سوريا.. سقف تطلعات عالٍ من الحكومة المرتقب تشكيلها

يرفع السوريون سقف التوقعات عالياً عشية كل تشكيل حكومي جديد، استناداً إلى جملة عوامل موضوعية وملفات كبيرة ينتظر أن تواجهها الحكومة الجديدة، والتي تمس معيشة ملايين السوريين.

  • رفع سقف التطلعات من الحكومة الجديدة يدعمه تغيير جذري أجراه حزب
    رفع سقف التطلعات من الحكومة الجديدة يدعمه تغيير جذري أجراه حزب "البعث" الحاكم

يرفع السوريون سقف التوقعات عالياً عشية كل تشكيل حكومي جديد. تكرر الحال 8 مرات على الأقل خلال سنوات الحرب قبل حكومات عادل سفر ورياض حجاب وعمر غلاونجي ووائل الحلقي في الحكومتين اللتين ترأسهما 2012 و2014، وعماد خميس، وحسين عرنوس في حكومته الأولى 2020 والثانية 2021، واليوم عشية التحضيرات لإعلان حكومة جديدة.

بحسب الدستور السوري، تُعدّ الحكومة الحالية حكومة تسيير أعمال "عند انتخاب مجلس شعب جديد" وفقاً للمادة 125 من الدستور. وتستمر على هذا الحال ريثما يصدر رئيس الجمهورية مرسوم تسمية الوزارة الجديدة، وهي محط الترقب والاهتمام استناداً إلى جملة عوامل موضوعية هي:

1- تفاقم المصاعب الاقتصادية التي عاشها السوريون خلال السنتين الأخيرتين خصوصاً، بصرف النظر عن التبرير الحكومي الدائم بإرجاع تلك المصاعب إلى تبعات الحرب، وخروج القطاعات المنتجة بمعظمها عن الدوران.

ويمكن تتبع التراجع المعيشي خصوصاً من مؤشر موازنة الدولة التي بلغت 35 ألف مليار ليرة سورية للعام الحالي، وبعجز يصل إلى 9.4 ألف مليار ليرة. وبحسب سعر الصرف في السوق الموازي، لا تتعدى تلك الموازنة 2.5 مليار دولار، أي أنّها أخفض من ميزانية عام 2023 البالغة 16.5 ألف مليار ليرة، أو ما يعادل 3.6 مليار دولار، بحسب سعر الصرف في حينه، ومقارنة بنحو 5.3 مليار دولار عام 2022، و6.8 مليار دولار عام 2021، و9.2 مليارات دولار عام 2020.

المؤشر الآخر تؤكده بيانات وتقارير وكالات ومؤسسات الأمم المتحدة التي قدرت مستوى الفقر بأكثر من 90% من السوريين، وهو مؤشر يمكن تتبعه بسهولة في الشارع السوري، أو من خلال مقارنة قيمة الأجور الشهرية التي لا تتجاوز 400 ألف ليرة وسطياً للموظف، وحاجته إلى أضعاف ذلك المبلغ لتأمين أبسط أساسيات معيشته!

2- ثمة ملفات كبيرة ينتظر أن تواجهها الحكومة الجديدة تمس معيشة ملايين السوريين، أبرزها مشروع تحويل الدعم الاجتماعي على سلع أساسية كالخبز والسكر والمازوت والغاز المنزلي إلى مبالغ مالية مباشرة توضع في حسابات مصرفية للعائلات المستفيدة من الدعم حتى اليوم، بعد استبعاد مئات آلاف العائلات خلال السنتين الماضيتين من الدعم، تبعاً لمؤشرات وضعتها حكومة عرنوس ولاقت حينها جدلاً واسعاً. 

3- ليس بعيداً عن هذا الملف عناوين تتصل بفرص العمل والحد من ظاهرة هجرة الشباب التي باتت تستنزف المجتمع السوري بكفاءات وخبرات يحتاجها. وقد بدا مشجعاً صدور قرارات قيادة الجيش السوري في تخفيض عدد سنوات الاحتياط وصولاً إلى حصرها بنحو سنتين فقط نهاية العام القادم، والالتفات إلى تطوير التعليم بشقيه الجامعي وقبل الجامعي بعد تراجع حاد أصاب العملية التعليمية تبعاً للحرب ومغادرة آلاف الكوادر التعليمية والمهنية التي تحتاجها تلك العملية.

4- عوامل أخرى لا تقل أهمية تنتظر الحكومة المقبلة عنوانها ضرب الفساد، وقد بات يشكل تحدياً هائلاً أمام النهوض الاقتصادي والخدمي، وإيجاد مقاربات واقعية لتحسين الأداء العام بعيداً عن الحصار الغربي، وقانون قيصر الذي يمنع حتى اليوم دخول الاستثمارات والأموال الراغبة بالعمل في سوريا. وينطلق ذلك من مسلمة أن أي انتعاش اقتصادي لا بدّ أن ينطلق من مناخ جاذب أو غير طارد على الأقل، لدخول مستثمرين سوريين بالدرجة الأولى يعملون في مشاريع واعدة ضمن البنى التحتية.

وكان لافتاً خلال دورة مجلس الشعب السابق أنّ وزارة العدل هي من طلبت رفع الحصانة عن عدد من أعضاء المجلس لاستكمال التحقيق في قضايا ينظر فيها القضاء وبعضها يمس المال العام، وتم بالفعل رفع الحصانة عن سبعة منهم، فيما منطق الأمور أنّ مجلس الشعب هو من يراقب ويتابع أداء السلطة التنفيذية من وزراء ومدراء وغيرهم ويحجب الثقة أو يحيل إلى الجهات القضائية من يثبت تورطه بالفساد. 

وفق ذلك المشهد، يصبح رفع سقف التطلعات من الحكومة الجديدة منطقياً للغاية يدعمه تغيير جذري أجراه حزب "البعث العربي الاشتراكي" الحاكم في قيادته المركزية في أيار/مايو الماضي، واستمراره بالسيطرة على مجلس الشعب عبر نحو 170 عضواً في الانتخابات الأخيرة من أصل 250 عضواً.

وضمن مناخ انفراجات سياسية تلوح بالأفق عبر انفتاح عربي متزايد على سوريا توجته الرياض بإرسال سفير لها وإعادة حركة النقل الجوي السعودي والبحريني نحو دمشق، وتحرك روسي – عراقي نشط على مسار دمشق – أنقرة يبدو مشجعاً تبعاً للقاء مرتقب بين الجانبين، وتصريحات رفيعة المستوى كسرت كثيراً من الجمود في اتجاه تنشيط تفاوضٍ يُعيد علاقات البلدين، وينعكس، إذا ما نجح، بعمق انفراجات جدية  في الأزمة التي تواجهها سوريا منذ عام 2011.