"الجيل زد" في لبنان: من الغضب إلى الفعل السياسي

انتخابات 2025 البلدية في لبنان تشهد دخول "الجيل زد" كلاعب جديد يطمح لتغيير قواعد اللعبة السياسية من القاعدة، وسط أزمات الدولة وتراجع الثقة بالمنظومة التقليدية.

  • جيل
    "الجيل زد" في لبنان: من الغضب إلى الفعل السياسي

ليست الانتخابات البلدية في لبنان مجرّد محطة روتينية لتجديد عضوية المجالس المحلية، بل باتت واجهة حقيقية تعكس طبيعة الصراع السياسي والاجتماعي في بلدٍ غارق في أزماته. وسط شلل المؤسسات، وغياب الدولة المركزية، وانهيار الخدمات، تحوّلت البلديات إلى خط الدفاع الأول عن الحياة اليومية للناس. لكن الجديد في انتخابات 2025 البلدية ليس في السياق المأزوم، بل في دخول فاعل جديد إلى الساحة: "الجيل زد".

هؤلاء الشباب الذين وُلدوا بين عامي 1997 و2012، ونشأوا في ظل انفجار سياسي واقتصادي و"ثورة رقمية"، قرروا خوض المعركة، لا من خلال الشارع فحسب، بل من داخل صناديق الاقتراع. ولأوّل مرّة، نشهد ترشيحات فعلية من شباب في الخامسة والعشرين لمنصب مختار أو عضو مجلس بلدي – مناصب كانت حتى وقت قريب حكراً على "أعيان" الطوائف والقرى، وأصحاب الشوارب البيضاء والتحالفات التقليدية.

هذا التحوّل لا يُقاس بعدد المقاعد التي قد يحصدها الجيل الجديد، بل بما يعكسه من وعي مختلف ونموذج سياسي بديل. جيل "Z" لا يرى الطائفية وسيلة للحكم، ولا يعتبر الزعامة الوراثية قدراً. إنه جيل يطالب بالكفاءة والمحاسبة والشفافية، ويتقن أدوات التنظيم الحديثة، من السوشيال ميديا إلى الحملات الرقمية.

اذ تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مديرية الأحوال الشخصية لعام 2024 إلى أن عدد الناخبين المسجلين من فئة الشباب بلغ 633,197 ناخباً، منهم 323,011 من الإناث و310,186 من الذكور. تشكل هذه الأرقام نسبة كبيرة من الجسم الانتخابي، ما يجعل من الشباب قوة عددية لا يمكن تجاهلها في المعادلة السياسية.

هذا الحجم العددي يعكس إمكانيات تأثير واسعة إذا ما تم استثمارها بوعي سياسي فعّال. فالشباب اليوم لم يعودوا مجرد متلقين للقرارات، بل يسعون ليكونوا شركاء حقيقيين في صياغة السياسات، خاصة في ظل تصاعد الوعي العام، والتفاعل المتزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والانخراط في المبادرات المدنية والحملات الانتخابية.

لكن الطريق أمامه ليس معبّدة. فالتحديات كثيرة، تبدأ من قانون بلدي متهالك لا يمنح المجالس الاستقلال المالي ولا يفرض الشفافية، ولا يشجّع على مشاركة الشباب والنساء. يضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المنهار، الذي يضعف قدرة المرشحين المستقلين على خوض حملات انتخابية فعالة، فضلاً عن شعور عميق باللاجدوى لدى نسبة كبيرة من المواطنين، الذين فقدوا ثقتهم بأي عملية انتخابية.

ومع ذلك، يُراهن على هذا الجيل ليس فقط كناخب أو مرشّح، بل كصانع لرؤية سياسية جديدة. رؤية تنقل النقاش العام من زواريب الزعامة والولاءات إلى قضايا الناس الفعلية: البيئة، العدالة الاجتماعية، التنمية المحلية، وحق المواطن في خدمات أساسية لائقة.

ولعل المفارقة أن الدولة، التي تخلّت عن معظم مسؤولياتها، لم تواكب هذا التحوّل. فحتى اليوم، لا يزال سنّ الاقتراع 21 عاماً، رغم مطالبات واسعة من المجتمع المدني بخفضه. ووفق تقارير صادرة عن "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات"، فإن خفض سن الترشح والاقتراع كان ليتيح مشاركة أوسع، وفرصة أعمق لترسيخ الوعي المدني في الفعل السياسي.

لكن رغم كل المعوّقات، تُعدّ هذه الانتخابات لحظة نادرة من الممكن أن تُستثمر لبناء لبنان جديد – من القاعدة إلى القمّة، لا العكس. فالتغيير الكبير لا يبدأ من المجالس النيابية أو القصور الرئاسية، بل من بلدية تعرف حاجات أهلها، وتدير شؤونهم بشفافية ومهنيّة.

"الجيل زد" لا يعد بالمعجزات، لكنه يحمل بذوراً حقيقية للبدء. لديه الطاقة، والغضب، والرغبة في كسر الحلقة المفرغة من الإحباط واللاجدوى. المهم أن لا يقف عند حدود الحماس أو الشعارات، بل أن يُترجم مشاركته إلى تنظيم، واحتراف، واستمرارية.

في انتخابات 2025، يختبر لبنان ليس فقط صناديق الاقتراع، بل جيلاً يريد أن يُغيّر قواعد اللعبة. فهل يمنحه النظام فرصة؟ وهل يعطيه المجتمع الثقة؟

اخترنا لك