الحرب على إيران.... الرهان الخائب (1-5) هل حدثت الحرب فجأةً؟
ضمن السلسلة الوثائقية "الرهان الخائب" التي تعرض على الميادين حالياً، تستعرض الحلقة الأولى منها المقدمات التاريخية التي سبقت العدوان الإسرائيلي على إيران ومهدت له.
-
الحرب على إيران.... الرهان الخائب (1-5) هل حدثت الحرب فجأةً؟
قد تبدأ الحرب في لحظةٍ صادمة؛ ولكن الطريق إليها لا يبنى فجأة. شروط الحرب وظروفها تنمو مع الزمن، وترتفع احتمالاتها أكثر عندما يتعاظم الاستعصاء، ويتأكد فشل الإخضاع.
العنوان النووي ستار دخاني للحرب على إيران
مع أن واشنطن و"إسرائيل" صدّرت الملف النووي الإيراني عنواناً أساسياً للحرب على إيران، إلّا أن أهداف الحرب طالت مساحات استراتيجية أبعد من العنوان النووي، مرتبطة بمحطات حسّاسة على امتداد الطريق الممتد من انتصار الثورة الإسلامية في إيران وصولاً إلى لحظة الحرب.
يقول كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، يسري أبو شادي: "عام 2015 عندما بدأ الغرب، وبصورة خاصة الترويكا الأوروبية، أي فرنسا وانجلترا وألمانيا مع الولايات المتّحدة، بالقول أنه من الممكن التفاهم مع إيران؛ أبدت إيران مرونة حقيقية في مواضيع كثيرة جداً؛ لدرجة أنها تجاوزت بعض خطوطها الحمراء، ووافقت على وقف أي تخصيب فوق 3.6% من 10% ، وحتى اليورانيوم المخصّب 20% ، وافقت إيران على التخلص منه أو خلطه مع اليورانيوم الطبيعي لتخفيض مستوى التخصيب".
ومع أنّ إيران أبدت مرونة عالية في التعامل مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنّ الوكالة قبل الحرب بدأت بتغيير لغة تقاريرها بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، في محاولة لتمهيد الطريق إلى الحرب وتبريرها، وفي هذا السياق يضيف يسري أبو شادي "فجأة في 31 أيار/مايو 2025 أصدرت الوكالة تقريراً غريباً لا يتماشى مع التقارير القديمة.
التقارير القديمة كانت تترك نقطة أو نقطتين وأموراً صغيرة ضد إيران؛ لكن في هذا التقرير، كانت لغة مدير الوكالة كانت مختلفة كثيراً وعدوانية إلى أقصى حد، ويقول أنا وجدت هذه الجسيمات الصغيرة بواسطة مخابرات إسرائيلية، كان يقول ذلك أثناء النقاش مع الإيرانيين.
" إسرائيل" غير موقّعة على منع انتشار الأسلحة النووية وليس لها الحق أن تقدّم حتى هذه المعلومات للوكالة، وتأخذ بها الوكالة. وإيران احتجّت احتجاجاً كبيراً ، فكيف أنت تأخذ المعلومات من إسرائيل؟!"، بحسب يسري أبو شادي.
أصل العداء.. السيادة الإيرانية والموقف من القضية الفلسطينية
يعود العداء الإسرائيلي الأميركي لإيران إلى لحظة الثورة الإسلامية في إيران؛ لأنها نزعت من أيديهم الحليف الأكبر في المنطقة آنذاك، الشاه محمد رضا بهلوي. إيران الجديدة لا تتسق مع فكرة الهيمنة الأميركية ولا الاحتلال الإسرائيلي.
يكتب السفير الأميركي السابق في إيران، الذي شهد ليلة الثورة، وليام سوليفان، في كتابه "أميركا وإيران": "تلقّيْت مكالمةً هاتفيةً منْ سفير إسرائيل الذي كان مختفياً، منذ أن استولت مجموعةٌ من الفدائيين على مبنى السفارة الإسرائيلية، وقدمتْه هديةً لمنظمة التحرير الفلسطينية".
يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت: "إذا أردنا أن نستعيد التاريخ؛ إيران الشاه كانت تمثّل ذروة ما يسمى بدول الطوق الثاني المتحالفة مع إسرائيل. مؤسّس كيان الاحتلال ديفيد بن غوريون أيضاً هجس بضرورة إقامة تحالفات مع ما يسمى بدول الطوق الثاني، أي ليس دول المواجهة، وفي طليعة هذه الدول كانت إيران، لأنّه كان يريد أن يستفيد من هذا التحالف مع هذه الدول التي أسماها دول الطوق الثاني من أجل مواجهة دول الطوق الأول (مصر، سوريا، لبنان، الأردن)".
ويتابع شلحت: "سقوط نظام الشاه كان حدثاً مفصلياً جداً في تاريخ السياسة الاسرائيلية، خصوصاً وأنّ سقوطه لم يؤد الى نشوء نظام قريب منه سياسياً وأمنياً، إنّما أدى الى نشوء نظام ثوري، يتطلّع ليس فقط إلى استقلال إيران وإلى تعزيز دورها الإقليمي، إنّما يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الأسمى".
التصدي الخامس
يعود السفير الأميركي، ويليام سوليفان، ليقول في كتابه: "الطريقة العقيمة التي تعالج بها إدارة (الرئيس الأميركي الأسبق جيمي) كارتر القضايا الحساسة استمرت منْ دون تغيير؛ وطموحات (مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر) بريجينيسكي الضالّة لم تتوقفْ عند حدودٍ معقولة، والعجز الشائن عنْ فهم طبيعة أحداث إيران فهماً عقلانياً وسليماً لم يطرأْ عليه تغييرٌ أوْ تحسن".
لم تكن الحرب على إيران حرباً إسرائيلية فقط، بل كانت أيضاً حرباً أميركية، فالسياسات الأميركية تجاه إيران لم تتغير مع تبدل الإدارات، ولم تتوقف عن محاولات التضييق على إيران؛ وإذا ألقينا نظرة على خمسة عقود من عمر الثورة الإسلامية في إيران، للاحظنا أنه في كل عقد، تتصدى إيران لمشروع أميركي كبير للمنطقة بشكل عام، أو ضد إيران بشكل خاص؛ ففي العقد الأول حُرّكت حرب ضد إيران، وفي العقد الثاني، مع تبدلات النظام الدولي وسقوط المنظومة الاشتراكية في العالم؛ تصدّت إيران لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وفي العقد الثالث، كانت الحرب تشتعل على حدودها في العراق وأفغانستان، بسبب الاحتلال الأميركي لهما، وفي العقد الرابع، كانت الموجة الأعلى للتنظيمات التكفيرية في المنطقة، التي حاولت التهام العراق وسوريا ولبنان؛ أما في العقد الخامس، فكانت هذه الحرب المباشرة على إيران.
يقول الدبلوماسي الأميركي السابق، مايكل سبرينغمان: "الآن تريد الولايات المتّحدة أن تتخلص من إيران، لأنها منذ الإطاحة بالشاه لم تعد دمية بيد الولايات المتّحدة، ولم تعد تفعل ما تريد الولايات المتّحدة، بل أنها تدعم فلسطين المحتلة، وإيران لم ترضخ للهيمنة الأميركية والإسرائيلية، والإيرانيون هم الحلقة الصعبة التي تحتاج أميركا إلى تفكيكها من أجل التحكم في المنطقة".
ويقول الخبير الإيراني في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، هادي محمدي: "أمر ترامب بنقل عضوية إسرائيل من قيادة القوات الأميركية في أوروبا إلى القيادة المركزية الأميركية، سنتكوم، مما يجعل إسرائيل حاضرة في كل أجزاء منظومة القيادة في حلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية، والأمر الثاني هو الدعم المطلق لإسرائيل وشخص نتنياهو، وهذا يثبت أن كل قيادة العمليات ضد إيران وحتى التخطيط لاغتيال القادة، تمّت بإدارة غرفة عمليات سنتكوم والمنفّذ كان الكيان الصهيوني".
بعد حروب الظلّ
عددٌ من الدراسات توقّع أنّ حرب الظلّ (حروب السايبر، الاغتيالات، العمليات الإرهابية، إلخ...) لن تبقى في الخفاء طويلاً، وعن ذلك تقول دراسةٌ نشرها "الأتلانتيك كاونسل"، بعنوان "حرب الظلّ الإسرائيلية مع إيران قد تتحوّل إلى علنية"، ونشرت عام 2021: "عندما وقّعت إيران والقوى الدولية اتفاق خطة العمل المشتركة عام 2015، كانت إسرائيل من ضمن أطرافٍ قليلةٍ رفضت الاتفاق، متذرعةً بعدم إمكانية الاتفاق احتواء المنافس النوويّ. بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، صعّدت إسرائيل من حروب الظل ضد إيران لتعطيل الشحن والتقدم النوويّ الإيراني".
في هذا السياق، يقول أنطوان شلحت "إسرائيل كانت تتطلّع طوال الوقت لأن تقوم بمواجهة مباشرة مع إيران، ومن الأسرار المفضوحة أن نتنياهو في إحدى حكوماته، عندما كان إيهود باراك وزيراً للدفاع كان يحاول أن يتّخذ قراراً في الكابينيت لشنّ عمليات عسكرية إسرائيلية على إيران، حتى من دون الحصول على ضوء أخضر أميركي، ولكن المؤسسة الأمنية هي من عارضت مثل هذا الهجوم، ومعروف أنّ أكثر من كان يعارض مثل هذا الهجوم هو رئيس الموساد السابق مائير داغان الذي على ما يبدو قام بتسريب مثل هذا القرار القاضي بشنّ حرب على إيران إلى وسائل الإعلام الأجنبية، لكي يتم الضغط على إسرائيل من أجل عدم شنّ الحرب.
ما نلاحظه في الآونة الأخيرة منذ طوفان الأقصى أن هناك اندماجاً بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة السياسية وأنّ قادة المنظومة الأمنية هم أشبه بالروبوتات الذين تتحكم بهم المؤسسة السياسية عن بعد".
ويقول هادي محمدي إن إيران كانت تردّ على هذا النوع من الحروب، ولكن مع تركيزها على البعد الاستراتيجي، ويتابع "الكيان الصهيوني تلقّى ضربات كبيرة على الصعيدين الأمني والاستخباري، ويمكنني أن أذكر بعض أسماء الضباط العسكريين والأمنيين الإسرائيليين الذين كانوا هدفاً للعمليات الإيرانية، ولكن الجمهورية الإسلامية، ونظراً للاستراتيجية الأكبر التي اتخذتها، تفضّل بدلاً من القيام ببعض الردود الانفعالية السريعة أن تهاجم الاستراتيجية الإسرائيلية".
من يكسر الطّوق؟
على امتداد سنواتٍ قبل الحرب، كان ينمو تطويقٌ متبادلٌ بين محور المقاومة و"إسرائيل". حاول محور المقاومة ضرب طوقٍ أول عبر المقاومة الفلسطينية ولبنان وسوريا، وطوقٍ ثانٍ في العراق واليمن وإيران.
حاولت "إسرائيل" تطويق المحور ومركزه إيران باتفاقات "أبراهام" التطبيعية والتحرك على حدود إيران في كردستان العراق وأذربيجان.
كلّما كانتْ مرحلة التطويق المتبادل تشتدّ أوْ تتغيّر، كنا نقترب أكثر منْ لحظة الحرب.
يقول أنطوان شلحت: "أعتقد، هذا ربّما اعتقاد قد يكون فيه قدر من الجانب الشخصي، أنّ ما شجع إسرائيل على أن تقوم بهذه الحرب المباشرة وعلى أن تعتقد بأنها يمكن أن تطوّق إيران أكثر فأكثر هو آخر التطوّرات التي حدثت في سوريا، يعني ما يتبيّن من التقارير الاسرائيلية ومن بعض التسريبات أنّ المؤسسة الأمنية الاسرائيلية قبل 2024 التي كانت تعتبر أن إسرائيل لا يمكن أن تشنّ حرباً مباشرة على إيران، حتى لو حصلت على دعم مباشر من الولايات المتّحدة هو أنّ طائراتها لا يمكن أن تحلّق فوق الأجواء السورية في طريقها إلى الأراضي الإيرانية. أنا أعتقد أنّ المستجدّ السوري ربّما هو المستجدّ الأبرز الذي شجّع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أن يكون هناك توافق بينها وبين المؤسسة السياسية على إمكان أن تشنّ إسرائيل حرباً مباشرة أولى على إيران".
طوفان الأقصى والحرب على إيران
بعد انطلاق "طوفان الأقصى" بتوقيتٍ فلسطينيٍ خالصٍ، فتحت جبهات الإسناد من لبنان واليمن والعراق.
حينذاك، "إسرائيل" لم تكفّ عن استفزاز إيران لجرّ الولايات المتحدة إلى حربٍ شاملةٍ ضدّها. استجلبت جرائمها في استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال المناضل إسماعيل هنية في طهران عمليتين إيرانيتين كبريين؛ الوعد الصادق 1 والوعد الصادق 2.
الحرب الشاملة والمستمرة ضدّ محور المقاومة، بما في ذلك إيران طبعاً، وبالانخراط الأميركيّ الكامل؛ كان هو الهدف الإسرائيلي.
في هذا السياق، يقول هادي محمدي: "إحدى الأسس الإسرائيلية التي تغيرت هي الابتعاد عن الحروب الخاطفة والسريعة، والاعتماد على الحروب الطويلة بدعم الدول الغربية، والقائمة على الخرق الاستخباري والمعلوماتي والذكاء الاصطناعي لتحقيق أعلى نسبة من الأهداف.
إلى مرحلة طوفان الأقصى، كانت العقيدة الأمنية الصهيونية والأميركية تقوم على أساس ضبط الأفعال الإيرانية، ولكن بعد السابع من أكتوبر، عندما شعروا بالخطر الوجودي، انهارت هذه العقيدة الأمنية، وكما قال نتنياهو أن حلقة نار المقاومة المحيطة بإسرائيل هي بمثابة خطر وجودي عليهم، ونظراً للتركيبة النازية والعنصرية للحكومة الإسرائيلية تم توسيع الأهداف، لتشمل الانتهاء من إيران وفصائل المقاومة بدلاً من ضبط أفعالها".
خريطة الطريق إلى الحرب طويلة ومتشعبة، وكانت الرغبة الإسرائيلية والأميركية فيها تتعمّق مع كل تصدّ ناجح لإيران. قررت الولايات المتحدة و"إسرائيل" في النهاية الدخول فيها من بوابة العنوان النووي.
طهران، وكأنها استشعرت النوايا المخبأة، أفرجت عن جزء يسير من وثائق سرية حصلت عليها عن البرنامج النووي الإسرائيلي، لتسبق العالم في رسم الرواية الحقيقية.