شهادات جنود الاحتلال من غزة عن الفظائع الإسرائيلية المرتكبة في القطاع

سلسلة طويلة من قصص الموت والفظائع الإسرائيلية في قطاع غزة رُويت على لسان 6 جنود إسرائيليين، تحدّثوا لوسائل إعلام عالمية وإسرائيلية، شاركوا بهذه الفظائع حيناً، وعاينوها حيناً آخر.

  • شهادات جنود الاحتلال من غزة عن الفظائع الإسرائيلية المرتكبة في القطاع
    شهادات جنود الاحتلال من غزة عن الفظائع الإسرائيلية المرتكبة في القطاع

ارتكب "جيش" الاحتلال الإسرائيلي من الفظائع في غزة ما تعجز القواميس عن وصفه، من قتل وتدمير وتعذيب وتمثيل بالجثث، والتفنن في إيذاء أهل غزة.. فهل يعقل أنه نتيجة للملل، أطلق عناصر الاحتلال، النار على الفلسطينيين الهاربين من صواريخ وقذائف الموت. وهل تصدّق أن المئات من المدنيين أعدموا بدم بارد بذنب وحيد أنهم ضلّوا الطريق، إضافة إلى العشرات من الأطفال والنساء الذين استشهدوا دهساً وبشكل متعمّد، تحت جنازير جرّافات الاحتلال.

ولم يكتفِ "جيش" الحقد الإسرائيلي بعشرات الآلاف من القذائف والقنابل الثقيلة التي دمّرت منازل الغزيين وخيامهم فوق رؤوسهم، وأسقطت عشرات الآلاف من الشهداء وأكثر من ذلك بكثير من المصابين، بل منع الطواقم الطبية من الوصول إلى المصابين والشهداء، وترك الجثث لتتعفّن وتأكلها الحيوانات الضالة. بل وأضرم النار في منازل الفلسطينيين بعد نهبها، وفجّر العشرات من المربّعات السكنية، والدافع الوحيد هو الانتقام.

ما سلف ليس سوى عيّنة، من سلسلة طويلة من قصص الموت (وهي بالمئات) التي رويت على لسان 6 جنود إسرائيليين، تحدّثوا لوسائل إعلام عالمية وإسرائيلية، شاركوا بهذه الفظائع حيناً، وعاينوها حيناً آخر.

زد على ذلك، أن هذه الروايات التي رووها، أكدت إفادات شهود العيان والأطباء الفلسطينيين طوال الحرب. الجدير بالذكر، أن هؤلاء الجنود، تحفّظوا عن ذكر أسمائهم، واستعيض عنها بالأحرف الأولى فقط. 

"الجيش" الإسرائيلي وقواعد إطلاق النار

منذ ثمانينيات القرن العشرين، رفض "جيش" الاحتلال الكشف عن قواعد إطلاق النار، بالرغم من الالتماسات المختلفة المقدّمة إلى محكمة العدل العليا. فوفقاً لعالم الاجتماع السياسي الإسرائيلي، ياغيل ليفي: "لم يُعطِ الاحتلال الجنود قواعد اشتباك مكتوبة"، مما فتح المجال للجنود لتفسير الأمور على هواهم في الميدان.

والمفارقة أنه عدا عن المساهمة في مقتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، كانت هذه التوجيهات المتساهلة، مسؤولة جزئياً أيضاً، عن العدد الكبير من الجنود الذين قتلوا بنيران صديقة في الأشهر الأخيرة.

أكثر من ذلك، أوضحت عدة مصادر عسكرية داخل "جيش" الاحتلال، كيف أن القدرة على إطلاق النار من دون قيود، أعطت عناصر الاحتلال وسيلة للتنفيس عن التوتر والاحتقان، أو التخفيف من روتينهم اليومي.

شهادات مروّعة لجنود إسرائيليين عن قتل الفلسطينيين

تحوّلت جرائم القتل في غزة إلى لعبة أو مسابقة بين الجنود، تنتهي عادة بجثة فلسطيني مرمية على الأرض. حيث يؤكد جندي إسرائيلي (اكتفى بحرف "ب" كبديل عن اسمه) خدم لعدة أشهر في القوات النظامية بالقطاع: "كانت لدينا حرية عمل كاملة"، وأضاف "إذا كان هناك [حتى] شعور بالتهديد، فلا داعي للشرح - ما عليك سوى إطلاق النار. فعندما يرى الجنود شخصاً يقترب، يجوز إطلاق النار على جسده، وليس في الهواء". وتابع: "يجوز إطلاق النار على الجميع، سواء كان فتاة صغيرة أو امرأة أو عجوزاً ".

يسرد الجندي (ب) واقعة حدثت في تشرين الثاني/نوفمبر، عندما قتل الجنود عشرات المدنيين أثناء إخلاء مدرسة قريبة من حي الزيتون في مدينة غزة، كانت عبارة عن مأوى للفلسطينيين النازحين. آنذاك أمرت قوات الاحتلال الأشخاص الذين تمّ إجلاؤهم، بالخروج إلى اليسار باتجاه البحر، وليس إلى اليمين، حيث يتمركز الجنود. ومع ذلك تمّ إطلاق النار فوراً على أولئك الذين انحرفوا في الاتجاه الخاطئ، (بينهم أطفال) وسط الفوضى التي تلت ذلك.

ويضيف الجندي "ب": "قُتل كلّ من اتجه إلى اليمين، أي ما بين 15 إلى 20 شخصاً. كانت هناك كومة من الجثث".

وبحسب الجندي فإن كل رجل يتراوح عمره بين 16 و50 عاماً، "كان يُشتبه بأنه إرهابي. فالتجوّل ممنوع، وكل من هو في الخارج يشعر بالريبة. إذا رأينا شخصاً ما من النافذة ينظر إلينا، فهو مشتبه به. فنطلق النار". وهذا الكلام ثبّته جندي آخر، مشيراً إلى أن "أي شخص يريد إطلاق النار، بإمكانه فعل ذلك، بغض النظر عن السبب". 

أحد هؤلاء الجنود الستة الذين تمت مقابلتهم كان على استعداد لذكر اسمه، يدعى يوفال غرين، وهو جندي احتياط من القدس، يبلغ من العمر 26 عاماً، خدم في لواء المظليين 55 بين تشرين الثاني/نوفمبر، وكانون الأول/ديسمبر الماضي، (وقّع غرين مؤخراً رسالة من 41 من جنود الاحتياط يعلنون فيها رفضهم مواصلة الخدمة في غزة، بعد اجتياح رفح).

يبدأ غرين حديثه بالإفصاح عن عدم وجود قيود على الذخيرة، فالعناصر "كانوا يطلقون النار لتخفيف الملل فقط". ويعترف أنه مع وصوله إلى خان يونس في نهاية كانون الأول/ديسمبر، رأى كتلة غير واضحة خارج أحد المنازل، فأدرك أنها جسد. بعدها لاحظ ساقاً. وفي الليل أكلت القطط الجثة. ثم جاء شخص ما ونقلها. والكلام هنا يعود لغرين.

النيران الصديقة وعدم المبالاة بالأسرى الإسرائيليين

أصابت شراسة المقاومة في غزة "جيش" الاحتلال بالهيستيريا وفقدان السيطرة. فعلى ذمة المؤسسة العسكرية، قُتل حتى مطلع الشهر الجاري نحو 28 جندياً بنيران صديقة. والغريب، أن مثل هذه الحوادث، كانت بنظر الجندي غرين "القضية الرئيسية" التي تعرّض حياة رفاقه للخطر. حيث قال "كان هناك قدر كبير من النيران الصديقة.. لقد دفعني ذلك إلى الجنون".

أما المفاجأة الكبرى بالنسبة لغرين، فهي أنّ قواعد الاشتباك الدموية هذه أظهرت أيضاً لا مبالاة عميقة بمصير الرهائن. فعلى أثر قتل جنود الاحتلال، لثلاثة أسرى في حيّ الشجاعية كانوا يلوّحون بأعلام بيضاء في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قيل لغرين: "لا يوجد شيء يمكننا القيام به". والأنكى أنّ كبار ضباط "الجيش" لم يطلعوا جنودهم على ما حدث في الميدان. إذ إن غرين والعناصر الذين كانوا معه، سمعوا بإطلاق النار على الرهائن بعد أسبوعين ونصف الأسبوع فقط من الواقعة، بعد أن غادروا غزة.

ليس هذا فحسب، فقد كشف غرين أنه "سمع تصريحات من جنود آخرين مفادها، أن الرهائن ماتوا، وليس أمامهم أي فرصة، ويجب التخلي عنهم. ولفت إلى أن: "هذا أزعجني أكثر من غيره... استمرّوا يقولون لنا نحن هنا من أجل الرهائن، لكن من الواضح أن الحرب تضرّ بالرهائن".

إطلاق النار على المستشفيات والمدارس وإحراق المنازل

تزعم "إسرائيل" زوراً أن إطلاق النار على "المستشفيات والعيادات والمدارس والمؤسسات الدينية ومباني المنظمات الدولية" يتطلّب الحصول على تصريح أعلى. لكن على أرض الواقع، يقرّ الجنود أنه بالإمكان الحساب على أصابع اليد،عدد الحالات التي طُلب منهم عدم إطلاق النار. حتى مع الأشياء الحساسة مثل المدارس، كانت الموافقة مجرد إجراء شكلي.

وبناءً على ذلك، يؤكد جندي عرّف عن نفسه بحرف "أ" أن "الهدف من القتل هو إحصاء عدد الفلسطينيين الذين قتلناهم اليوم .فكلّ [عنصر] يريد أن يظهر أنه الرجل الكبير. كان التصوّر هو أن جميع الرجال كانوا إرهابيين".

شهادة الجندي "أ" توافقت مع تقرير صدر مؤخراً عن المنفّذ الإخباري الإسرائيلي "ماكو"، حول غارة بطائرة من دون طيار نفّذتها إحدى كتائب "جيش" الاحتلال، وأدت إلى مقتل فلسطينيين في منطقة عمليات كتيبة أخرى. وقتها، تشاور ضباط من كلا اللواءين بشأن من يجب أن يسجّل الاغتيالات وقال أحدهما للآخر: "ما الفرق الذي يحدثه؟ سجّله لكلينا".

إلى جانب ذلك، عندما تقوم الطائرات من دون طيار ببثّ لقطات حية لهجمات الاحتلال في غزة، "كانت هتافات الفرح تملأ غرفة الحرب"، قال الجندي "أ": "من حين لآخر، ينهار مبنى... ويكون الشعور هو: يا له من جنون، يا لها من متعة".

محاولة طمس الجرائم

 اعترف العديد من الجنود أن سياسة إطلاق النار المتساهلة مكّنت الوحدات الإسرائيلية من قتل المدنيين الفلسطينيين حتى عندما تمّ التعرف إليهم مسبقاً. ففي جميع أنحاء غزة، بقيت جثث الفلسطينيين بملابس مدنية متناثرة على طول الطرق وفي الأراضي المفتوحة. 

وبهدف إخفاء جرائمهم قبل وصول القوافل الإنسانية، كشف جندي أطلق عليه حرف "س" عن استقدام قيادته الميدانية، لجرّافة من طراز D-9، ومعها دبابة، لإخراج الجثث، حيث كانت تقوم بتطهير المنطقة من الجثث، ودفنها تحت الأنقاض، أو تقلبها جانباً حتى لا تراها القوافل الإنسانية. أما من تحلّلت جثته فيطمر سريعاً، تداركاً لانكشاف الأمر.

ويتابع الجندي "س": "لقد رأيت الكثير من المدنيين الفلسطينيين، عائلات ونساء وأطفالاً. كلّ يوم، يُقتل ما لا يقلّ عن واحد أو اثنين من المدنيين، لأنهم كانوا يسيرون في منطقة محظورة. لا أعرف من هو إرهابي ومن ليس كذلك، لكن معظمهم لم يحملوا أسلحة".

ومن بين المشاهد الأكثر فظاعة في روايات الجنود، كانت ما أعلنه الشهر الماضي الجندي غي زاكين، الذي كان يدير جرّافات D-9 في غزة. فخلال الإدلاء بشهادته أمام لجنة في الكنيست، أقرّ أنه وطاقمه دهسوا المئات أحياءً وأمواتاً. تلا ذلك انتحار جندي آخر خدم معه.

إضافة إلى ما تقدّم، روى اثنان من الجنود، كيف أصبح حرق منازل الفلسطينيين ممارسة شائعة بين الجنود الإسرائيليين بغية الانتقام فقط، كما أوردت صحيفة "هآرتس" للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير. فاستناداً لقائد سرية، كانوا يحرقون البيوت، ليس بسبب عدم وجود ذخيرة تدمّر المنزل بسرعة، ولكن لأنهم يرغبون بالانتقام والتشفّي من الفلسطينيين. 

 

علي دربج - أستاذ جامعي

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.