أميركا تطارد النفط الروسي.. الهند نحو ضغوط أكبر
في ظل تصعيد الولايات المتحدة ضغطها على الهند، فإن نيودلهي ظلت تتحدى مراراً دعوات وقف شرائها النفط الروسي مستفيدةً من موقعٍ جيوسياسي معقد.
-
أميركا تطارد النفط الروسي.. الهند نحو ضغوط أكبر
تصعّد الولايات المتحدة الضغط الاقتصادي على الهند، مهددةً بتطبيق رسوم جمركية أعلى، بسبب تواصل مشتريات الهند من النفط الروسي، وهددها وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بزيادة الرسوم الجمركية عليها، ورهن ذلك بنتائج اجتماع ترامب مع نظيره الروسي الرئيس بوتين في ألاسكا.
وضاعفت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، الرسوم الجمركية على السلع الهندية، نتيجة عدم امتثالها للمطالب الأميركية، ما يدفع المصافي الهندية إلى إعادة ترتيب خطط مشترياتها في السوق العالمية. وفي الخلفية موقف الهند الرسمي المعلن بأن "علاقاتها الثنائية مع مختلف الدول قائمة على أسسها الذاتية ولا يُنظر إليها من زاوية طرف ثالث".
وقالت وكالة "بلومبرج" إن شركات التكرير الحكومية في الهند أبرمت، هذا الأسبوع، صفقات لشراء كميات كبيرة من الخام "غير الروسي"، للتسليم الفوري في شهري سبتمبر وأكتوبر، في موجة شراء سببتها تهديدات واشنطن المتواصل، منها حوالي 22.5 مليون برميل من السعودية، في أعلى مستوى للواردات النفطية السعودية منذ سبتمبر 2024، وفق بيانات شركة التحليلات "كبلر".
وكان ترامب فرض عقوبة جمركية إضافية، بنسبة 25%، على الهند، لشرائها النفط والأسلحة الروسية، لتصل الزيادة الجمركية "العقوبة" إلى 50% الآن. ومن المقرر أن يدخل هذا المعدل الجديد من الرسوم الجمركية حيز التنفيذ في 27 آب/ أغسطس، ويعتبره خبراء "حظراً تجارياً"، قد يعيق الصناعات الهندية المعتمدة على التصدير، ويخفض نموها بنسبة تصل إلى نصف بالمائة.
تعد الهند أكبر مشترٍ في العالم لصادرات النفط الخام الروسي المنقول بحراً، وارتفعت وارداتها من روسيا من قرابة الصفر إلى نحو ثلث إجمالي وارداتها، ما يجعلها، مع الصين، مستهلكاً رئيسياً للطاقة الروسية، التي تشكّل الجزء الأكبر من صادرات موسكو.
وتجاوز حجم التبادل التجاري بين الطرفين 70 مليار دولار أميركي، في عام واحد هو 2024، وشمل - مع الطاقة - سلعاً حيوية مثل المنتجات الدوائية والأسمدة ومواد البناء. ومع توتر العلاقات والزيادات الجمركية الجديدة، تتواصل المفاوضات التجارية بين نيودلهي وواشنطن، ومقرر استئنافها في الهند بتاريخ 25 من الشهر الحالي، وستناقش حزمة ملفات تتصدرها نقطة خلاف رئيسية عن قطاع اقتصادي آخر، أي رفض الهند خفض الرسوم الجمركية على استيراد المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان إلى سوقها المحلي.
ومن جانبها، وصفت وزارة الخارجية الهندية الخطوة أنها "مؤسفة للغاية"، وأنها "غير عادلة وغير مبررة وغير منطقية"، وأشارت إلى أن "الدول التي تنتقد الهند هي نفسها منخرطة في التجارة مع روسيا، حتى من دون ضغط حاجة وطنية حيوية على عكس الهند". ويؤكد الخطاب الهندي أن واردات البلاد تستند إلى عوامل السوق وحدها، ويصف واردات النفط بالضرورة القصوى "لضمان أمن الطاقة لـ 1.4 مليار نسمة في الهند"، وحماية ملايين السكان من ارتفاع التكاليف.
حتى مع الضغوط الغربية والتصعيد الغربي ضد روسيا وحلفائها، ظل شراء النفط الروسي، لفترة طويلة، ضرورة عند الهند، يفرضها حجم الاقتصاد وحاجته الجوهرية إلى مصدر طاقة بسعر مناسب، في ضوء أن الهند مستورد صافٍ للوقود، وتحاول الإفادة من أي زيادة إنتاج عالمية، مثل توجه أوبك بلس مؤخراً. ورغم صعوبة تعويض الكميات المطلوبة، عند الامتثال الكامل للضغط الأميركي، تساعد الهند عوامل مثل الزيادة في المعروض النفطي عالمياً، بعد زيادة إنتاج أوبك بلس وتراجع الطلب من اقتصادات كبرى مثل الصين.
ورغم ضغوط وتهديدات الولايات المتحدة في عهد ترامب، تحدّت الهند تكراراً دعوات وقف شرائها النفط الروسي بوضوح، وسبق أن أكدت مصادر حكومية هندية نيتها الاستمرار في استيراده، بنبرة بدت متحدية، حملها كذلك خطاب رئيس الوزراء الهندي، الذي أكد من قبل أن حكومته ستواصل شراء النفط الروسي، معتبراً القرار "تجارياً" يخص شركات التكرير وحدها. ما يناسب موقف الهند الرسمي المعلن من العلاقات مع روسيا إجمالاً، الذي يعدها "شراكة مستقرة ومجربة عبر الزمن"، وفي الخلفية موقع الأخيرة بصفتها من أكبر موردي المعدات العسكرية لها، فضلاً عن المصالح الاقتصادية الكبيرة للهند الممثَلة في تجمع بريكس، مع الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، الذي تتصاعد أهميته مع تصاعد ضغوط ترامب بشأن التعريفات الجمركية، ومع الضغط على دول كبيرة لإشراكها في معاقبة روسيا، وليس العكس.
اعتمدت الهند تقليدياً على الشرق الأوسط لتلبية معظم احتياجاتها النفطية، لكن غزو أوكرانيا عام 2022 وتطبيق مجموعة السبع سقفا للسعر قدره 60 دولاراً للبرميل على الخام الروسي، دفع نيودلهي إلى زيادة وارداتها من موسكو، لتصل في منتصف 2025 إلى حوالي 1.7 مليون برميل يومياً، معظمها من خام الأورال متوسط الكثافة، أي 37% من إجمالي وارداتها. ورغم صعوبة تعويض هذه الكميات الضخمة، إلا أن تخمة المعروض النفطي عالميا بعد زيادة إنتاج “أوبك بلس” وتراجع الطلب من اقتصادات كبرى مثل الصين، قد تجعل مهمة الهند أسهل.
في مشهد جيوسياسي معقد، تقع الهند في نقطة منتصف نسبية بين الغرب الجمعي، بقيادة الولايات المتحدة، وتجمع بريكس وروسيا والصين من جهة أخرى. تموضع يبدو مكافئاً للمقومات الاقتصادية المعتبرة للهند، وموقعها الجغرافي، وما حققته من تطوير لموقعها من تقسيم العمل الدولي، وصولاً لواقعها الحالي ــ طرفاً هاماً في قطاع تكنولوجيا المعلومات، بإمكانات صناعية وموقع أساسي على خارطة سلاسل التوريد.
والمحصلة أنها أسرع اقتصاد كبير نمواً في العالم، ويبدو أن الاستقطاب الدولي الحالي وعضويتها في بريكس، مع الضغوط الأميركية، يمثلون رياح تغيير في البلد العملاق الذي يفوق تعداد سكانه الصين، أي يمثل حد ذاته سوقاً ضخماً، فائق الأهمية لمنظومة الهيمنة الغربية والصين كلتيهما.
وعدا عن النفط، يستبعد مراقبون كثر أن تقدم الهند تنازلات كبيرة في المفاوضات التجارية، بصفة عامة، خاصةً في قطاعيّ الزراعة ومنتجات الألبان، مع حضور حساسيات دينية وسياسية في الملف. ما تؤكده الاتفاقية التجارية الأخيرة للهند مع المملكة المتحدة، التي تحفظت فيها البلاد على فتح القطاعين، وتشير أغلب التقديرات إلى أن مواقف الهند على الساحة الدولية تعكس "تحرّك شهيتها" للمخاطر السياسية، لكنها تسير بوتيرة خاصة، وتعكس حرصاً على أن تكون ردود أفعالها دقيقة ومدروسة.