تشاد من الجمهورية إلى الملكية: قراءة في التعديل الدستوري الذي كرّس حكم العائلة

لم يكن التعديل الدستوري سوى حلقة في مسار طويل لتحويل تشاد إلى "مملكة جديدة" بغطاء جمهوري تحكمها أسرة واحدة بدعم غربي وفي ظل غياب حراك سياسي وطني فاعل.

  • الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي
    الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي

في خطوة مثيرة للجدل، أقرّ برلمان دولة تشاد بغرفتيْه، تعديلاً دستورياً جوهرياً في الثالث من الشهر الجاري، مدّد بموجبه ولاية رئيس الجمهورية من خمس إلى سبع سنوات، مع رفع سقف دورات الترشح للرئاسة، فاتحاً الباب أمام الرئيس للترشح لأي عدد من الدورات يشاء. واعتمد التعديل سريان التعديلات بأثر رجعي، وكافأ البرلمان أعضاءه بزيادة ولاية الدورة البرلمانية إلى ست سنوات بدلاً من أربع.

مثّل هذا التعديل منعطفاً خطراً في المسار السياسي لدولة تشاد، وأحدث تغييراً جوهرياً في طبيعة النظام السياسي، إذ لم تكن هذه التعديلات سوى تتويج لمسار بدأ منذ اللحظة الأولى التي اعتلى فيها اللواء، محمد دبي كاكا، كرسي الرئاسة خلفاً لوالده، إدريس دبي، الذي قتل في جبهة القتال الأمامية، متجاوزاً بذلك النص الدستوري الذي كان يفرض انتقال السلطة إلى رئيس البرلمان.

السياق التاريخي

شكل وصول محمد كاكا إلى السلطة في عام 2021 انتهاكاً صريحاً للدستور، إذ استند إلى ما يمكن تسميته بـــ"الشرعية الظرفية" المصطنعة من قبل الخارج الذي رعى "كاكا" منذ أن كان طالباً بالكلية العسكرية في فرنسا، وقدّم له الرعاة -فرنسا وأميركا-دعماً سياسياً وعسكرياً لتعزيز موقفه.

أسست باريس وواشنطن "الشرعية الظرفية" على فرضية الخطر الأمني الذي يهدد وجود الدولة، ووظفت العاصمتان هذه الفرضية لتثبيت حكم "كاكا"، كما تم استغلالها في:

- تجاوز الدستور ثم تعطيله ثم تغييره

- حل البرلمان المنتخب

- توظيف الحوار الوطني الذي جرى برعاية قطرية في الدوحة كأداة تُضفي شرعية على النظام الجديد

الرعاية الغربية لــ "محمد دبي كاكا"

كان الدعم الغربي عاملاً حاسماً في تمكين "محمد كاكا" ونظامه:

- فرنسا: أول دولة تعترف بنظام "كاكا"، وأول دولة باركت توليه الرئاسة، ووفرت للنظام الجديد دعماً عسكرياً غير مشروط ثبت وجوده.

- أميركا: اعترفت بالنظام الجديد وعدّته شريكاً استراتيجياً في محاربة "الإرهاب"

- الاتحاد الأوروبي: اعترف هو الآخر بالنظام، ودعمه، وشارك أميركا وفرنسا في التغاضي عن شعارات تأسست على "حكم الدستور والحكم الديموقراطي وحقوق الانسان والحريات"، ما يثير التساؤلات حول جدية الموقف الغربي من هذه الشعارات

ردود الفعل

- قاطعت المعارضة وكتلها البرلمانية جلسات التصويت وعدّت التعديل الدستوري انقلاباً جديداً على الدستور

- أطلقت قوى سياسية تحالف "رفض التمديد"، ووصفت التعديل بأنه تمهيد لحكم الأسرة الواحدة

- تحركت نخب سياسية وقانونية، تندد بالتعديل، وقالت إن البرلمان غير مؤهل لتعديل دستوري بهذا الحجم، وكان رئيس الوزراء السابق "باهيمي باداكي" أبرز قادة النخب المعارضة للتعديل

التكييف القانوني والسياسي للتعديل الدستوري

اعتبر بعض القانونيين وأساتذة النظم السياسية التعديلات الدستورية تعديلات لخدمة شخص وليس لتحقيق مصلحة وطنية عامة. وقالوا: "إن التعديلات الدستورية يقرّها الشعب من خلال استفتاء دستوري ولا يقرّها البرلمان، وأنّها اخترقت قاعدة عدم رجعية القانون".

وقدّر خبراء أن التعديلات الدستورية قد مسّت طبيعة النظام الجمهوري، وصار بموجبها نظاماً هجيناً يجمع بين الطابع الجمهوري شكلاً، والطابع الملكي مضموناً بسبب:

- آلية توريث السلطة التي تجاوزت أحكاماً دستورية قاطعة

- عدم خضوع الحكم للمساءلة الشعبية الحقيقية

- فترات حكم مفتوحة غير مقيّدة بآجال زمنية ولا دورات انتخابية

خاتمة

وضع التعديل الدستوري ومن قبله تنصيب "محمد كاكا" رئيساً للدولة، تشاد على مفترق طرق، وأمام تحديات جديدة؛ تحدٍ سياسي سمته العامة تصلّب النظام واستقواؤه بالخارج على إرادة شعبه، واجتماعي ينذر بمضاعفة مساحات الاحتقان بين المكونات والشرائح الاجتماعية، وبخاصة القبائل التي فقدت السلطة وتلك التي تنتظر دورها في قيادة البلاد، ويتجلى الاحتقان بشكل خاص في شريحة الشباب التي سدّت التعديلات الأخيرة نوافذ الأمل في الإصلاح السياسي والنهوض الوطني.

بالتأكيد، لم يكن التعديل الدستوري سوى حلقة في مسار طويل لتحويل تشاد إلى "مملكة جديدة" بغطاء جمهوري تحكمها أسرة واحدة تحت غطاء من الدعم الغربي وفي ظل غياب حراك سياسي وطني فاعل.

اخترنا لك