضفة
سعت "إسرائيل" دائماً لضم الضفة الغربية إليها، لرمزيتها الدينية، ولإيمانها أنها جزء أصيل من ما يسمى "أرض إسرائيل". وكما قلنا سابقاً، لم تستطع تحقيق ذلك في العام 1948. أما في عام 1967، احتل "جيش" الاحتلال الضفة الغربية والقدس التي ضمّها بشكل رسمي في العام 1980. في عام النكسة تضاعف حجم "إسرائيل" 3 مرات، واستغلت الحكومات اليسارية هذا التوسع لزرع بذور الاستيطان بشكل كبير بين المدن الفلسطينية بهدف تقطيع أوصالها وتفتيتها، ولتكون خط الدفاع الأول عن العمق الإسرائيلي.
ومع وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم عام 2018، عاد الحلم الإسرائيلي القديم. فقد كشف الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد في كتابه "سلام ترامب: اتفاقات أبراهام وإعادة تشكيل الشرق الأوسط"، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تمسّك بموافقة ترامب على ضم غور الأردن والمستوطنات الكبرى في الضفة، متجاهلاً في المقابل الشق الخاص بقبول إقامة دولة فلسطينية ضمن ما عُرف بـ"صفقة القرن".
لاحقاً، ومع تراجع إدارة ترامب عن الخطة والتركيز على التطبيع العربي-الإسرائيلي، جمّدت مشاريع الضم، مؤقتاً.
الحافزية الإسرائيلية لضم الضفة وفرض "السيادة" الإسرائيلية عليها تصاعدت مع حكومة نتنياهو الأخيرة، فهي حكومة يمينية خالصة، وتضم أحزاباً وقيادات نشأت وكبرت وخرجت من مستوطنات الضفة، مثل الوزيرين اليمينيين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. أولى تلك البوادر كانت في البيان الوزاري للحكومة الإسرائيلية الـ37 الذي ذكر للمرة الأولى "أرض إسرائيل" عوضاً عن "دولة إسرائيل"، إذ قال البيان إنه "للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في جميع أنحاء أرض إسرائيل. ستعمل الحكومة على تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل – في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة"، مما يعني أن الحكومة الحالية ترى في خارطة فلسطين التاريخية أرضاً لها، يجب فرض القانون الإسرائيلي عليها وضمّها.
في هذا السياق، وقّع 62 وزيراً وعضو "كنيست"، في (17-7-2025)، على عريضة طالبت بإعادة الوجود اليهودي إلى قبر يوسف، وذلك بعد مرور 25 عاماً على انسحاب "الجيش" الإسرائيلي منه.
وبحسب العريضة التي شارك في صياغتها عضو "الكنيست" تسفي سوكوت، من "عوتسما يهوديت"، وبدعم من رئيس مجلس المستوطنات في الضفة، يوسي داغان، طالب الموقّعون بإعادة الوجود اليهودي إلى القبر، والسماح بالاقتحامات بشكل حر.
في الدورة الأخيرة "للكنيست"، سعى أعضاء الائتلاف إلى سنّ قوانين لتغيير الوضع القائم في الضفة. وقد ساعدت الحكومة الإسرائيلية الحالية في تشريع مثل هذه القوانين، إذ صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في "الكنيست"، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، على مشروع قانون يتيح للمستوطنين شراء أراضٍ في الضفة الغربية بشكل مباشر، دون المرور عبر الإدارة المدنية التابعة "للجيش" الإسرائيلي.
بمعنى آخر، يتيح مشروع القانون للمستوطنين التعاطي مع الأراضي في الضفة الغربية، بما يتعلق بالبيع والشراء، كتعاطيهم مع الأراضي داخل "إسرائيل"، وبذلك يكون قد أُلغِيَ القانون الأردني الساري في الضفة الغربية منذ ما قبل عام 1967، والذي ينظم عملية بيع وشراء وتملّك الأراضي.
وفي خطوة تشير إلى شكل المرحلة المقبلة التي سيعيشها سكان الضفة الغربية، صادق "الكنيست" في (23-7-2025) على مقترح، غير ملزم قانونياً، طالب الحكومة الإسرائيلية بفرض "السيادة" على كامل الضفة وغور الأردن.
المقترح فتح الطريق أمام أي حكومة مقبلة، لتنفيذ خطوات عملية في الضفة الغربية، لجهة فرض القانون الإسرائيلي، والقضاء، والإدارة الإسرائيلية – على جميع مناطق الاستيطان اليهودي، مما يعني إلغاء سلطة الحاكم العسكري، وتولي الحكومة الإسرائيلية إدارة الحياة اليومية هناك.
ومن المحتمل بشكل كبير أن يكون هذا التوجه الذي تريد حكومة نتنياهو العمل عليه في الفترة المقبلة، خاصة أننا شارفنا على عام انتخابات، حيث سيسعى نتنياهو حتى ذلك الحين إلى كسب أصوات اليمين الإسرائيلي – الاستيطاني تحديداً – بتنفيذ خطوات ميدانية في الضفة أو شمال غزة، لقطع الطريق على رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، المحتمل خوضه الانتخابات في العام المقبل.
بالعودة، إلى نصّ المقترح الذي صدّق عليه "الكنيست"، بأغلبية 71 عضواً، مقابل 13 صوتاً معارضاً فقط، وصوّت لصالحه أعضاء من أحزاب الائتلاف كافة، بما في ذلك نواب من حزب "شاس" الذي انسحب مؤخراً من الحكومة، فإنه ينصّ على تعزيز فكرة الضم، وإحباط أي مساعٍ مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، من خلال تكريس ما يسمى "الحق التاريخي" لليهود على الضفة الغربية.
وبحسب المقترح، فإن "الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب اليهودي على أرض إسرائيل كلها، ينص على أن يهودا والسامرة وغور الأردن هي جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل"، وأن "إقامة دولة فلسطينية تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل".
وشكّل هذا التصويت إضافة في مشروع الضم، وذلك بعدما صوّت "الكنيست" مؤخراً (18-7-2025)، بأغلبية ساحقة ضد إقامة دولة فلسطينية، معتبراً أن إقامتها بعد السابع من أكتوبر هو مكافأة لما أسماه "الإرهاب ويشكل خطراً وجودياً على إسرائيل".
سموتريتش وبن غفير وستروك و "معجزة الـ7 من أكتوبر"
عملية ضم وفرض "السيادة" على غور الأردن والضفة لم تأتِ من فراغ. وقد عززها وجود وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير، ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك، الذين عملوا على تسريع تسويات تخص "أراضي الدولة" (إعطاء أراض من دون أصحاب للمستوطنين)، وتشريع أو تبييض البؤر الاستيطانية والمستوطنات الزراعية، وجعلها قانونية بالمفهوم الإسرائيلي.
وقال الكاتب أليشع بن كيمون في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (9-7-2025)، إن "سموتريتش وستروك وبن غفير وسوخوت وبؤرون وآخرين، ممن خرجوا من قلب المشروع الاستيطاني، يعرفون كيف تعمل المنظومة، بل أكثر من ذلك، كيف يجب أن تعمل في نظرهم". واعتبر أنه "بعد مرور عشرين عاماً على الإخلاء المؤلم (خطة آرييل شارون للانفصال) الذي شهدته الصهيونية الدينية وجمهور المستوطنين، يبدو أن الثورة اكتملت، والعودة إلى سانور (بالقرب من جنين) وحوميش (بالقرب من نابلس) تحمل رسالة عناد، وعملاً شاقاً، وأيديولوجياً".
العودة إلى هذه المستوطنات اعتبرتها ستروك بفضل "معجزة الـ7 أكتوبر"، لأنها رأت في ما جرى فرصة لضم الضفة وفرض السيادة عليها، وتهجير الفلسطينيين، والاستيطان في شمال قطاع غزة.
هذه الدعوات تقاطعت مع عنف متزايد من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين وتغاضي "الجيش" الإسرائيلي عنها. ففي العامين الماضيين، وبحسب ما كتب زيف ستيهل في صحيفة "هآرتس" (2-7-2025)، فإن "جهاز الأمن الإسرائيلي يقول إنه يوجد تغيير في طبيعة أعمال العنف، التي انتقلت من التنظيم السري في الليل إلى تجمع حاشد ومكشوف يقوم بعمليات إحراق بيوت الفلسطينيين".
وتقول معطيات جمعية "كرم نابوت" (جمعية إسرائيلية تراقب الإستيطان في الضفة)، فإنه في السنوات الثلاث الأخيرة أُقيمت 12 بؤرة استيطانية، وطُرد 16 تجمعاً فلسطينياً من منطقة نفوذ هذه البؤر، التي تمتد أيضاً إلى داخل غور الأردن.
وإذا كان السابع من أكتوبر "معجزة" بالنسبة لليمين اليهودي في "إسرائيل"، فيجب أن تكون الضفة الغربية، كما قال الكاتب نحمان شاي في "معاريف" (30-6-2025)، "تحت سيطرة الدولة. الدولة مسؤولة بالكامل عن كل ما يحدث هناك، صغيراً وكبيراً. يبدأ الإصلاح من الداخل، بإعادة مؤسسات الدولة، وأجهزتها الأمنية، والتنفيذية، والقانونية، إلى الضفة الغربية".
الخلاصة: الضفة على أبواب مرحلة جديدة
الوقائع تشير إلى أن الضفة الغربية مقبلة على مرحلة استيطانية غير مسبوقة، مستندة إلى دعم حكومي معلن، وتشريعات قيد التنفيذ، وانحياز أميركي متمثل في تصريحات ترامب الذي يرى أن "مساحة إسرائيل صغيرة جداً".
ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، يسعى نتنياهو إلى تثبيت "الحقائق على الأرض"، سواء عبر مشاريع الضم، أو ربما من خلال تحرك استيطاني في شمال غزة، لقطع الطريق على منافسيه في اليمين مثل نفتالي بينيت.
ما تشهده الضفة اليوم ليس مجرد تسارع في الاستيطان، بل ترجمة عقائدية وسياسية لمشروع يعتبر أن "يهودا والسامرة" ليست مجرد أرض عادية، بل قلب "أرض إسرائيل"، وجب استعادته بالكامل، والآن هي اللحظة المناسبة.