تصعيد ترامب والولايات الديمقراطية.. الحرس الوطني يهدد الاتحاد

تصعيد ترامب في نشر الحرس الوطني يهدد الاستقرار الأميركي، مع تصاعد التوتر بينه وبين حكام الولايات الديمقراطية على خلفية قضايا الهجرة والعنف.

  • جنود من الحرس الوطني في تكساس داخل محيط مركز احتجاز تابع لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية (أ ف ب)
    جنود من الحرس الوطني في تكساس داخل محيط مركز احتجاز تابع لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية (أ ف ب)

بعد نشر قوات الحرس الوطني في ولاية إلينوي، رغم اعتراضات واسعة، تشهد السياسة الأميركية تصعيداً نوعياً بين ترامب والمعارضة، مع توسّعه في نشر قوات الحرس الوطني في الولايات، وما يجلبه ذلك من صدام بحكّامها من الحزب الديمقراطي.

انعكس في دعوته، في منشور على تروث سوشيال، إلى سجن عمدة شيكاغو براندون جونسون، وحاكم إلينوي جي بي بريتزكر، الديمقراطيين، مع اتهام بالفشل في حماية ضباط إدارة الهجرة والجمارك، بعد اتهامات متكررة بالفشل في "السيطرة على أعمال الشغب والعنف وخرق القانون". ورد بريتزكر بوصف دعوة ترامب بالاستبدادية، واعتبرها جونسون مرتبطة بتاريخ طويل من الاستهداف السياسي بدوافع عنصرية.

كان جونسون قد وقع يوم الاثنين أمراً تنفيذياً بفرض "منطقة خالية من إدارة الهجرة والجمارك"، ما يمنع موظفي الهجرة الفيدراليين من استخدام ممتلكات المدينة في عملياتهم. ورفعت ولاية إلينوي دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، معتبرة نشر الحرس الوطني غير قانوني وغير دستوري، ويمثل انتهاكاً للتعديل العاشر من الدستور وتعدياً على سلطة الولايات.

واتهمت الدعوى الرئيس بالسعي إلى "شيطنة المدن التي انتُخب فيها قادة ديمقراطيون". وقالت وزارة العدل في إلينوي إن الأميركيين "لا ينبغي أن يعيشوا تحت تهديد الاحتلال العسكري لمجرد أن قيادتهم السياسية لم تعد تحظى برضا الرئيس".

وجاء في الدعوى أن نشر القوات الفيدرالية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاضطرابات، ويزيد من انعدام الثقة بالشرطة، ويؤثر سلباً في الاقتصاد. ووثّقت استخدام عناصر فدرالية "أساليب شديدة العنف" سابقًا في إلينوي، من بينها تكتيكات تستخدمها فرق الاقتحام (SWAT)، وإطلاق ذخائر كيميائية على المتظاهرين، وتجوّل عناصر مقنّعة في وسط مدينة شيكاغو. وأكد الحاكم بريتزكر أن السلطات الفيدرالية "تحوّل شيكاغو إلى منطقة حرب"، متهماً ترامب بالسعي إلى "إشعال العنف عن عمد لتبرير المزيد من العسكرة".

هدد ترامب منذ أشهر بإرسال الحرس الوطني إلى شيكاغو، لكنه أعطى الضوء الأخضر رسمياً مطلع تشرين الأول/أكتوبر الحالي. وتؤكد الإدارة الأميركية، على لسان البيت الأبيض، أن الدافع وراء نشر الحرس "حماية الضباط والممتلكات الفدرالية"، و"السيطرة على أعمال الشغب والعنف وخرق القانون"، وردد ترامب مراراً أنّ "هدفه بسيط وهو إيقاف الجريمة في أميركا".

وأكّد سابقاً أنّه إذا لم يستطع أي حاكم ولاية السيطرة على الجريمة، ستتولى الحكومة الفدرالية المهمة. وسط اتّهامات بتوظيف السلطة الفدرالية ضد خصومه السياسيين، مقابل تركيز إدارته على خطورة تزايد التظاهرات المناهضة لسياساتها في الهجرة، وتحديداً الاحتجاجات أمام مقرّات وكالة الهجرة والجمارك (ICE)، وترديدها أن القوات الأمنية تتعرض لاستفزازات واستهداف من المتظاهرين.

ينفي المسؤولون المحليون في المدن المستهدفة ادعاءات ترامب بانتشار الفوضى والعنف على نطاق واسع. ويطرحون أنه في شيكاغو، على سبيل المثال، أظهرت الإحصاءات أن معدل جرائم القتل حتى نهاية أيلول/سبتمبر انخفض بنسبة 29% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما انخفضت معدلات الجريمة العامة بنسبة 13%. ويصفون الاحتجاجات على سياسات الهجرة، في مدن مثل شيكاغو وبورتلاند، بأنها "سلمية في معظمها ومحدودة"، ولا تشكّل "مناطق القتال" التي تصفها إدارة ترامب. لكن المسألة أن مطلب الإدارة يبدو غامضاً، ويلمح عملياً إلى رغبة في منع التظاهرات.

بعد صدور قرار نشر الحرس الوطني لولاية أوريغون في مدينة بورتلاند، أكبر مدن الولاية، أصدرت القاضية الفدرالية كارين إميرغوت (التي عيّنها ترامب سابقاً) أمراً مؤقتاً بوقف القرار، وفي اليوم التالي قررت الإدارة نشر حرس وطني في الولاية من تكساس وكاليفورنيا، لتصدر أمراً ثانياً بالوقف، سارٍ حتى السابع عشر من الشهر الحالي، ما يمُدّد، ويشمل نشر الحرس الوطني في ولاية أوريغون بالكامل، ومن أي ولاية أخرى. في الخلفية تتواصل الاحتجاجات في جنوب بورتلاند، أمام مقر وكالة الهجرة والجمارك (ICE)، وسط تقارير إخبارية محلية عن استخدام قوات إنفاذ القانون "مواد كيميائية" لتفريق المتظاهرين.

في المقابل، اتهم ترامب في تصريحاته، الأربعاء الماضي، منظمة "انتيفا" بإطلاق النار على أحد عناصر الشرطة في ولاية تكساس، وقال إن أعضاءها اعتدوا على عناصر الشرطة في أوريغون و"حاولوا منع إنفاذ القانون". وتبرز تصريحات إدارته دوماً خطورة "اليسار الراديكالي"، الذي تمثله "انتيفا" والحزب الديمقراطي وفق خطاب الإدارة (على اختلافهما الموضوعي الكبير)، خاصة بعد أحداث مثل تعرض أحد مقرات وكالة الهجرة في مدينة دالاس بولاية تكساس لإطلاق نار.

من جهة أخرى، يتواصل تهديد ترامب بتفعيل قانون التمرّد (Insurrection Act)، الذي يخول للرئيس نشر قوات عسكرية لمواجهة "الاضطرابات"، ويمنح الجيش صلاحيات مباشرة في العمل الأمني والاعتقال داخل الأراضي الأميركية، ولم يُفعّل منذ أحداث شغب لوس أنجلوس عام 1992.

ويبدو أن تفعيله لن يحجّم مشكلة نشر الحرس الوطني، الذي تبرره الإدارة بالحفاظ على الأمن العام وسلامة المنشآت، لكنه يعمّق الأزمة وينذر بتداعيات محتملة خطيرة، خاصة بعد دعوة ترامب لاعتقال مسؤولين حكوميين منتخَبين، واتهامات يرددها الكثيرون لترامب، ومنهم قيادات عسكرية سابقة وقدامى محاربين، بالديكتاتورية والفاشية، تحديداً بعد تهديده بتفعيل قانون التمرد.

اقرأ أيضاً: 

اخترنا لك