رسوم ترامب الجمركية تدفع بالأميركيين نحو الفقر.. ماذا يريد من ورائها؟

فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك بالإضافة رسوم جمركية على السلع الصينية، من شأنه أن يرفع الأسعار ويخفض عدد الوظائف في أميركا.

  • رسوم ترامب الجمركية تدفع بالأميركيين نحو الفقر.. ولكن، ماذا يريد من ورائها؟
    رسوم ترامب الجمركية تدفع بالأميركيين نحو الفقر.. ولكن، ماذا يريد من ورائها؟

بخطى متسارعة ومتهورة وغير مدروسة، وأحياناً مبنية على حسابات خاطئة ودوافع مصلحية شخصية كالانتقام مثلاً، يقود الرئيس الأميركي دونالد ترامب بلاده نحو الفوضى في فترة زمنية قياسية لم تتجاوز الـ100 يوم، لتبدأ وسائل الإعلام الأميركية القيام بجردة حساب لإخفاقات وإنجازات رئيسها.

في الأسبوع الأول الفوضوي من رئاسته، أظهر ترامب ازدراءه للمؤسسات الأميركية وللبيروقراطية الفيدرالية، ووجّه ضربة كبيرة للتحالفات التي عززت ما يسمّيه القادة السابقون "العالم الديمقراطي" بعد الحرب العالمية الثانية. كما قلل من شأن الكونغرس، محاولاً مراراً وتكراراً الاستيلاء على سلطاته.

أما الطامة الكبرى، فتتمثل في عدم مبالاته بالناخبين الذين أوصلوه إلى منصبه، بعدما فرض تعريفات جمركية كبيرة على الصين والمكسيك وكندا (والدولتان الأخيرتان تم تحييدهما حالياً لمدة شهر)، وهي بلدان تمثل نحو 40% من صادرات الولايات المتحدة و42% من وارداتها (بحسب الموقع الرسمي للحكومة الأميركية). وبهذا يعرض للخطر سبل عيش ملايين الأميركيين من ذوي الياقات الزرقاء (مصطلح يُستخدم للإشارة إلى العمال الذين يعملون في وظائف يدوية أو حرفية، مثل عمال المصانع والبناء، والسائقين، والفنيين) الذين شكلوا غالبية قاعدته الانتخابية.

وفي تبرير سطحي لخططه، قال ترامب في خطابه أمام جلسة مشتركة للكونغرس مساء الثلاثاء الماضي: "لقد تعرضنا للخداع من قبل كل دولة على وجه الأرض، ولن نسمح بحدوث ذلك بعد الآن".

كيف تساهم قرارات ترامب في تفاقم الفقر في أميركا؟

في الحقيقة، إن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك (باستثناء النفط الكندي، الذي فرضت عليه ضريبة بنسبة 10%)، بالإضافة إلى 10 نقاط مئوية تضاف إلى الرسوم الجمركية البالغة 10% التي فرضت الشهر الماضي على السلع الصينية، من شأنه أن يرفع الأسعار ويخفض عدد الوظائف في أميركا. وهذا، بدوره، سيتسبب في نتائج كارثية على شريحة واسعة من الأميركيين، خصوصاً الطبقة الفقيرة التي ستزداد فقراً.

لذلك، رداً على القرارات الأميركية، فرضت الصين بالفعل تعريفة جمركية بنسبة 15% (وفقاً لبلومبرغ) على الدجاج والقمح والذرة والقطن الأميركي، إضافة إلى ضريبة تبلغ نسبتها 10% على الذرة الرفيعة وفول الصويا ولحوم الخنزير والبقر والمأكولات البحرية والفواكه والخضروات ومنتجات الألبان.

وبموازاة ذلك، أعلنت كندا عن رفع فوري للتعريفات الجمركية بنسبة 25% على سلع أميركية بقيمة 21 مليار دولار (استناداً للموقع الرسمي للحكومة الكندية)، على أن يتم توسيعها إلى سلع إضافية بقيمة 87 مليار دولار في غضون 21 يوماً في حال طبّق ترامب وعوده بعد فترة الإعفاء الحالية.

أكثر من ذلك، هدّد رئيس وزراء أونتاريو بقطع إمدادات الكهرباء عن الولايات المتحدة. كما دعت كريستيا فريلاند، المرشحة لخلافة رئيس الوزراء جاستن ترودو، إلى فرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على سيارات "تسلا" الأميركية.

وعليه، ووفقاً لتوقعات مختبر الميزانية في جامعة "ييل"، فإن كل هذا قد يكلف الأسرة الأميركية النموذجية نحو 1245 دولاراً من القدرة الشرائية المفقودة. كما تحذر تقديرات أخرى من أنه إذا ردت كندا والصين والمكسيك بشكل متماثل - فرض رسوم جمركية بالحجم نفسه على السلع الأميركية - فإن مستوى دخل الأميركيين سوف ينخفض بنسبة 0.5% من قيمته الحقيقية، لا سيما في ولايات بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان وأوهايو، حيث من المرجح أن تتراجع الأجور بنحو 0.6%.

المكسيك رئة صناعة السيارات الأميركية

في الواقع، وللوقوف على حقيقة كيفية الانعكاس السلبي لقرارات ترامب على الاقتصاد الأميركي، يمكن النظر إلى صناعة السيارات، وهي الصناعة الأكثر تكاملاً في أميركا الشمالية. فـ 38% من قيمة السيارات المستوردة من المكسيك عبارة عن أجزاء وقطع ومكوّنات مصنّعة في الولايات المتحدة. ليس هذا فحسب، إذ يتم الحصول من المكسيك على 17 إلى 36% من مكونات وقطع سيارات من طراز كاديلاك التي يتم تجميعها في الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، تعبر قطع غيار السيارات الحدود الأميركية الشمالية  مرات عدة قبل أن ينتهي بها المطاف في مصانع التجميع التي تعود للوكلاء. من هنا، وفي حال أقدمت واشنطن بعد شهر على رفع التعريفة الجمركية بنسبة 25%، فإن سعر السيارات سيزيد عند كل معبر، ما يؤدي بالتالي إلى تدمير القدرة التنافسية للصناعة الأميركية.

الترابط بين المنتجات الصينية والاقتصاد الأميركي

تعد الصين أكبر سوق للمنتجات الزراعية الأميركية، حيث تمثل 17% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة الزراعية في عام 2023، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية. أكثر من ذلك، استوردت الصين العام الماضي ما يقرب من 20 مليار دولار من فول الصويا والذرة والقطن والمنتجات الزراعية الأميركية الأخرى، التي ستخضع للرسوم الجمركية الجديدة. وقد مثلت هذه المنتجات نحو 80% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة الزراعية إلى الصين.

ومع دخول قرارات ترامب بحق الصين حيز التنفيذ في 4 آذار/مارس الجاري، خسرت العقود المستقبلية المرتبطة بالقمح والذرة نحو 2% و1% على التوالي. والمثير أن خبر الرسوم الجمركية انعكس هبوطاً في مؤشرات الأسواق الأميركية الكبرى، إذ تراجع مؤشر "داو جونز" الصناعي بمقدار 670 نقطة أو أكثر من 1.5% ليغلق عند 42,520.99. وفي 3 آذار/مارس الجاري، تسببت التعريفات الجمركية في هبوط مؤشر سوق الأسهم "ستاندرد آند بورز" 500 بنسبة 1.8%، وفي اليوم التالي، انخفض المؤشر بنسبة 1.2% إضافية ليغلق عند 5,778.15. وأيضاً، تراجع مؤشر "ناسداك" الذي يركز على التكنولوجيا بنسبة تزيد عن 0.3% ليغلق عند 18,285.16. ومن الممكن أن تؤدي احتمالات الركود التضخمي - وهو مزيج من التضخم والركود - الناجمة عن تصرفات ترامب إلى انخفاضه أكثر.

هل هناك إيجابيات لسياسات ترامب؟

صحيح أن انتقام ترامب سيلحق ضرراً كبيراً بالمكسيكيين والصينيين والكنديين، ولكن النفوذ السياسي الذي قد يكتسبه قادة هذه الدول من فقدان الوظائف وارتفاع الأسعار في أميركا قد يجعل الأمر يستحق العناء، إذا كان من شأنه أن يضعف فرص الجمهوريين في الاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في الانتخابات المقبلة.

لكن سياسة ترامب التجارية تفتقر إلى أي جانب إيجابي، ولا فائدة يمكن أن تجنيها واشنطن من كل هذا الضرر. فالرسوم الجمركية لم تمنع تدفق الفنتانيل من المكسيك إلى الولايات المتحدة، ولم توقف مسيرة المهاجرين نحو حدود الولايات المتحدة، ولن تؤثر حتى على العجز التجاري.

في المحصّلة:

في حين تتصاعد نقمة الأميركيين ضد سياسات ترامب وطاقم إدارته، فإن المُنقذ الوحيد لهم قد تكون الأسواق المالية، التي وحدها ستتمكن من إقناعه بوقف النزيف الاقتصادي قبل أن تجعلهم فقراء حقاً. ومع ذلك، ثمة لغز يحيّر الخبراء وخصوم ترامب وهو: ما الذي يريده ترامب من وراء قراراته العشوائية تلك؟

اخترنا لك