غزّة تهزم "ترامب الهولندي".. كيف غيّرت الإبادة الإسرائيلية وجه الانتخابات في هولندا؟

غزَّة تشكل قضيةً أساسيةً لدى الناخبين الهولنديين على تنوُّعهم، لإدراكهم أنَّ مستقبل القطاع هو مستقبل العالم، وها هي تهزم ترامب الهولندي.

  • مواطن هولندي يمر بدراجته بجانب لوحة دعائية لرئيس حزب الحرية اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، في لاهاي (29 أكتوبر 2025 - أ ف ب)
    مواطن هولندي يمر بدراجته بجانب لوحة دعائية لرئيس حزب الحرية اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، في لاهاي (29 أكتوبر 2025 - أ ف ب)

انتخب الهولنديون يوم الأربعاء الفائت أعضاء مجلس النوّاب المؤلَّف من 150 مقعداً للمرَّة الثالثة خلال 4 سنوات، هي المدَّة الزمنية والقانونية لمجلس واحد. لكنَّ، طبيعة النظام الانتخابي الهولندي النسبي، لا تُتيح لأي من الأحزاب هيمنةً واسعةً بعدد المقاعد، حيث يضطرُّ الحزب الفائز بالأكثرية إلى تشكيل حكومة ائتلافية دائماً.

ولطالما كان تاريخ تأليف الحكومات في المملكة "البرتقالية"، يستنزف وقتاً طويلاً، وحكومة ديك تشوف المستقيلة والمصرفة للأعمال، تشكَّلت بعد نحو 7 أشهر من المفاوضات المضنية بين "حزب الحرية" اليميني المتطرف الحائز على الأكثرية، وسائر الأحزاب التي رفض معظمها من الليبراليين والوسطيين واليسار التعاون مع شخصية رئيس "حزب الحرية" خيرت فيلدرز المُلقَّب بـ"ترامب هولندا".

مع ذلك، فشل فيلدرز في أن يترأَّس الائتلاف الحكومي شخصيّاً، حتى بين أحزاب يمين الوسط والمحافظين الذين توافقوا على حكومة برئاسة ديك شوف المستقلّ سياسيّاً ومدير جهاز الاستخبارات السابق، في سابقة غير معتادة ألا يكون زعيم الحزب الفائز في الانتخابات رئيساً للحكومة، مع أنَّ ائتلافها تشكَّل من 4 أحزاب يمينية مُتفاوتة من الوسط إلى المتطرّف، وقدمت خُططها تحت عنوان فضفاض "الأمل والشجاعة والفخر"، وصفه فيلدرز بالبرنامج الذي "سيجعل الشمس تُشرق مُجدَّداً في هولندا"، باعتبار أنَّ الخطط مُركَّزة حول مسائل اللجوء والهجرة.

"إسرائيل" حاضرة في الانتخابات الهولندية

خلال تسمية الوزراء والحقائب أراد خيرت فيلدرز أن يتولَّى جدعون ماركوسزوير وزارة الهجرة واللجوء، وهو نائب عن "حزب الحرية" مزدوج الجنسية الإسرائيلية الهولندية، وعمل سابقاً كمتحدث باسم حزب "الليكود" الإسرائيلي (فرع هولندا)، لكنَّ جهاز الأمن والاستخبارات لم يسمح له بأن يصبح وزيراً، لأنَّ ذلك يُشكِّل خطراً على الأمن الهولندي.

كان التحدي أمام حكومة الائتلاف اليميني في برنامجها الغامض في القدرة على تنفيذه بظلِّ القوانين الهولندية والأوروبية، أو المعاهدات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان، كون استهداف اللاجئين والهجرة يطالُ أبعاداً ثقافية وأخلاقية راكمتها الشعوب في أوروبا، وتتمسَّكُ بها بغضِّ النظر عن الخيانة الدائمة لمعظم المسؤولين الغربيين لهذه المبادئ، خاصَّةً الذين يتغنَّون بقيم "الليبرالية"، وعلى الفور يمدُّون آلة القتل الإسرائيلية بالقنابل والطائرات.

في حين كان فيلدرز ماضياً في سياسات التضييق على الهجرة واللاجئين، كانت أعمال الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزَّة ماضيةً هي الأخرى بتواطؤ غربي ليس خفيّاً، أدَّى إلى انهيار مصداقيته أمام العالم، وأمام التاريخ.

عمَّت الاحتجاجات والتظاهرات المدن الهولندية ضدَّ الجرائم الإسرائيلية في غزة، وتُوجت بإعلان وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلد كامب استقالته من حكومة تصريف الأعمال، بسبب موقفها الرافض لفرض إجراءات جدِّية ضد "إسرائيل"، التي تواصل عدوانها على قطاع غزَّة، وتنفيذ خُطَّطها الاستيطانية في الضفَّة الغربية المحتلة.

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف الهولندي يتصدع مع انفصال صوت جديد عن فيلدرز

الإبادة في غزة تؤثر على قرارات الهولنديين الانتخابية

  • آلاف المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في أمستردام يطالبون بموقف أكثر صرامة ضد
    آلاف المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في أمستردام يطالبون بموقف أكثر صرامة ضد "إسرائيل" (5 أكتوبر 2025 - رويترز)

وفي استطلاع للرأي أجرته شركة "موتيفاكشن" لمصلحة "منتدى الحقوق"، ومنظَّمتي "باكس"، و"سومو"، وغيرهما، ظهر أَنَّ ما يقرب من نصف الشعب الهولندي يأخذ في الاعتبار موقف الأحزاب السياسية بشأن الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الفلسطينيين في غزَّة، حين سيصوتون في الانتخابات التشريعية، بينما أعرب 25% من عيِّنة شملت ألف شخص إلى أنَّ غزَّة تؤدي دوراً ثانوياً في تصويتهم، ورأى 11% أنَّها مُهمَّة جدّاً، و7% قالوا إنَّها بالغة الأهمِّية.

كما وافق أغلبية المشاركين على أنَّ "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة، ونحو 55% يرونها نظام فصل عنصرياً، بينما يُنكر 12% فقط من المشاركين الإبادة الجماعية والفصل العنصري.

كذلك طالب أغلبية المشاركين في الاستطلاع أيضاً ضرورة أن تفرض هولندا عقوبات على "إسرائيل"، ويؤيد 57% من الهولنديين حظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. وأكثر من النصف بقليل يطالبون بفرض عقوبات اقتصادية على "إسرائيل" إذا لم تتوقَّف عن توسيع المستوطنات، و54% يطالبون بحرمانها المزايا التجارية مع الاتحاد الأوروبي.

يعتقد أكثر من 40% من المشاركين أنَّ هولندا متواطئة في الإبادة الجماعية، لأنَّ الحكومة لم تتخذ المزيد من الإجراءات. مدير "منتدى الحقوق" في هولندا جيرارد يونغمان، كتب قبل الانتخابات، "من الواضح أنَّ الرأي العام الهولندي يُفكِّر بشكل مختلف تماماً عن السياسيين، حيث ستكون غزَّة مسألةً محوريةً في الانتخابات المقبلة. فالرأي العامُّ يدرك تماماً ما تعنيه المعايير والقيم الإنسانية والقانون الدولي. ويمكن للحكومة وأغلبية أعضاء مجلس النواب أن يتعلَّموا من هذا الأمر الآن".

وقبل أسبوعين من الانتخابات كشف بحث أجرته وكالة استطلاعات الرأي "إبسوس"، عن ارتفاع الاستياء من سياسة الحكومة الهولندية تجاه غزَّة. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، أجرت "إبسوس" 5 استطلاعات رأي حول هذا الموضوع، حيث ارتفعت نسبة الهولنديين الذين يرفضون سياسات الحكومة كلياً أو جزئياً من نحو النصف إلى الثلثين، وقد شهدت هذه النسبة زيادة سريعة خلال العام الماضي من 49%، إلى 59% منتصف العام الجاري، والآن قفزت النسبة إلى 66%.

لن تصدر نتائج الانتخابات النهائية حتى مساء الاثنين المقبل، لكن من المؤكَّد أنَّ حزب فيلدرز سيخسر على الأقل 10 مقاعد حصَّلها في الانتخابات السابقة، وتقدم الحزب الليبرالي "دي 66" وزيادة عدد مقاعده بثلاثة أضعاف لم يكن كُلُّه إعجاباً مُفاجئاً به من الهولنديين أكثر ممّا هو ردُّ اعتبار لقيم حقوقية وسياسية، بمواجهة التحالف الفاشي الصهيوني، المُغطَّى من حكومات بمعظمها تقول إِنَّها ليبرالية.

يقول المحتجُّون إنّ هولندا والاتحاد الأوروبي يستطيعون فعل الكثير لأجل غزَّة، ويشيرون إلى مجموعة واسعة من الوسائل والأدوات لمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها، وعلى الأقلِّ إيقافها. لقد شكَّلت غزَّة قضيةً أساسيةً للناخبين الهولنديين على تنوُّعهم، لإدراكهم أنَّ مستقبل القطاع هو مستقبل العالم، وها هي غزَّة عصيَّةٌ على نتنياهو، وهزمت ترامب الهولندي، وقد تهزم النسخة الأصلية في واشنطن.

اقرأ أيضاً: "بلومبرغ": الناخبون الهولنديون يتجهون نحو الوسطيين مع تراجع اليمين المتطرف

اخترنا لك