الأزمة الإنسانية في غزّة سبقت "طوفان الأقصى" بـ16 عاماً.. 7 أكتوبر لم تكن البداية

لأنّ المقاومة في الأساس تتشكل من شعب يسعى للقمة عيش كريمة، وحبّة دواء من دون منةٍ من أحد، أحكمت "إسرائيل"، قبل عقد ونصف عقد، خناقها على القطاع وأهله. لكن ذلك لم يحُل دون تطوير المقاومة قدراتها ومراكمتها، ثمّ جاءت بـ"طوفان الأقصى". 

  • الأزمة الإنسانية في غزّة سبقت
    منذ عام 2007، فرض الاحتلال حصاراً مطبقاً على القطاع، ليشنّ بذلك حرباً من نوع آخر على الغزّيين، تستهدف كلّ مقوّمات العيش لنحو 2.1 مليون نسمة

لم تبدأ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ولم تكن "طوفان الأقصى" هي ما دفع الاحتلال إلى شنّ حربه على كلّ مظاهر الحياة فيها.

هذه الحرب، ككل الحروب السابقة، لا تنفصل عن أصل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، منذ ما قبل عام 1948. وهي تأتي تتمةً لسلسلة حروب شنّها الاحتلال على القطاع، وخصوصاً منذ أن باتت المقاومة هي الممسكة بالقرار السياسي فيه، في إطار مؤسسي رسمي.

والحرب على المقاومة في غزّة لا تعني محاربة الحكومة فيها أو فصيل معيّن فحسب، بل هي حرب على الشعب الذي يتبنّى خيار المقاومة.

وانطلاقاً من ذلك، لجأ الاحتلال، منذ عام 2007، إلى فرض حصار على القطاع، براً، وجواً، وبحراً. وبهذا، يشنّ الاحتلال حرباً من نوع آخر، تستهدف كلّ مقوّمات العيش لنحو 2.1 مليون نسمة.

وعليه، فإنّ محاولات تحميل المقاومة المسؤولية عن الأزمة الإنسانية الحالية في غزّة، تنطوي على تضليل وإغفال متعمّدين وخبيثين، للدور الإسرائيلي، الذي أدّى إلى إحدى أسوأ كوارث هذا القرن. 

الحرب على غزّة سبقت 7 أكتوبر.. بـ16 عاماً

قبل 7 أكتوبر بنحو 16 عاماً، شهد الوضعان الاجتماعي والاقتصادي في غزّة تدهوراً مستمراً، بفعل الحصار الإسرائيلي المطبِق.

حصارٌ دمّر الاقتصاد الغزّي وقدرتَه على خلق فرص العمل، وأدى إلى إفقار المجتمع في القطاع، وتراجع تنميته، على الرغم مما يتمتّع به من مهارات عالية ومستوى تعليمي مرتفع.

ووفقاً لما تفيد به أرقام "الأونروا"، المحدّثة في آب/أغسطس 2023، أفقر الاحتلال 81.5% من سكان غزّة، وبلغ معدّل البطالة الإجمالي في القطاع نسبة 46.6%، بينما يعاني 62.3% من الشبان، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، انعدام فرص العمل.

1.3 مليون نسمة من سكان القطاع، أي ما يعادل نسبة 58%، في حاجة إلى مساعدات إنسانية. ويشمل ذلك 29% من الأسر الفلسطينية التي فرضت "إسرائيل" عليها ظروفاً كارثيةً أو متطرّفة، وهي نسبة ارتفعت من 10%، في عام 2022.

ونتيجةَ دأب الاحتلال على عزل غزّة عبر الحصار، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها 0.4% فقط، خلال الفترة الممتدة منذ عام 2007 حتى عام 2022، مع انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمعدّل سنوي مقداره 2.5%، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي في أيلول/سبتمبر 2023.

الظروف، التي أنشأتها "إسرائيل" في القطاع، فاقمت الوضع الإنساني المتردّي، حتى بلغ الذروةَ في الحرب الحالية.

وإذ أعادت هذه الحرب تسليط الضوء على انعدام الغذاء في غزّة، بصورة شبه تامة، فإنّ أزمة الأمن الغذائي التي يعانيها 63% من الغزّيين، تعود إلى أعوام طويلة من الحصار.

اقرأ أيضاً: "إسرائيل" توجّه رصاصاتها نحو "الأونروا" لإنهائها.. ما الأهداف؟

وفي الوقت الذي يعتمد هؤلاء في معيشتهم على المساعدات الدولية، التي تقدّمها "الأونروا" بصورة أساسية (وهي محاربَة إسرائيلياً وغربياً في الوقت الحالي)، فإنّ الدراسات الاستقصائية الفلسطينية تفيد بأنّ سياسة الاحتلال سبّبت مستوياتٍ منخفضةً للغاية، من المعادن والفيتامينات الأساسية التي يؤمّنها الغذاء السليم، لنحو 50% من سكان غزّة. 

أعوام الحصار الإسرائيلي على غزّة تخلّلها أيضاً انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية الأساسية، بالإضافة إلى البنى التحتية في تلك البيئة الحضرية.

كما أدّى حرمان القطاع من الطاقة إلى حرمانه أيضاً من خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي، على نحو يقوّض الاقتصاد الغزّي الهشّ أساساً، ولا سيما قطاعا التصنيع والزراعة.

وفي حين بات العالم أكثر يقظةً لأزمة المياه التي يعانيها الغزّيون، خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، فإنّ الاحتلال سبق أن حرم 95% من الغزّيين من المياه النظيفة.

لكن، في مقابل ندرة المياه الصالحة للاستعمال البشري، تمّ تحديد 93 ألف غزّي على أنّهم معرّضون لخطر الفيضانات، بسبب هطول الأمطار، وفيضان مياه الصرف الصحي، وفقاً لأرقام "اليونيسيف"، في حزيران/يونيو 2023.

على الصعيد الصحي، تركت الحروب الإسرائيلية المتكرّرة على القطاع آلاف الإصابات الدائمة والإعاقات والصدمات النفسية والاجتماعية، مع استهدافها الأنظمة الصحية.

بالتوازي، يشدّد الاحتلال قيوده على دخول المعدّات الطبية اللازمة للقطاع، وخروج المرضى بهدف الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والمنقذة للحياة.

  • الأزمة الإنسانية في غزّة سبقت
    الأزمة الإنسانية في غزّة منذ 16 عاماً.. لماذا شهدنا "7 أكتوبر"؟

المقاومة هي الشعب

يضع القادة الإسرائيليون تدمير المقاومة هدفاً لحربهم الحالية على غزّة، إلا أنّ هذا الهدف كان المحرّك الأساس لكل الحروب السابقة على القطاع، سواء أكانت عبر العمل العسكري المباشِر، أم من خلال الحصار الخانق.

ولأنّ المقاومة هي في الأساس الشعب الذي يسعى للقمة عيش كريمة، وحبّة دواء من دون منةٍ من أحد، ما كان من "إسرائيل" إلا أن سارعت، قبل عقد ونصف عقد، إلى إحكام خناقها على القطاع وأهله. لكن ذلك لم يَحُل دونَ تطوير المقاومة قدراتها، ومُراكمتها، ثمّ جاءت ملحمة "طوفان الأقصى". 

في الـ7 من أكتوبر، لم يكن المقاومون المنضوون ضمن الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة وحدهم من اخترق الجدار الإسرائيلي الحديدي، الذي يفصلهم عن أراضيهم المحتلة.

كان بين هؤلاء شبان غزّيون آمنوا بجدوى الفعل المقاوم، ثأراً لأعوام طويلة من الحصار والإفقار والقتل، المتعمّدة كلها من "إسرائيل".

ومنهم من استشهد أفراد من عائلته بسبب قصف في حربٍ سابقة، أو من نجا أحد من أهله من القصف، ليستشهد لاحقاً بسبب انقطاع دواء، أو عدم القدرة على تحمّل تكلفة الخروج.

ومنهم من أذّل الاحتلال والدته عند الحدود مع مصر. ومنهم أيضاً، من تلقى ابنُه، قبل انسحاب الاحتلال، رصاصةً في صدره، في أثناء عبوره الشارع في اتجاه المدرسة. ومنهم من قضى الاحتلال على أحلامه، ليلة عرسه، ببناء عائلة بسيطة، عبر تدمير منزله. ومنهم ومنهم... قصص لا تنتهي، وتتراكم مع ثقل وظلم وحمولات تهدّ جبالاً من الرجال.

كل هذا وأكثر خرج في الـ7 من أكتوبر، ليطلق شرارة الحرية من جديد، ولتري غزة العالم، كيف تكون المقاومة حياةً أكثر، وفقراً أقل!

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.